تشير الكسروية، نسبة من كسرى الحاكم في الإمبراطورية الفارسية قبل فتح العرب لفارس،إلى طريقة في الحكم ، إنها نمط من الحكم يقوم على سلطة كسرى المطلقة في المرحلة العبودية للإمبراطورية الفارسية .
و من مساخر التاريخ أن روح العبودية الكسروية مستمرة في إيران وقد تعينت في العصر الحديث في شاه إيران الذي حاول أن يركب بين كسروية قديمة وحداثة أوروبية ، ولكن حجم التناقض بين الكسروية والحداثة كبير إلى الحد الذي لم يستطع أن يحتفظ بها ، فآلت عبر ثورة دينية إلى كسروية لاهوتية حيث تحول مرشد الثورة – ولي الفقيه إلى كسرى مطلق الفعل بعمامة شيعية مناهض لحداثة العقل و المدنية المعاصرة ، مع استغلال أقصى لمنجزات العلم في إهابه التقني.
لقد حطمت الكسروية اللاهوتية طريق الحداثة الإيرانية، واحتفظت بعقلية التوسع خارج فارس . كان الشاه – الذي لُقب بشرطي أمريكا في الخليج – يعرف حدود توسع إمبراطوريته في إطار الإمبريالية العالمية التي كانت قد أبرمت التقاسم مع الإمبراطورية السوفييتية. واكتفى باحتلال الأحواز وجزر الإمارات العربية ، في حين جمعت الكسروية اللاهوتية لولاية الفقيه بين النزعة القومية والنزعة الدينية الشيعية في سياستها في التوسع الكسروي.
يدرك آيات الله الكسرويون بأن نزعتهم القومية لن تجلب لهم أية قوى حليفة في المنطقة العربية ، التي نظرت إليها على أنها المجال الحيوي لنزعتها التوسعية، ولهذا أظهرت نزعتها الإسلامية وأصبحت الإسلامية صفة لاسم الدولة وأساس أيديولوجيتها الرسمية ، ودخلت على خط القضية الفلسطينية ، وهي الجرح العربي الذي لم يندمل ولن يندمل .
بل إن يوم القدس الذي أعلنه الخميني قد جعل الملايين يَرَوْن في كسروية ولاية الفقية قوة قادرة على مناهضة إسرائيل .
عبر نزعة توسعية كسروية قومية – لاهوتية رأت السلطة في إيران بلاد الشام و العراق وشبه الجزيرة العربية الأمكنة التي يمكنها تحقيق هذه النزعة ، وذلك عبر إنتاج وعي شيعي يقوده مرشد الثورة – ولي الفقيه . وتكوين ولاءات محلية جاهزة لإضعاف الدول الوطنية العربية .
كان الاحتلال الأمريكي للعراق واستيلاء الشيعة السياسية ، ذات الولاء المطلق لولاية الفقيه ، على السلطة ، واتباع سياسة طائفية تقوم على منطق الغنيمة أكبر هدية تقدم إلى الكسروية الفارسية في تاريخها . إنها إحدى أكبر المفارقات المزعجة في تاريخ العرب ، إن لم تكن أخطرها.بل هي أندر صيغ الاحتلال في التاريخ . حيث قامت أمريكا وبريطانيا بدعم دول عربية باحتلال العراق ثم منحه للاحتلال الإيراني ، وتحويل السلطة الصورية الحاكمة في العراق بأداة تأتمر بأوامر آيات الله
والحرس الثوري .
وعبر سياسة تمت بصمت تحول حزب الله الشيعي إلى قوة إيرانية ألغت فكرة الدولة في لبنان .
وعلى غرار حزب الله تكون حزب الحوثيين في اليمن الذي كاد أن يصبح الحزب الحاكم نيابة عن ولاية الفقية الإيراني .
وقصة سوريا والاحتلال الإيراني لها لم تعد خافية على أحد . فضلاً عن محاولات إيران التوسع في البحرين وزعزعة الأمن في العربية السعودية ، و شراء ولاءات الحركات الإسلامية الفلسطينية كحماس و الجهاد .دون أن ننسى العلاقة مع القاعدة .
في إطار فهم فلسفة التاريخ لما يجري الآن من صراع إيراني -عربي فإن الصراع هنا صراع بين نمطين من الروح . الروح الكسروية الإيرانية – القومية اللاهوتية ، وبين الروح العربية الحرة التي التي حتى حين كونت الإمبراطوريات الكبرى لم تعرف الروح الكسروية حيث الحاكم في الكسروية ذو صفة إلهية أو هو ممثل الإله على الأرض . بل إن ثورات الربيع العربي ،التي هي ثورات شعبية مدنية ، هي ثورات ضد الدكتاتوريات ، وحين استغلت القوى الدينية الإسلاموية ضعف السلطة الحاكمة وراحت تفسد حركة الحرية وقفت روح الشعب ضدها هي الأخرى .
أَجِل الكسروية الفارسية المعاصرة في إهابها الديني الطائفي و القومي تتناقض تناقضاً مطلقاً مع روح الحرية الآرامية- العربية . ولهذا لن يكون لروح العبودية، أية عبودية كانت مكان لها في بلاد العرب .فالذهنية العربية مهما جار الدهر عليها ذهنية تقوم على فكرة السيد الحر . وانفجار العرب يؤكد ذلك.
أحمد برقاوي