fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

المخابرات السورية وتلافي فخ الدولة الأمنية

ميديا – الناس نيوز ::

المدن – مهيب الرفاعي – مثّل جهاز المخابرات في سوريا منذ وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، ركيزة أساسية لبناء نظام سلطوي مغلق، يقوم على المراقبة، والقمع، وتكريس الولاء الفردي لشخص الحاكم.

ومع تسلم حافظ الأسد السلطة عام 1970، تحوّل هذا الجهاز إلى كيانات موازية للدولة، تمتد في كل مفاصلها ويخترق مؤسساتها الاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، والثقافية.

ومع انتقال الحكم إلى بشار الأسد عام 2000، ثم اندلاع الثورة السورية عام 2011، دخلت هذه الأجهزة مرحلة غير مسبوقة من البطش المنظم، مُمارسةً دوراً أساسياً في سحق الحراك السلمي وتحويله إلى صراع مسلّح، عن قصد، لإفشاله وكسب  الرأي العام العالمي لا سيما من خلال  تبني الرواية العالمية في “الحرب ضد الإرهاب”، بعد سلسلة من الإجراءات الأمنية المتعمدة التي سهلت خروج بعض المعتقلين الإسلاميين المتشددين السابقين لدى المخابرات السورية من المعتقلات، وغض النظر عنهم ليدخلوا في مسار عسكرة الثورة السورية لتتدخل الآلة العسكرية والأمنية لسحقها.

لم تكن المخابرات السورية مجرد أدوات لضمان الأمن العام، بل صارت دولة داخل الدولة. في عهد الأسد الأب ثم الابن، تحوّلت سوريا إلى مختبر نموذجي للدولة البوليسية والدولة الاستخباراتية “Intelligence State”، حيث تحكم الأجهزة الأمنية كل تفاصيل الحياة اليومية: من الجامعات، إلى النقابات، إلى المساجد، وحتى داخل المنازل.

ولم يكن هناك جهاز أمن واحد، بل منظومة متداخلة من الفروع المتنافسة تشمل المخابرات العسكرية، المخابرات الجوية، أمن الدولة، والأمن السياسي. كل شعبة من هذه الشعب لها فروع أمنية وكل فرع له سجونه، وشبكة مخبرين سريين، وميزانية مفتوحة مخصصة، وجيش صغير يؤدي مهام الاقتحام والاعتقال، في مناخ لا مركزي ومتعدد ومتفرع بحسب المهام والعمليات. هذا التعدد لم يكن خطأً تنظيمياً، بل مقصوداً، لضمان عدم تشكّل مركز قوة أمنية قادر على التمرّد أو حتى مجرد التفكير به؛ لا سيما وأن ضمن المخابرات العامة هناك قوة أعلى من قوة، لتعزيز مناخ التوجس والرقابة المتبادلة.

عقيدة مخابرات نظام الاسد 

ترتكز العقيدة الأمنية لنظام الأسد على الهيمنة الكاملة والتجسس المنهجي والتحكم بمفاصل الدولة والمراقبة المطلقة للسوريين والمقيمين، بالإضافة إلى الرغبة الدائمة في التغلغل في بعض الدول المجاورة، لا سيما لبنان، بهدف فرض وصاية سياسية وأمنية وعسكرية تخدم مصالحه. كما تنطلق من مبدأ وهمي قائم على الانتشار الأمني لحفظ أمن الدولة من أي عدوان خارجي (دإسرائيلي-غربي)، او أي تهديد داخلي (دجماعات وخلايا إسلامية نائمة)؛ لا سيما وأنه روّج لهذا الخطر منذ ثمانينيات القرن الماضي بعد هجومه على حماه بحجة وجود جماعة “الإخوان المسلمين”، وصولاً إلى 2011 وإطلاقه نظرية “المؤامرة الكونية” وأسْلمة الثورة السورية وتصنيفها ضمن خانة “الجهادية السنية” وتحويل الحراك إلى حراك إسلامي عسكري وليس ثورة مدنية. و تلبية لمتطلبات هذه العقيدة، طوّر نظام الأسد أجهزة استخبارات ككيانات مستقلة نسبياً عن الهياكل الحكومية، مدعومة بثقافة أمنية قمعية متجذرة، تعود إلى حقبة حافظ الأسد و”حركته التصحيحية” ، وتعمل وفق شبكة معقدة من الولاءات والطائفية والمؤسسات الموازية التي منحتها سلطة فوق القضاء، وفوق الحكومة، وحتى فوق الحزب الحاكم نفسه، بالإضافة إلى استخدام ملفات المخابرات السورية كأدوات ضغط على دول الجوار و بعض الدول الغربية لا سيما فرنسا والولايات المتحدة.

