كانبيرا – الناس نيوز ::
في المساحات الشاسعة من شمال غرب أستراليا المشمسة، يتم التخطيط لأحد أكثر مشاريع الطاقة طموحاً في التاريخ، كجزء من سلسلة مشاريع الهيدروجين التي تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات في جميع أنحاء البلد.
ووفقاً لتقرير مطول في صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فإنه من المتوقع أن يغطي مشروع المركز الآسيوي للطاقة المتجددة 6500 كيلو متر مربع في منطقة التعدين بيلبارا بألواح شمسية وتوربينات رياح لتوليد 26 جيجاوات من الطاقة، وهو ما يساوي ثلث الطاقة الإنتاجية الحالية للبلد بأكمله.
المشروع الذي تبلغ تكلفته 30 مليار دولار، والذي سيوفر الطاقة للمحلات الكهربائية لتحويل المياه إلى هيدروجين “أخضر”، مصنوع باستخدام الطاقة المتجددة فقط، والأمونيا للتصدير، هو واحد من سلسلة من مشاريع الطاقة المتجددة في أستراليا التي قدرت شركة بي دبيليو سي تكلفتها بـ 188 مليار دولار. تستند هذه المشاريع إلى وعد بأن البلد يمكن أن يستخدم أراضيه الوفيرة وضوء الشمس للتحول من أحد أكبر مصدري الفحم والغاز في العالم إلى قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة.
لكن هذه المشاريع تشترك في خاصية واضحة: مليارات الدولارات المطلوبة لتمويلها لم تتوافر ولم يتم بيع جزيء واحد من الهيدروجين، حيث يقف المستثمرون في انتظار القرارات الحكومية.
قال بول بورك، خبير اقتصادي في الطاقة في الجامعة الوطنية الأسترالية: “لدى أستراليا فرصة كبيرة في جانب العرض في إنتاج الطاقة الخضراء وتصديرها. إن الشيء الرئيس الذي سنحتاجه هو تدفقات رأس المال الكبيرة إلى هذا القطاع”.
وقال بورك إن الحكومة الفيدرالية “يمكن أن تفعل كثيراً لتحقيق إمكاناتها في الطاقة الخضراء والصادرات النظيفة”، مثل إدخال تسعير الكربون، والإعفاءات الضريبية، واستراتيجية واضحة بشأن مصادر الطاقة المتجددة.
التزمت أستراليا باستثمار ما يزيد قليلا على مليار دولار أسترالي “741 مليون دولار أمريكي” في تطوير مشاريع الهيدروجين، على الرغم من أن ذلك يشمل الهيدروجين “الأزرق” المصنوع من الغاز الطبيعي مع التقاط الكربون وتخزينه، فضلا عن الهيدروجين “الأخضر”.
شركة آي إف إم إنفستورز، البالغة قيمتها 180 مليار دولار أسترالي والمتخصصة في البنية التحتية التي تدير أموال المعاشات التقاعدية الأسترالية، أطلقت هذا العام فقط صندوقاً للطاقة النظيفة، بقيمة تبلغ نحو أربعة مليارات دولار أسترالي للاستثمار في الطاقة المتجددة.
وقال كايل مانجيني، الرئيس العالمي للبنية التحتية في “آي إف إم إنفستورز”: “الهيدروجين لا يزال في مرحلة مبكرة جدا. إننا نتخذ مركزاً صغيراً نسبياً في هذا الأمر، لذلك نحن في مسار التكنولوجيا أثناء تطورها”.
لكن مع التزام الشركاء التجاريين الآسيويين لأستراليا بتحقيق صافي صفر بحلول منتصف القرن، من المتوقع أن يتسارع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وفقاً لما قاله ديفيد ليتش، محلل الطاقة في سيدني ومدير في شركة آي تي كيه سيرفيسيز.
وقال: “سنفقد صادراتنا من الفحم والنفط والغاز. عملاؤنا الكبار هم اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية. لذا فإن السؤال المطروح بالنسبة للهيدروجين هو، هل يمكنك إنتاجه بسعر أرخص في أستراليا ثم شحنه إلى تلك البلدان؟”.
يتفق الخبراء على أن أستراليا لديها إمكانات كمصدرة للطاقة النظيفة، قدرت دراسة أجراها باحثو الطاقة في الجامعة الوطنية الأسترالية في شهر مارس/آذار أن 2 في المئة من أراضيها يمكن تغطيتها بحقول الرياح والطاقة الشمسية وإنتاج 26 ضعف إجمالي قدرة البلاد الحالية على توليد الكهرباء.
