محمد برو – الناس نيوز ::
منذ عام 2012 يصدر المركز العربي للأبحاث استطلاعاً هو الأوسع من نوعه على مساحة الوطن العربي تحت عنوان “المؤشر العربي”، والذي أنجز اليوم نسخته الثامنة، وهو يشمل 14 دولة عربية، وقد شمل المسح الأخير ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين ألف عينة مسحية، وهو العدد الأكبر في عينات النسخ الثمانية من المؤشر.
وقد جرى احتساب نتائج اتجاهات الرأي العام في كل إقليم، بوصفه معدلاً من نتائج بلدان ذلك الإقليم، فكانت النتائج مقسمة على أربع أقاليم
المغرب العربي (موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس)
وادي النيل (مصر، والسودان)
المشرق العربي (فلسطين، ولبنان، الأردن والعراق)
الخليج العربي (السعودية، والكويت، وقطر)
يمكن المرور بشكل مقتضب على ما خلص إليه الاستطلاع في مناحي عدة، فعلى سبيل المثال يجد 52% من مواطني الدول موضوع المسح أن بلدانهم تسير بالاتجاه الخاطئ في الجانب الاقتصادي، وقد عزا 40% من هؤلاء، العلة لأسباب اقتصادية بينما وجد 14% أن الأوضاع السياسية غير المستقرة هي علة هذا الخلل.
على صعيد مستوى الدخل يجد 25% ومعظمهم من دول الخليج العربي أن دخلهم كافٍ ويمكن التوفير منه وهم ما يمكن تسميتهم “أسر الوفر”، بينما يجد 42% أن دخلهم يكفي ولا يمكن الادخار منه وهم ما يمكن تسميتهم “أسر الكفاف”، بينما يجد 28% أن الدخل الأسري دون حد الكفاية وهم ما يمكن تسميتهم “أسر العوز” وغالبيتهم من المشرق العربي حيث تتبدى الفجوة الكبيرة في هذا الجانب بين دول الخليج العربي وباقي الدول الأخرى.
ويظهر الجدول المدرج بعض تباينات الوضع في بلدان عربية
في الجانب السياسي والأمني يقدر 61% من المستجيبين أن مستوى الأمان في بلدانهم جيد وجيد جداً، في حين يرى 38% أن الوضع في بلدانهم سيء وسيء جدا
وفي قائمة الأولويات التي تعني المواطن العربي يجد المؤشر أن نسبة ما يقارب 60% منهم يجدون قضايا سوء الأوضاع المعيشية والغلاء وسوء الأوضاع الاقتصادية والبطالة والفقر في أعلى سلم الأولويات، بينما يجد 5.7% فقط أن عدم الاستقرار السياسي وواقع الحكم وسياسته وقضايا التحول الديمقراطي في أعلى سلم أولوياتهم، وهذا برأيي مثير للدهشة في بلدان الوطن العربي التي تخضع بمعظمها لأنظمة قمعية استبدادية.
أما في جانب الرغبة بالهجرة وهو من أخطر المؤشرات وأعمقها دلالة على حال الوطن العربي عموماً، فإن نسبة 28% من مواطني الوطن العربي يرغبون بالهجرة، ثلثي هذا النسبة تقع ضمن مواطني المشرق العربي “41%” والمغرب العربي “28%” ووادي النيل “36%”، شطر منهم بسبب الرغبة بالتعليم وشطر آخر بسبب تردي الأوضاع الأمنية والسياسية.
أما في اتجاهات الرأي حول الدول الأكثر تهديداً لبلدانهم فيجد “28%” أن إسرائيل هي الدولة الأكثر تهديداً لبلدانهم، بينما يجد “13%” ان أمريكا هي الأكثر تهديداً، ويجد “9%” أن إيران هي الأكثر تهديداً، ومن الطبيعي والجدير بالملاحظة أن هذه النسب بالرغم من دقتها كنتائج مسحية، إلا أنها تعطي دلالات مضللة إن هي أخذت على عمومها دون مراعاة تفصيلاتها في كل إقليم على حدة، فعلى سبيل المثال لو أخذنا لبنان وسوريا واليمن والعراق، ربما سنفاجأ بكبر النسبة التي تجد في ايران الخطر الأكبر على بلدانها ومجتمعاتها.