بنية وهيكلية جهاز المخابرات السوري

تزايدت الحاجة إلى فهم البنية المؤسسية لمخابرات نظام الأسد، بالنظر إلى دورها المحوري في قمع الشارع السوري وإخفات أي صوت مطالب بالتغيير والحرية والعدالة، أو حتى التجرؤ على المطالبة بالحقوق والحريات، وتحويل أي أزمة السياسية إلى صراع طويل الأمد، سواء طال سوريا أو خارجها. تمثل هذه الأجهزة العامود الفقري لنظام الأسد، وهي مسؤولة بشكل مباشر عن سياسات الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب المنهجي الذي طاولت مئات الآلاف من السوريين خلال 54 عاماً من الحكم. يتكون الجهاز الأمني في سوريا من أربعة مؤسسات رئيسية هي: شعبة المخابرات العسكرية التي تعدّ الأكثر ارتباطاً بالمؤسسة العسكرية السورية، وتضم فروعاً مختصة بالضباط والقطعات والتشكيلات العسكرية، وتشرف على عمليات التوجيه السياسي والعسكري في القطع العسكرية؛ إضافة إلى فرع “فلسطين” المتخصص بقضايا الفلسطينيين والحركات الإسلامية، وقد توسع ليشمل العمل الداخلي الواسع لا سيما بعد عام 2011؛ والمخابرات الجوية التي تمتاز بطابعها السري والتعتيم سواء على مستوى عدد العناصر أو القيادات (ما عدا اللواء جميل الحسن الذي ارتبط اسمه بعمليات القمع بعد 2011) أو المهمات التي تقوم بها عناصر الشعبة، وهي إحدى أكثر المؤسسات الأمنية ولاءً للنظام وتتولى مهام الأمن الجوي والمراقبة التقنية وتنسيق العمليات مع وحدات الدفاع الجوي وتأمين الطيران الرئاسي والمطارات العسكرية والمدنية، وتأمين تنقلات رئيس النظام  والمسؤولين الأمنيين في الرحلات الخارجية؛ والمخابرات العامة (أمن الدولة) المتخصصة بمراقبة الأنشطة السياسية العامة في البلاد ومتابعة الشؤون الخارجية، ورصد أية احتمالات لعمل “مشبوه” داخل الدولة لا سيما من التيارات الإسلامية  والأحزاب السياسية ولها أفرع تتعامل مع وتشرف على عمل وزارات الإعلام والاتصالات وتراقب عمل الإنترنت والمواقع الالكترونية للأفراد والمؤسسات وتراقب تحركات المغتربين السوريين، كما تقوم بتدريب الكوادر الأمنية وتقديم الدعم اللوجستي لباقي الأجهزة، لا سيما في مهمات التجسس والتجسس المضاد؛ والأمن السياسي الذي يضطلع بدور محوري في مراقبة المجتمع والسيطرة عليه، حيث تخضع اسميذً لوزارة الداخلية لكنها فعلياً ترتبط بمكتب الأمن القومي، مما يمنحها صلاحيات واسعة. تتوزع مهامها على عدة فروع في دمشق والمحافظات، وتشمل أقساماً متخصصة مثل مراقبة الطلاب، الأديان، الأحزاب، الشرطة، العمال، الأمن الاقتصادي، شؤون الأجانب، والفنادق والمطاعم، ما يعكس تغلغلها في تفاصيل الحياة اليومية. ينسب إلى الأمن السياسي انتهاكات جسيمة، شملت الاعتقال التعسفي لآلاف المدنيين، وممارسة التعذيب الممنهج الذي أدى إلى وفيات عديدة تحت التعذيب، وسط تجاهل تام للمعايير القانونية والإنسانية.