ووفقاً لأنموذج مؤلفي الدراسة، سيتم تصدير 20 في المئة من تلك الكهرباء مباشرة إلى آسيا عن طريق الكابلات البحرية، كما يخطط مشروع صن كيبل الذي تبلغ قيمته 20 مليار دولار أسترالي، بينما سيتم تصدير 80 في المئة على شكل هيدروجين أخضر.
يتم تصنيع الهيدروجين الأخضر عن طريق تغذية المياه منزوعة المعادن من خلال محلل كهربائي يعمل بالطاقة المتجددة، وهي عملية تقسم الماء إلى هيدروجين وأكسجين. إن هذه العملية خالية من الكربون، على عكس “الهيدروجين الرمادي”، الذي يتم تصنيعه باستخدام الغاز الطبيعي وينبعث منه ثاني أكسيد الكربون.
يمكن القول جدلاً إن أكثر مؤيدي الهيدروجين الأخضر في أستراليا هو أندرو فوريست، قطب خام الحديد وثاني أغنى شخص في البلد، وقد أمضى العامين الماضيين في جولة حول العالم لحشد الدعم لمشروعه فورتيسكيو فيوتشر إندستريز.
يدعي أنه يستطيع إنتاج 15 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول 2030، وهو مشروع ضخم يتطلب بناء نحو 200 جيجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بتكلفة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
في الوقت الحاضر، يقتصر استخدام الهيدروجين على مجالات مثل إنتاج الأسمدة وتكرير النفط، لكن فوريست يتصور أنه سيصبح مصدراً رئيساً للطاقة، ليحل محل الديزل في تشغيل السفن والمركبات الثقيلة، ووقود الطائرات، وفحم الكوك في عملية صناعة الصلب، والغاز الطبيعي في التدفئة والعمليات الصناعية.
ووقعت “فورتيسكيو فيوتشر إندستريز” على قائمة طويلة من الاتفاقيات غير الملزمة، آخرها مع موزعة الطاقة الألمانية شركة إيون لتوفير خمسة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030 ليحل محل الغاز الطبيعي في الصناعة الهولندية والألمانية. قال فوريست “إن الاتفاق سيحل محل ثلث واردات الغاز الروسي إلى ألمانيا”.
لكن على الرغم من كل هذا، فإن “فورتيسكيو فيوتشر إندستريز” لم تضع بعد مصفوفة شمسية واحدة أو توربينا هوائيا ولم تنتج أي هيدروجين أخضر.
وقال ليتش من “آي تي كيه سيرفيسيز”: “يمكنك التحدث عن رؤوس الاتفاقية كما تحب، لكنها لا تستحق الورق الذي طبعت عليه. إن فورتيسكيو فيوتشر إندستريز ليست في أي مكان في الوقت الحالي”.
رفض فوريست الانتقادات. قال: “أود أن أقول لهؤلاء الناس إنه ليس لديهم فكرة عن كيفية بناء صناعة. عندما تبدأ صناعة جديدة (…) فإنك تؤمن الأسواق أولا، ثم تؤمن التجهيزات لبنائها، ثم تؤمن التمويل”.
في حين أن فوريست متفائل بشأن شحن الهيدروجين السائل حول العالم، يراهن مشروع المركز الآسيوي للطاقة المتجددة على تصدير الأمونيا “الخضراء”، التي يتم تصنيعها عن طريق خلط الهيدروجين الأخضر مع النيتروجين المستخرج من الهواء. من الأسهل بكثير شحنه في صورة سائلة من شحن الهيدروجين، الذي يجب تبريده إلى 253 درجة مئوية تحت الصفر ليصبح مسالا.
لكن أنواع الوقود لا تزال في مهدها بينما كان قطاع المعاشات التقاعدية في أستراليا، لاعبا تقليدياً في مشاريع البنية التحتية، متردداً في الراهنات الكبيرة على الطاقة المتجددة.
وقال اثنان من أكبر ثلاثة صناديق معاشات تقاعدية في أستراليا، وهما أستراليان سوبر وأوير سوبر، اللذان يديران ما مجموعه 400 مليار دولار أسترالي، إنهما استثمرا حتى الآن بضعة مليارات من الدولارات فقط في مشاريع الطاقة المتجددة.
قال بول شرودر، الرئيس التنفيذي لصندوق أستراليان سوبر: “لا أريد الاستثمار في شيء كصيحة. لكنني أتوقع أن نستثمر بشكل كبير في إزالة الكربون من الكوكب”.