[jnews_post_author]
كمتابع ومهتم ، لا أزعم بأن العلاقة بين أكراد سوريا وآشورييها هي سيئة. لكنني أشهد على أنها ليست جيدة. ليست كما يجب أن تكون بين قوميتين تتعايشان معاً على ذات الأرض في تجمعات سكانية مختلطة وفي كنف ذات الدولة السورية. فتور العلاقة الكردية – الآشورية يعود لأسباب وعوامل عديدة . بعضها يرتبط بالموروث التاريخي والاختلاف الثقافي للشعبين ، وبعضها الآخر يعود إلى تراكمات الماضي السلبي المثقل بالمظالم . ثمة أسباب أخرى ترتبط بدسائس السياسيين ونهج الغلاة القوميين القائم على ” أدلجة الهوية والانكفاء على الذات القومية ” . الهوية، كما يرى المفكر (أمين معلوف) حين تنكفئ على ذاتها وترفض التفاعل مع الآخر تصبح من “الهويات القاتلة“.
ياسين الحاج صالح ، كاتب سوري ، معارض وسجين سياسي سابق، حذر من مخاطر غلو الخطاب الكردي، في مقال له في (جريدة الحياة 22/3/2009 ) بعنوان ( في شأن سورية وأكرادها والمستقبل): ” لم تكن نادرة في السنوات الأخيرة كتابات وتصريحات كردية تجمع بين سقم فكري وأخلاقي شديد وبين تمركز شوفيني حول الذات، يتفوق على أشنع التعبيرات الشوفينية العربية. هذا مسلك خاطئ بالمطلق، ولا تصح مجاملته وتبريره “.
الخلل في العلاقة (الكردية – الآشورية) هي مسؤولية مشتركة . (الحركة الكردية )، لأنها الأكثر قدرة على المبادرة والفعل ، تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية.يبدو لي أن القوى والأحزاب الكردية غير مهتمة ولا يعنيها كثيراً تصحيح مسار علاقة الأكراد بالآشوريين (سرياناً كلداناً ). الساسة والقوميون الكورد يتعمدون التقليل من شأن الوجود (السرياني الآشوري) واختزال مسألة الأقليات القومية في سوريا بـ”المسألة الكردية” وحدها . أحزاب كردية سورية بارزة عقدت مؤتمراتها العامة فترة الأزمة السورية الراهنة (الديمقراطي التقدمي الكردي – المؤتمر التأسيسي الأول للتحالف الوطني الكردي – حزب الوحدة الديمقراطي الكردي/يكيتي – الاتحاد الليبرالي الكردستاني ) ، البيانات الختامية لمؤتمرات هذه الأحزاب خلت من الإشارة إلى (حقوق وقضية) السريان الآشوريين السوريين. هذا التجاهل يجعل من الشعارات الكردية المتعلقة بـ(الديمقراطية واحترام حقوق الآخرين والعيش المشترك) محل تشكيك وفاقدة للمصداقية. رغم المعاناة المشتركة من مظالم الاستبداد، بقيت العلاقة بين الأحزاب (الكردية – والسريانية الآشورية) دون المستوى المطلوب يغلب عليها الطابع (البروتوكولي) لم ترتق إلى علاقة تحالف ونضال مشترك لأجل انتزاع الحقوق ونصرة القضايا الوطنية العامة( الديمقراطية – حقوق الإنسان العدالة والمساواة) وغيرها. حتى الانفتاح السياسي المحدود، لم يكن نتاج ( إرادة) مشتركة ، وإنما جاء على هامش مشاركة نشطاء أكراد وسريان آشوريين في الحراك (السياسي/المدني) للمعارضة السورية، فترة ربيع دمشق ، السنوات الأولى من عهد بشار الأسد. ذات الشيء بالنسبة للعلاقة بين أحزاب كردية وأخرى سريانية آشورية منضوية اليوم معاً في ما يسمى بـ” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ” الذي أفرزته الأزمة السورية الراهنة. بمعنى، إلى تاريخه لم يبرز تحالف (كردي – آشوري) خارج تشكيلات وأطر المعارضات السورية.
انضمام أحزاب وشخصيات (سريانية آشورية) إلى ما تسمى بـ “الإدارة الذاتية الكردية” في الشمال الشرق السوري، لا يعني نضالاَ (كردياً- سريانياً آشوريا) مشتركاً، بقدر ما هو تبعية هذه الأحزاب والشخصيات لـ(حزب الاتحاد الديمقراطي) المهيمن على “الإدارة الكردية “. بخلاف توقعات وتقديرات البعض ، هذه الإدارة لم تُحدث أي تغير نوعي ومهم في العلاقة (الكردية – الآشورية) على الصعيد الشعبي والمجتمعي. سبع سنوات، أخفق القائمون على هذه “الإدارة” في كسب ثقة الغالبية الساحقة من أكرادهم ، فكيف بهم أن ينالوا ثقة وتأييد الآخرين من سريان آشوريين وعرب وغيرهم. الكنائس والمؤسسات والهيئات والتجمعات والمنظمات والأحزاب المسيحية ( سريانية آشورية كلدانية – أرمنية) في الجزيرة السورية كانت أصدرت بياناً مشتركاً في تشرين الأول 2015 عبرت فيه عن استيائها من نهج “الإدارة الكردية“، ومن قراراتها وقوانينها الخاصة بـ (بالتجنيد الإجباري واستملاك ممتلكات المهاجرين وفرض مناهج التعليم الخاصة بالإدارة، غير المعترف بها). ( المرجعيات المسيحية) عبرت عن مخاوفها من مفاعيل وتداعيات سلبية وخطيرة لهذه القوانين والقرارات على الوضع الديموغرافي لمسيحيي الجزيرة . وجدت فيها ” ترهيباً لمن تبقى ولمن هاجر بتخويفه من العودة إلى الوطن“، وفق ما جاء في (بيانها) المشار إليه. التحدي الأكبر الذي يواجه علاقة الأكراد بالآشوريين(سرياناً كلداناً) وبباقي مكونات المجتمع السوري ، يتمثل بـ(نهج التكريد) والسعي لتحويل الشمال الشرق السوري إلى “إقليم كردي فيدرالي”، يُخشى أن يكون خطوة على طريق ” تقسيم سوريا وانفصال منطقة الجزيرة ” . من شأن هكذا خطوة أن تؤجج صراعات ونزاعات عرقية في المنطقة. لأن الانفراد بتقرير مصير ومستقبل الجزيرة السورية من قبل أي حزب أو مكون ، بغض النظر عن هويته القومية والسياسية، سيولد ردود أفعال سلبية لدى المكونات والأقوام الأخرى و ينسف أسس ومقومات العيش المشترك.
أخيراً: لا يمكن أن تستقيم (العلاقة الوطنية) بين المكونات السورية في ظل حكم شمولي ونظام لا ديمقراطي وسوريا تتقاسمها الاحتلالات الأجنبية والميليشيات المحلية والمستوردة والتنظيمات الإرهابية. لهذا يجب أن تكون الأولوية في هذه المرحلة لتحرير البلاد وإعادة توحيدها والخلاص من الدكتاتورية وإنجاز عملية التغيير الديمقراطي والانتقال بسورياً إلى دولة مواطنة لكل أبنائها، دون تمييز أو تفضيل على أساس الانتماء القومي أو الديني او السياسي .
سليمان يوسف … باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات.. shuosin@gmail.com