تولى قيادة الشعبة عدد من الشخصيات مثل اللواء محمد ديب زيتون، ورستم غزالة، وزهير حمد، وجميعهم يُعدّون مسؤولين بشكل مباشر عن السياسات القمعية المتبعة.

يبلغ عدد العاملين في هذه الأجهزة حوالي 120 ألف شخص، بينهم ما لا يقل عن 2000 ضابط برتب مختلفة. تشير بعض التقديرات إلى أن الغالبية الساحقة من الكوادر القيادية تنتمي للطائفة العلوية، وهو ما يمنح الطابع الأمني السوري بعداً طائفياً في بنيته التكوينية. ويقع المقر الرئيسي لجميع الأجهزة الأمنية في العاصمة دمشق، وتندرج تحتها فروع متعددة تُشكّل نسخاً مصغرة عن الإدارة العامة.

وتضم هذه الأجهزة ما مجموعه 48 فرعاً رئيسياً، إلى جانب عدد من الفروع الأصغر المنتشرة في المحافظات (مفارز أمنية)، إضافة إلى فروع سرية لا تُعرف مواقعها أو طبيعة عملها.

تُشرف على هذه الأجهزة كافة جهة مركزية هي “مكتب الأمن الوطني”، الذي تأسس بموجب مرسوم رئاسي صدر عام 2012، ليحل محل “مكتب الأمن القومي” بعد تفجير مبنى خلية الأزمة، والذي أطاح بعدد من كبار الضباط والمستشارين الأمنيين، وهو المكتب الذي كان مسؤولاً عن تنفيذ الخطة الأمنية للتصدي للحراك الثوري.

دور المخابرات في قمع الثورة 

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تصاعد دور هذه الأجهزة بشكل غير مسبوق، إذ لم تكتفِ بالمراقبة والقمع، بل تحوّلت إلى ذراع حربية وعسكرية بحد ذاتها؛ تقتل وتدير وتفاوض وتنسق مع الميليشيات الخاصة الرديفة (الدفاع الوطني وميليشيات شيعية إيرانية وعراقية ولبنانية) التي تلقت دعماً مباشراً من إيران، حيث تعاون الحرس الثوري مع المخابرات السورية في عمليات الاقتحام والتفتيش والاعتقال والتحقيق، وأُنشئت غرف عمليات مشتركة في المدن الرئيسية.

أما روسيا، فقد أمدّت هذه الأجهزة بتقنيات حديثة في التجسس والرقابة السيبرانية، بل وأشرفت على إعادة هيكلة بعضها بعد التدخل العسكري الروسي في 2015، لا سيما جهاز الأمن العسكري وجهاز المخابرات الجوية.

وفقاً لمعطيات ميدانية، بلغ عدد المعتقلين أكثر من 215 ألف شخص منذ عام 2011، بينهم أكثر من 70 ألفاً مصنفين كمختفين قسرياً.

من بين هؤلاء، ما يقارب 9 ألاف طفل، و4 ألاف و500 امرأة. وقد تم توثيق مقتل أكثر من ألفين و500 معتقل تحت التعذيب، منهم 84 طفلاً و25 سيدة.

تُستخدم سجون هذه الأجهزة كمراكز انتهاكات جسيمة، تتضمن التعذيب الجسدي والنفسي، والعزل، والحرمان من الرعاية الصحية، والتصفية الميدانية. بعض الأفرع المعروفة بممارساتها القاسية تشمل فرع “فلسطين” التابع للمخابرات العسكرية، والفرع 221 المعروف بفرع الجبهة أو فرع سعسع، ومسؤول عن انتهاكات جسيمة وصلت حتى الغوطة الشرقية، والفرع 248، وفرع التحقيق في المخابرات الجوية، والفرع 285 في أمن الدولة.