وفي تقييمهم لثورات الربيع العربي ما تزال النسبة الأكبر تنظر إيجابياً لتلك الثورات وقيمها، حيث تجدها نسبة “46%” من المستطلعين إيجابية بينما هناك نسبة “39%” تنظر إليها سلباً.
يناقش التقرير موقف المواطنين العرب من قضايا عدة منها الموقف من الحرب الأوكرانية الروسية والسياسة الأمريكية والفرنسية والروسية والإيرانية نحو فلسطين، ومن علاقة الدين بالسياسة، ومن قضايا الديمقراطية وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي.
ولو أخذنا بالاعتبار النسب المهملة في بلدين عربيين، هما سوريا واليمن، واللذين يشكلان بمجموع سكانهما (54 مليون تقريباً) ما يقارب 12% من تعداد سكان الوطن العربي “453 مليون” لتغيرت بعض النسب بشكل ملحوظ خاصة الجانب الاقتصادي الذي يعد في كلا البلدين تحت الصفر، وكذلك الجانب السياسي والأمني، ويمكن القول إنهما من أسوأ دول العالم.
من النقاط التي تثيرها نتائج استطلاعات الرأي بشكل عام هو ذلك الفارق الملحوظ بين ما هو متخيل عن بلدٍ أو قضيةٍ ما، حصيلة جملة موارد معظمها إعلامية وبين ما تخلص له نتائج الاستطلاعات التي تبني على الرأي المباشر لشريحة واسعة وكافية من هذا البلد، فعلى سبيل المثال وعبر سنوات من تردي الاقتصاد المصري وتدهور الحالة المعيشية للمصرين والتي لا تخفى على متابع، نجد أن نسبة 6% منهم تجد ان الوضع جيد جداً وتجد نسبة 36% منهم أن الوضع جيد! ربما يعكس هذا الرأي حالة الرضى للناس أكثر مما يعكس حالة ما يمكن أن نعده جيداً بالفعل وفق معايير تلبية الاحتياجات الحياتية.
يؤخذ على المؤشر العربي استثناء الإقليم السوري مع الإقرار أن الوضع السوري يشكل تعقيداً خالصاً، ولا يمكن إجراء الاستطلاعات فيه بنفس الآليات التي يعتمدها المركز العربي، لكن يمكن أن نقترح مقاربة وسطية للحالة السورية الخاصة بمسح خاص يتناول السوريين في المهجر وعددهم يتجاوز بكثير دولاً بحالها مثل الكويت ولبنان والبحرين وقطر وغيرها.
ويمكن مقاربة السوريين في الداخل بآليات مختلفة ربما لا تنسجم مع بعض قواعد استطلاع الرأي السائدة، لكن كما هو حال العالم بكل تشكيلاته، ما إن تنشأ إشكالية معينة مهما كانت عالية التعقيد فإنه يجترح لها آليات خاصة تنجيه من إهمالها، وتبقى مقاربة الساحة السورية لها مبرراتها ودواعيها، سيما أنها حالة متفردة في الدراسة يمكن أن تلقي بإضاءات متنوعة على مفاصل المؤشر وتعزز أهميته الكبيرة التي لا تخفى على مطلع.
صحيح أن الرأي القائل إن المؤشر بتناوله لحزمة تقارب 90% من المجتمع العربي يمكنه الخلوص لنتائج يمكن تعميمها، هو رأي له الكثير مما يعززه بالرغم من التشويش الذي ينتج عن هذا التعميم، وهو أمر تعرفه مؤسسات استطلاع الرأي، لهذا السبب تعيد عرض التفاصيل التي توضح التباين الحاد في العديد من المناحي بين إقليم وإقليم، ففي حين أن نسبة الراغبين بالهجرة من الخليج العربي لا تتعدى “6%”، ونسبتهم في المشرق العربي “41%”، نجد أن المعدل العام للراغبين بالهجرة على مساحة الوطن العربي “28%”!
تكمن الأهمية الأكبر للمؤشر العربي من خلال مقارنة النتائج الأخيرة بنظائرها من الدورات السبع السابقة وتحليل العوامل التي أسهمت في انخفاض كل مؤشر أو ارتفاعه، الأمر الذي يسمح ببناء سياسات عملية اعتماداً على هذه المؤشرات، وقد صدرت النسخة الكاملة من المؤشر بحجم 420 صفحة غنية بتفاصيل تهم الباحثين والمشتغلين بالشأن العام وتشكل رؤية بانورامية لمجمل الوضع العربي دون إغفال لتفاصيله القطرية.