د . رضوان زيادة – الناس نيوز ::
جرى الحديث كثيراً عن التمييز الذي تعرض له اللاجئون السوريون في بقاع مختلفة من العالم، من العالم العربي حيث لا يحصلون على حق العمل كما في لبنان والأردن، إلى الدول الأوروبية التي قرر بعضها ترحيلهم إلى بلدهم بحجة أنه “بلد آمن” كما في الدانمارك، إلى الولايات المتحدة التي ترفض منح اللجوء للسوريين ويخضعون لسنوات طويلة في محاكم الهجرة من أجل قبولهم كلاجئين.
إنها سياسات وطنية في كل دولة لكنها أظهرت صورة عامة للوضع الصعب الذي عاشه اللاجئون السوريون في رحلتهم عبر العالم، إنهم منتشرون الآن في أكثر من 136 بلداً كما تذكر إحصائيات الأمم المتحدة.
لكن ما فتح النقاش مجدداً هو ما نطلق عليه المعايير المزدوجة التي تعاملت فيها الدول الأوروبية مع اللاجئين الأوكرانيين واللاجئين السوريين، حتى تلك الدول التي أظهرت وجهاً بغيضاً جداً في التعريض ضد اللاجئين السوريين، وعلى رأسها هنغاريا وبولندا والدانمارك على سبيل المثال، حيث لم تكن هذه الحملات وليدة أحزاب يمينية متطرفة كما هو حال ألمانيا على سبيل المثال، وإنما اشتركت معها الأحزاب اليسارية وأحزاب الوسط في جوقة التحريض ضد اللاجئين، كما بدا الأمر في الدانمارك، حيث تحكم الأحزاب اليسارية ذاتها التي قررت إعادة اللاجئين السوريين وحرمانهم من حقهم في اللجوء رغم أن عددهم لم يتجاوز 7000 شخص.
فقد قالت الحكومة الدنماركية إن ما بين 30 إلى 40 ألف أوكراني دخلوا البلاد منذ بدء الغزو الروسي على أوكرانيا وإنها تتوقع المزيد. كما أنها افتتحت مخيم سكالستروب التابع للصليب الأحمر، جنوب غرب العاصمة كوبنهاغن، مخصصاً فقط لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، طبعا هذه خطوة مرحب بها كثيراً، ويجب دعم جهود كل الدول التي تستضيف اللاجئين الأوكرانيين على أراضيها، هرباً من القصف الروسي الذي بدا أنه دخل مرة جديدة في الوحشية والعنف وتهجير السكان المدنيين، تماماً كما فعل في سوريا.
ولذلك يجب تذكير العالم أيضاً أن اللاجئين السوريين هم أنفسهم هاربون من القصف الروسي ذاته الذي فعل في سوريا ما تقوم به في أوكرانيا ولذلك حق لمنظمة هيومان رايتس ووتش أن تنتقد الحكومة الدانماركية بشدة على معاييرها المزدوجة، والتي تعكس تمييزاً واضحاً يجب مكافحته بكل طريقة ووسيلة ممكنة
. فقد ذكرت في بيانها “إن كوبنهاغن تعامل اللاجئين الأوكرانيين بشكل أفضل من تلك التي يتلقاها هاربون من أتون حروب أخرى، خاصة من السوريين الذين صدرت بحقهم مراجعات لإقاماتهم تدعوهم للعودة إلى سوريا”. بينما تجري الحكومة الدنماركية محادثات مع رواندا قد تفضي إلى إرسال طالبي اللجوء “غير الأوروبيين” إلى الجمهورية الأفريقية
وللمفارقة أن الحكومة الدانماركية تبالغ في إظهار الدعم لأوكرانيا، حيث أعلنت أنها تستعد لاستقبال 100 ألف لاجئ أوكراني خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أنها لم تنظر حتى الآن في إمكانية وضع حد أقصى لعدد من سيتم استقبالهم. مقابل ذلك إبان أزمة اللاجئين السوريين في 2015، استقبلت الدنمارك 35 ألف لاجئ سوري، لكنها في السنوات الأخيرة سنّت قوانين ترسل، بحسب البعض، رسالة مفادها أن اللاجئين غير مرحب بهم.
ففي 2016 أقر مجلس النواب الدنماركي قانوناً عرف باسم “قانون المجوهرات”، يسمح للحكومة بمصادرة أي مقتنيات لدى طالبي اللجوء تزيد قيمتها عمّا يعادل حوالي 1000 دولار آنذاك.
كما نصت مادة، وردت ضمن حزمة قوانين صدرت في الوقت ذاته، على إطالة مدة لم شمل أفراد الأسرة الواحدة لمدة قد تصل إلى 3 سنوات.
والطريف في الأمر أن هذه السياسة التي أطلق عليها “صفر لجوء”، وطبقت بحق اللاجئين السوريين وغيرهم ولم تنطبق على الأوكرانيين أعلنت عام 2020 بعد فوز رئيسة الوزراء وزعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في انتخابات عام 2019، حيث قالت إنها تنوي وضع نهاية لطلبات اللجوء في الدنمارك.
وقامت السلطات بمراجعة إقامات 1200 سوري، ودراستها للنظر في إمكانية عودتهم إلى سوريا بعد أن اعتبرت الحكومة منطقتي دمشق وريفها آمنتين بما يكفي لعودة اللاجئين إليهما.
أعتقد أن هذه المعايير المزدوجة وخاصة أنها تأتي من دولة لها تاريخ عريق وسياسة تتغنى بحقوق الإنسان يجب التركيز عليها بقدر ما نستطيع، لأنها تظهر حجم النفاق الذي تتبعه بعض السياسات في تعاملها مع بعض شعوب العالم.