انهيار الشبكة وظهور بديل

شكّل سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024 لحظة فارقة في تاريخ سوريا المعاصر، ليس فقط لأنه أنهى حكماً امتد لعقود، بل لأنه كشف عن البنية الحقيقية لنظام أمني مخابراتي كان يحكم البلاد من خلف الستار، وفكّك أكثر شبكات المخابرات تعقيداً في المنطقة، وأزاح شبح عنصر المخابرات المرافق لكل سوري.

فمع دخول فصائل المعارضة إلى مقرات الأمن في دمشق ومدن كبرى، انكشفت آلاف الوثائق، من ملفات التحقيق إلى كشوف العملاء والمخبرين والتقارير الأمنية السرية.

البعض منها وصل إلى الإعلام، والبعض الآخر سُلّم إلى حكومات أجنبية مثل تركيا وفرنسا وألمانيا، بحكم وجود ملفات مخابرات خارجية معلقة لا سيما ملفات لبنان والأردن وملفات الفصائل الفلسطينية، وملفات الجماعات الإسلامية والجهاديين المهاجرين الإسلاميين، خصوصاً وأن ضباطاً كثر فرّوا خارج البلاد، وبعضهم قُتل أو اختبأ، فيما سعى آخرون إلى تبييض صفحاتهم، بعد أن تفككت شبكات المراقبة، وانهارت البنى اللوجستية التي طالما اعتمدت عليها الأجهزة في إحكام قبضتها على سوريا.

هذا الانهيار خلق فراغًا أمنياً مقلقاً، استغلته تنظيمات متطرفة للعودة بنشاط محدود، خصوصاً في البادية السورية. في المقابل، ظهرت سلطات أمنية محلية عشوائية، تغلب عليها الانتماءات الفصائلية والمناطقية، ما عزز من حالة التشظي التي باتت تعاني منها البلاد. وفي محاولة لإعادة الإمساك بالمشهد الأمني، أعلنت الحكومة الانتقالية في كانون الثاني/يناير 2025، عن تأسيس “المديرية العامة للاستخبارات”، كمؤسسة أمنية جديدة يفترض أن تكون خاضعة للرقابة المدنية والبرلمانية.

تولى قيادتها وزير الداخلية الجديد، أنس خطاب، وجرى تنظيمها ضمن أربع وحدات رئيسية: مكافحة الإرهاب، الاستخبارات الداخلية، الأمن السيبراني واستخبارات الحدود.

يتلقى الضباط الجدد تدريباً متخصصاً في مراكز متقدمة ضمن برنامج لإعادة تشكيل الجهاز الأمني السوري وفق نموذج حديث يُفترض أن يستبدل دولة الأمن بدولة القانون.

ورافق ذلك اعتماد سياسة “العفو المشروط” التي سمحت بانضمام بعض الضباط السابقين مقابل تسوية أوضاع، وخضوع لتحقيق عدلي، والتزام بعدم الانخراط في العمل السياسي.

لكن رغم هذه الجهود، يظل المشروع هشًّا أمام تحديات متعددة، تبدأ من غياب العقيدة الأمنية الوطنية، إلى تعدد مراكز النفوذ داخل الجهاز نفسه، فضلاً عن ضعف الإمكانيات التقنية، وغياب قاعدة بيانات مركزية، وشبكات رصد إلكترونية وميدانية فعالة. هذه الثغرات تجعل من الجهاز الجديد ساحة صراع بين أطراف مختلفة: فصائل تعتبر نفسها “أصحاب نصر”، مدنيون يطالبون بالرقابة والمحاسبة، وضباط قدامى يسعون لإعادة التموضع داخل الهيكل الجديد، وقوى دولية تريد وضع يدها على الجهاز.

