عمر الشيح – الناس نيوز ::
كانت المرأة في سوريا طيلة العقد الماضي تعمل على تنمية دورها الاجتماعيّ والسياسيّ، وبرز ذلك في إدارتها لمواقع مختلفة ضمن ميادين الحياة العملية، وأسهمت الثورة السوريّة منذ مارس/آذار 2011 بدفعها إلى الأمام بشكل عمليّ.
اليوم نقفُ عند تجربة توثّق حضور نساء سوريات في سوق العمل ولمهن، كان يشقّ على الرجال، أحياناً، القيام بها.
هذه التجربة هي سلسلة “شغل نسوان”، عبارة عن عشر حلقات منشورة على موقع يوتيوب، تم تسجيلها خلال العام الفائت، سنجد فيها قصص نساء سعين لكسر الأنماط السائدة للعمل المرتبط بالمرأة السوريّة.
أُنتجت هذه السلسلة من قبل منصّة “مساحة” بالتعاون مع مؤسسة “شبكة الصحفيات السّوريات”.
وقد تمّ انتقاء العنوان من التعبير الشعبيّ الدارج والذي يقصد به الاستخفاف بعمل ما تقوم به النساء، وكان الهدف هو تغيير دلالة هذا اللّفظ في أذهاننا، ليصبح “هذا شغل نسوان” يعني أن هذا العمل يتطلّب خبرة ومعرفة من جهة، وأن الأعمال المُناطة مجتمعياً بالرجال، تستطيع النساء أيضاً القيام بها.
ومن الأصوات التي رصدناها في هذه السلسلة “فاطمة” من مدينة الرقة، تقع شمالي سوريا، والتي تعمل في صناعة الحلويات حيث تقول: “إنّي أعمل بكرامتي في سبيل تقديم ما يعيل أسرتي”. فيما تشير “صباح” من الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، والتي تعمل كبائعة متجولة على عربة بثلاث عجلات، إلى أنّها دخلت هذه التجربة “لتثبت أن المجتمع يحاول محاربة المرأة وتقييدها، ولكنّها لم تغلق الباب على نفسها وتترك أسرتها جائعة، إنّما كانت يداً بيدٍ مع زوجها”.
ومن ناحية أخرى، تؤكد “سعادت خليل” وهي إحدى السّيدات اللّواتي ظهرن في هذه السلسلة، أيضاً، أن عملها كمديرة منظمة للأيتام جعلها “تتجاوز المواقف السلبية في المجتمع وتركز على المواقف الإيجابية بدل عنها، وكذلك كانت تسعى للمساهمة بالقضاء على النظرة المجتمعية إلى المرأة المنفصلة عن زوجها”.
ولمعرفة المزيد عن هذه السلسلة، تواصلنا مع معدّة المقابلات، الصحفية سيماف حسن، للحديث عن كيفية اختيار القصص والهدف من هذه السلسلة، قائلة: “يتم الاعتماد على السكان المحليين في ترشيح قصص نساء صاحبات مشاريع وأعمال ذوات أثرت في المجتمع المحليّ”.
وتضيف حسن لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الالكترونية “الهدف من السلسلة هو محاولة نحو تصحيح مفهوم الأدوار المجتمعيّة النمطيّة، وردّ الاعتبار لنساء مناطق عانت من الإرهاب وموصومة بالرجعيّة، أيضاً الإضاءة على مجالات عمل جديدة تمارسها النساء في المنطقة الشرقيّة وتعزيز فكرة استضافة النساء في الإعلام كخبيرات ومهنيات”.
وعن أبرز التحديات التي واجهت فريق العمل أثناء إنتاج مقابلات “هذا شغل نسوان”، تقول سيماف حسن: “تعاني النساء العاملات خارج المنزل وداخله من عدة طبقات من الاضطهاد، صادفنا في إحدى الحلقات المقرر تصويرها عن امرأة في العشرين من العمر، تعمل في تصليح البرادات، اعتراض أهلها على ظهورها. أيضاً بعد أخذ الموافقة المستنيرة من سيدة فلاحة في الرقة وبعد زيارتها والاستعداد لبدء التصوير، تعرض فريق العمل لاعتداء لفظي من قبل الأخ ومنع من التصوير، لنخرج بنتيجة مفادها أن السلطة الأبويّة تسري على النساء المستقلات بأعمالهن أيضاً ويُعطى الإذن لبعضهن بالعمل من قبل “الرجال” في العائلة فقط في سبيل الإعالة”.
وتعتقد حسن أن أثر التغيير الذي تركته تلك القصص على النساء خصوصاً، وعلى الآخرين بشكل عام يكمن في “تكرار مشهد يساهم بتطبيع ورؤية نساء تبدأن مشاريعهن الخاصة ويسلكن طريقهن الخاص مع تجاهل انتقادات المجتمع، هو مشهد يشجع أخريات ويعطيهن القوة”.
وتلفت حسن: “ربّما نروي في هذه السلسلة قصص عشر نساء فقط، لكنني متأكدة من وجود أخريات سيبدأن اليوم بطريقهن الخاص، بالتناول الصحيح لهذه القصص، بحيث نكون على الدرب الصحيح والممهد لتأسيس إعلام حساس للنوع الاجتماعي، وهذا الدرب تصنعه أولئك النساء اللاتي يعتمدن على قاموسهن الشعبيّ في إيصال فكرتهن، دون مصطلحات أكاديمية متخصصة وبشكل قريب من الكلّ”.
وتختم حسن كلامها: “كلّ امرأة بعد نهاية كلّ لقاء تقول عن عملها “هذا شغل نسوان” وبعيداً عن تحيزي العاطفي وفرحي بسماع هذه الجملة، أعتقد أنها تعزز فكرة أن “كلّ شغل هو شغل نسوان”.
تتنوع المهن والأعمار في هذه السلسلة فهناك الناشطة المدنية، وصانعة الحلويات، ومدربة الرياضة، وصانعة القصب، وصيادة السمك، والسائقة، وطباخة اللحوم، وصاحبة المطعم والمنتزه.
كما لاحظنا امتلاك السيدات في هذه السلسلة القدرة المرنة للتحدث عن أنفسهن بطلاقة، وهذه القدرة تفند الصورة المدجّنة التي اعتدنا عليها في إعلام النظام السوريّ سواء في الدراما أو في البرامج التلفزيونية الجاهزة. فالمرأة هنا صاحبة عمل، حقيقية، قائدة وفاعلة اجتماعية، مؤثرة على نحو كبير لأنّها تعمل في مهن تحتاج جهداً وطاقة كبيرين من جهة، وتربّي وتهتم بأطفالها وبيتها من جهة أخرى.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن البقع الجغرافية التي استهدفتها هذه السلسلة تقع في شمالي سوريا والشمال الشرقي (الرقة، ريف الرقة، الحسكة، الطبقة… إلخ)، إذ لا يزال المجتمع هناك بعيداً عن الانغلاق الإعلاميّ الذي يعيشه في مناطق تواجد الفصائل المعارضة ذات التوجه المتشدد دينياً، وساهم ذلك أيضاً بطرح أسئلة عن جدوى التغيير السياسيّ والثوريّ ما لم تكن المرأة جزءاً أساسياً فيه على الرغم من التحديات التي ذكرتها معدّة السلسلة في حديثها مع جريدة “الناس نيوز” الأسترالية الالكترونية!