سوزان المحمود – الناس نيوز :
“إن الصور هي الشاهد على الذوبان الذي لا يلين للزمن” .. (سونتاغ)
سهير صابور ولدت في مدينة حماه وتقيم في اللاذقية، مصورة ضوئية سورية تعيد اكتشاف بلدها وذاتها من خلال عدسة كاميرتها. وترصد بعين الخبير مكامن الجمال، وتلتقط الصور التي تقوم بمعالجتها معالجة لونية بسيطة. في صورها يمكنك أن ترى كل شيء من جديد: القلاع، الجبال، الوديان، الزهور، الأشجار والأمواج وقوارب الصيادين المتهالكة على الشواطئ، لقطات أُخذت على غفلةٍ من الزمن، وتُقدم لك كلحظة مقطوفة من الأبدية.
*ما الذي يعنيه الضوء للمصور الفوتوغرافي؟
أن تكون مصوراً فوتوغرافياً يعني أن تتفاعل عينك مباشرة مع الضوء ومع الحقيقة، الضوء هو الوسيط المباشر بينك وبين الموضوع، بدون ضوء لا يوجد تصوي ر، وبالنسبة لي الصورة أصدق من الكلمة، فهي تحكي وتعبر عن نفسها تماماً.
*ما الذي يقدمه التصوير الفوتوغرافي لك شخصياً؟
التصوير يعطيني حضورا وفرحا وسعادة، ويساعدني على تخطي الأوجاع والآلام اليومية وفي الوقت نفسه هو قمة التفاعل مع الآخر مع الإنسان، لأنني أصور اللحظات الإنسانية في قمتها أقتنص هذه اللحظة من الوجوه ومن الوجود، فهي أساسية جدا لكشف المشاعر المدفونة داخل الإنسان، لو كان من المسموح لنا أن نصور الوجوه بحرية لكنت شاهدت الصورة، وهي تحكي الصمت. أتمنى أن يرى الجميع ما أراه أنا من الجمال. يعطيني التصوير لحظة اتحاد مع الخالق، لأنني أشعر أنه موجود ضمن الأشياء والكائنات التي تحيط بي من إنسان و حيوان، من ابتسامة طفل، من هبة ريح، من موجة تقفز بكل خفة، من صوت الموج على الحصى وهو يعطي نوعا خاصا من الموسيقا والسكينة والهدوء للإنسان ليس من الممكن لأي أحد أن يعطيني إياها؟
* منذ متى بدأت بالاهتمام بالتصوير الفوتوغرافي؟
– منذ كنت صغيرة كان كل شيء جميل يلفت نظري كنت أتفاعل مع الطبيعة، والدتي علمتني ذلك لأنها كانت العاشقة الأولى للطبيعة حتى الآن تستمتع باللون الأخضر تستمتع بالسماء والمياه والزهرة الحلوة والرائحة الشذية نقلت كل هذا الشغف بالجمال لي وعندما أخذت الشهادة الإعدادية أهداني والدي كاميرا “زينت” كنت أحاول التقاط لقطات متميزة، لكن لم يفتح المجال لي حقيقة إلا عبر الإنترنت وذلك بتشجيع من أصدقائي فقد قاموا بتعريفي على صفحات محلية وأجنبية مختصة بالتصوير الفوتوغرافي وهكذا انطلقت.
* تقول الروائية والناقدة سوزان سونتاغ “إن الصورة الفوتوغرافية هي حضور زائف ورمز للغياب معاً” ما رأيك في ذلك؟
لا أوافقها في ذلك، التصوير هو حضور حقيقي وليس زائفاً أبداً، لأنك بالصورة تخلدين اللحظة للأبد فكل شيء جميل ترينه كابتسامة طفل يركض، أنت توقفين الزمن وتخلدين هذه اللحظة. هناك الكثير من الصور التي غيرت العالم كلها مثل الصورة التي هزت العالم في فيتنام صورة الفتاة الفيتنامية التي كانت تركض وهي عارية بسبب قنابل النابالم أعلنت القوات الأمريكية وقف الحرب على فيتنام. فبسبب هذه الصورة قامت مظاهرات ضخمة بشوارع نيويورك تطالب بوقف الحرب. الصورة تهز الإنسان من الداخل إذا كانت صادقة وعلى الأغلب هي صادقة، أما الغياب، أي لحظة ستصبح هي غياب، ولكن هذه اللحظة هي آنية، وهي ثابتة، وهي مخلدة وخاصة إذا كانت صادقة.