إقليمياً، تعمل قوى كبرى على استثمار هذا المشهد المتغير: تحاول إيران الإبقاء على نفوذها عبر خلايا نائمة يتم تفكيكها تدريجياً بالتعاون مع تركيا والسعودية؛ فيما تسعى روسيا، رغم انسحابها العسكري، إلى الضغط عبر ملفات استخباراتية ضخمة لم تُكشف بعد.

إسرائيل من جانبها تراقب الوضع عن كثب، وتنسق بهدوء مع بعض القيادات المحلية في الجنوب، بينما بدأت الولايات المتحدة مشروعاً مشتركاً لتأهيل كوادر أمنية جديدة شرق الفرات، مع التركيز على مكافحة داعش وتعزيز الحوكمة.

التحدي البنيوي وسؤال الهوية

لا يتعلق السؤال الأعمق الذي يواجه سوريا ما بعد الأسد فقط بهيكلة جهاز أمني جديد، بل بهوية هذا الجهاز ودوره في الدولة الجديدة. فالاستخبارات السورية في عهد الأسد لم تكُن مجرد مؤسسات أمنية، بل كانت أذرعاً لسلطة شمولية تدير المجتمع من خلال الخوف والسيطرة والاختراق في ظل وجود نظام سلطوي شمولي استخدم الإرهاب والتجسس والاغتيالات كأداة سياسية، ووظّف وكلاء محليين وخارجيين في عملياته لتفادي أي إدانة مباشرة.

وبعد سقوط الأسد، تبرز أمام سوريا أربعة سيناريوهات ممكنة لتفعيل جهاز المخابرات السوري، يمكن القول فيها بالتفكيك الكامل للأجهزة السابقة كما حصل في العراق، وهو سيناريو يحمل في طياته مخاطر فراغ أمني قد تستغله الجماعات المسلحة، أو إعادة الهيكلة ضمن قيادة تكنوقراطية أو عسكرية منضبطة، يتم فيها تطهير الجهاز من العناصر الإجرامية دون تدمير كامل البنية سواء الإدارية او التحتية، أو إعادة التدوير، أي استخدام الأجهزة القديمة من قبل قوى إقليمية جديدة تسعى للنفوذ، وهو السيناريو الأخطر لأنه يعيد إنتاج المنظومة القمعية بأقنعة مختلفة، أو فتح الأرشيف الأمني، على غرار ما حصل في ألمانيا الشرقية، ما يسمح بعملية مصالحة وعدالة انتقالية، لكنه يحتاج لقرار سياسي شجاع يتخطى فيه العمل المخابراتي التقليدي.

الواقع أن الأزمة ليست في الجهاز بحد ذاته، بل في “العقل الأمني” الذي سيطر على السياسة والمجتمع لعقود. هذا العقل الذي رسّخ فكرة أن الدولة تُحكم من الأمن، لا من القانون. وأن المواطن يُراقَب، لا يُخدم. وأن الخطر يأتي من الداخل قبل الخارج. وما لم يتم تفكيك هذه الثقافة، فإن أي جهاز جديد سيظل رهينة عقلية قديمة.

اليوم، ومع تقارب تركي-خليجي، وانكفاء روسي-إيراني نسبي، وصعود أميركي، فإن البلاد تدخل لحظة “إعادة اكتشاف” للأمن. بعض بقايا الأجهزة القديمة تحاول التسلل إلى المؤسسات الجديدة، فيما تنتظر أخرى لحظة مناسبة للعودة.

وفي هذا المفترق التاريخي، يبقى مصير المخابرات السورية مفتاحاً لفهم طبيعة التحول المقبل: هل نحن أمام ولادة نظام ديمقراطي فعلي؟ أم مجرد إعادة تدوير لديكور سلطوي جديد؟ الجواب يتوقف على ما إذا كنا سنكتفي بتغيير الأسماء والهياكل، أم سنواجه الشبح الحقيقي: الثقافة الأمنية التي أرّخت لسوريا الأسد، وأنتجت أسوأ أشكال السلطة الأمنية في المنطقة.

المنشورات ذات الصلة