ربما للمرة الأولى منذ بداية الحرب السورية يعود عدد كبير من سكان العاصمة دمشق خلال فترة الصيف إلى سورية، خاصة عبر المطار من القاهرة أو عمان أو حتى من بعض المدن الأوروبية، في الحقيقة لم يتأثر هؤلاء أصلا بالحرب بشكل أو بآخر، حيث بقيت بيوتهم دون مساس كما أنهم لم يشاركوا في أي شكل حتى يكونوا جزءاً من الملاحقات الأمنية، التي تنتهي بصاحبها في المعتقل، وربما بالموت تحت التعذيب.
لكن استفاد هؤلاء من الميزات التي أعطيت للاجئين السوريين في المدن الأوربية والتي مكنتهم من الحصول على الإقامة وربما الجنسية الأجنبية في النهاية، وللأسف يروج بعض من هؤلاء صورة مغلوطة عن الوضع في سورية، بأنها تتعافى وتبدأ في إعادة الإعمار، حتى أنهم يسقطون رأيهم الشخصي المحدود على وضع ملايين من اللاجئين الذين لا يستطيعون العودة وتعرضوا لكل أنواع التعذيب والتنكيل
فقد تميزت الحرب السورية بأنها كانت وقوداً لملايين اللاجئين ليس إلى دول الجوار فحسب لبنان والأردن والعراق وتركيا، وإنما هاجر السوريون ولجؤوا إلى دول أوروبا المختلفة وشرق آسيا، ومع تصاعد أزمة اللاجئين في أوروبا في عام 2015 جرى توزيع حصص اللاجئين على الدول الأوروبية المختلفة، لذلك وصلت عائلات سورية لاجئة إلى آيسلندا على سبيل المثال، بعد أن كان لم يسمع بها معظم السوريون أو فكر بالذهاب إليها.
لقد تحول اللاجئ السوري إلى مقيم دائم في بلد اللجوء المضيف ويبدو أن النظام السوري قد جرد كل السوريين اللاجئين من حق العودة لبلدهم، بسبب عدد أو ترسانة من القوانين والإجراءات الأمنية، وتدمير الممتلكات التي تجعل من هذه العودة مستحيلة إلى البلد الأم سورية.
فغالباً ما تتبع عملية تهجير السكان من المناطق المستهدفة قيام قوات النظام بالاستيلاء على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم، وجرى الحديث عن إنتاج الوثائق المزورة كناية عن تكتيك واسع الانتشار في نقل الملكية القانونية للممتلكات والأراضي من مالكيها الشرعيين إلى الموالين للنظام. كما ظهرت تقارير عن التدمير المتعمد للسجلات المدنية والمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً في ريف دمشق وحمص وحلب، فضلاً عن مصادرة الوثائق عند نقاط التفتيش.
كما يمتلأ الانترنت بمقاطع فيديو مذهلة في وضوحها وفي دلالتها على ارتكاب الجريمة كفعل السرقة والنهب لممتلكات الغير، تحت اسم ميليشيا الدفاع الوطني وغيرها من المليشيات الموالية للنظام أو أفراد من الجيش التابع للنظام، كما قام النظام وبشكل علني بتدمير أبنية ومساحات كبيرة من الأراضي بحجة التنظيم. استمر نظام الأسد بعمليات الهدم الكامل عبر تسوية أحياء بكاملها بالأرض لأسباب سياسية محضة تقوم على تأييد هذه الأحياء للثورة السورية كما جرى في حمص وداريا وغيرها من المناطق.
كما قام النظام أيضا بعملية مسح كاملة وواسعة النطاق وتزوير لسجلات الممتلكات في جميع أنحاء البلاد بهدف منع السكان من العودة والمطالبة بأي حقوق. ففي 1 يوليو/تموز 2013، على سبيل المثال، قصفت قوات النظام السجل العقاري لمدينة حمص المركزية وهو ما أدى إلى حريق هائل دمر العديد من سجلات الممتلكات في المدينة، وهو ما دفع العديد من سكان المدينة للاعتقاد أنه كان متعمدا، لأنه كان الهيكل الوحيد الذي احترق في الجزء الأكثر أمنا من المدينة، وسجلت أيضا حرق سجلات الأراضي في كل من الزبداني وداريا ودرعا والقصير، فحرق السجلات لا يمنع فقط أصحاب الأملاك الخاصة الأصليين من استعادة ممتلكاتهم، ولكنه يسمح أيضا لنقل الملكية للأفراد والجماعات الموالية للنظام.
وفي بعض الحالات، شملت السجلات المدمرة أيضا فواتير الكهرباء والماء التي يمكن استخدامها لإثبات الملكية، كما ترددت الكثير من الروايات عن تزوير السجلات، بما في ذلك استخدام وثائق مزورة لتنفيذ بيع ونقل الملكية إلى الملاك الجدد.
ترافق ذلك مع إصدار قوانين ومراسيم قد تبدو “محاولات” لإصلاح القوانين العقارية وتسريع إعادة الإعمار في ظل الحرب، ولكنها لا تأخذ في الحسبان حالة الأشخاص النازحين أو المفقودين، ولذلك أصبح يعتبرها البعض أنها بالعكس وضعت من أجل استهدافهم ومنعم من العودة عبر مصادر ممتلكاتهم وحرمانهم من حق الملكية الخاصة.
كما استخدم النظام الأدوات القانونية من أجل إضفاء الشرعية على عمليات نقل الملكية هذه وجعلها دائمة. المرسوم رقم 12 لعام 2016 يدعو إلى رقمنة سجلات الملكية في جميع أنحاء سوريا، والتي لديها الهدف الظاهر لمحو الماضي وإضفاء الطابع الرسمي على عمليات النقل غير القانونية. فنظراً لتدمير وتزوير سجلات الملكية على نطاق واسع، فإن سجل الملكية الرقمي الجديد سيؤدي إلى محو جميع سجلات الماضي بصورة دائمة، مع إضفاء الصبغة الرسمية على الاستيلاء على الممتلكات بطريقة تجعل التراجع عنها مستقبلاً أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً. كما أن هناك تقارير تفيد بأن الشوارع في المناطق المستهدفة يتم إعطاؤها أسماء جديدة، وذلك من أجل مزيد من التشويش على الأسباب التي يمكن من خلالها المطالبة بأية ممتلكات تم نقلها بشكل غير شرعي.