*شاركت في عدد كبير من مسابقات التصوير الضوئي في المغرب والجزائر ومصر وفزت بالعديد من الجوائز الدولية والعربية ؟ ما الذي تمنحه الجائزة للفنان؟
نعم أهم جائزة حصلت عليها كانت عام 2017 في حينها ترشح من سوريا 2019 مصور بمشاركة خمسين دولة اختيرت صورتي ضمن الصور العشر الأوائل وحصلت عندها على شهادة دولية وهي بالنسبة لي الأهم، الجائزة ولو أنها حتى اليوم معنوية فقط إلا أنها تعطي دعما للمصور لينطلق في رحلة بحث عن الأشياء المميزة وعن زوايا التصوير المناسبة. يجب أن تكون الصورة مميزة جدا حتى تثبت نفسها، لأن هناك مليارات الصور التي تُحمّل على الإنترنت يومياً.
* كمصورة ضوئية جلت في أنحاء سوريا وربما وثقتها من وجهة نظرك ما الذي منحك إياه هذا الأمر أو كيف ترين سوريا؟
نحن لا نلتقط الصور المميزة بسهولة نسافر ونصعد جبالا وننزل وديانا ونبحث أين نجد زهرة جميلة أو زاوية تصوير مميزة، أحلم كثيرا بالسفر خارج سوريا لأشاهد الجمال الموجود في العالم كله، لكن سوريا تتمتع بجمال فطري غير ملعوب فيه يستطيع المصور أن يتفاعل مع الطبيعة مباشرة في سوريا نجد الشجرة ،الحجر، الصخر، الموج السماء الغيم، الآثار، سوريا بلد عظيم و جميل يستحق العناية قليلاً. بقليل من النظافة أنا لا أقول أن نقوم بإنشاء منشآت سياحية ضخمة. مثلا “المشتاية” قرية رغم كل بساطتها تتمتع بنظافة وكل الناس هناك يهتمون بها تجدين هناك النباتات المزروعة وشجر الرمان في المنازل كل هذا يعطي جمالا رائعاً، المثل الفرنسي يقول الجمال يكمن في البساطة. اتمنى أن يكون هناك إعادة تشجير للساحل السوري كله خاصة بعد الحرائق الرهيبة التي أتت على مساحات كبيرة من الحراج الطبيعية وأتمنى لو أن البلديات تقوم بتشجيع وتوجيه السكان بأن يقوم كل شخص بزراعة شجرة ورد أمام منزله وإزالة جميع المخلفات لإعادة الوجه المشرق لسوريا، نفتقد إلى هذا ربما كانت تبعات الحرب ضخمة، لكن يمكن إعادة كل ذلك فاليونان بماذا تتميز عنا بكل بساطة بالنظافة والترتيب فأينما اتجهت هناك ترين الورد في الحارات الضيقة الفخاريات وبساطة الأشغال التقليدية أعطت أناقة للقرى، بيوت بسيطة وشوارع نظيفة شجعت السياحة.
*من بين العديد من مواضيع التصوير الضوئي ما هو الموضوع الأقرب إلى قلبك؟
التصوير ليس له حد، لقطة صغيرة قد تثير إعجابك ربما حيوان يقف بانتباه، أو طفل يركض، أو وجه حزين، غايتي الحقيقية أن أُري جمال هذه البلاد الجمال الذي نسيه الناس بسبب القهر والحزن والسعي الحسيس لملاحقة متطلبات الحياة الضرورية. أنا أحاول أن أخرج قليلا من هذه الدائرة لأريهم أن هناك بصيص أمل، طبعا أنا أحب كثيراً تصوير الزهر وأعشق الطبيعة والآثار والقلاع لأنها ملفتة للنظر بجمالها وبهيبتها وبالأصالة التي تتميز بها.
*تقول سونتاغ “حين ينتابنا الخوف نطلق الرصاص، لكن حين ينتابنا الحنين نطلق الصور” في معظم أعمالك تتجنبين تصوير الدمار الذي شهدته البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة لماذا؟
الحقيقة يؤلمني الدمار لا أتخيل سوريا مدمرة أبداً وأفضل أن أكون شخصا إيجابيا قدر الإمكان أصور الجمال لأنني أعتقد أننا يجب أن نكرس الصورة الإيجابية بحياتنا أكثر من الصورة السلبية ليكون لدينا القدرة على العطاء، صحيح أن الصورة صامتة، ولكنها ترسل رسائل إيجابية جميلة جدا للآخر، وتقول إننا موجودون، الدمار آني وليس أزليا، ولكن الجمال أزلي وباق.نحن نأمل أن سوريا ستظل واحدة موحدة، وهذا الفسيفساء الذي تتكون منه سوريا أتمنى أن يحافظ على بريقه. اللون الواحد ممل وأتمنى دائماً أن نقبل الآخر وأن نؤمن بأن الاختلاف لا يقضي علينا بل يُغنينا، نبحث عن الاغتناء بالآخر.