نبيل شوفان – الناس نيوز :: تصوير محمد بدره
على إحدى بوابات العاصمة الفرنسية باريس تم نصب رأس المثقف السوري التاريخي أبو العلاء المعري كأيقونة فنية مميزة، نحتها الفنان السوري البارز عاصم الباشا، تزامناً مع ذكرى الثورة السورية.
افتتح الفنان السوري البارز فارس حلو مؤسس ومدير شبكة ناجون احتفالية النصب الذي حضره المئات، بكلمة أكد فيها أن هذا المشروع هو نتاج دعم مئات السوريين/ات الناجين/ات ممن حملوا خطاب الحريات والحقوق، فنانين وأدباء ومفكرين وإعلاميين ومهتمين، وأنه سيكون بمثابة أيقونة انتظار السوريين للعدالة والسلام في بلدهم، واختتم بإهداء العمل إلى كل المعتقلين/ات والمغيبين/ات في كافة المعتقلات السورية والعالم.
ثم ألقى باتريك بيساك رئيس بلدية مونتروي كلمة أشار فيها أنّ المعري “أنار ليس فقط عقول العرب في زمنه، بل إنه أنار عقولنا جميعاً”. وأنه: “من خلال الترحيب بهذا العمل في المنفى، ترغب مونتروي في جعل صوت سوريا خال من الاستبداد والتعصب والاحتلال، يتردد صداها ويعيد تأكيد أملها في السلام”.
تم نصب التمثال الذي بلغ ارتفاعه 3.25 متراً وعرضه 1.30 متراً، وبلغ وزنه طناً ونصفاً، ليكون بديلاً لتمثال أقامه النحات فتحي محمد في معرة النعمان في مدينة إدلب شمالي سوريا، تلك المدينة التي ثارت مطالبة بالحرية و الديمقراطية وواجهها النظام بالنار وقصف الطيران، وحوّل المركز الثقافي فيها إلى مركز اعتقال ارتكب فيه مجزرة مروعة بحق المعتقلين قبيل انسحابه من البلدة لصالح الجيش الحر.. ولكن بعد أربعة شهور من تحريرها، باغتت البلدة مجموعة إسلامية متطرفة قامت بقطع رأس التمثال، كإعلان رسمي عن وجودها.
بالإضافة إلى منحه حق اللجوء في الضاحية الباريسية حتى تحقيق العدالة في سوريا الجديدة، يشكل هذا العمل الفني رمزاً دائم التذكير بقضية الناجين السوريين، بحسب بيان “ناجون” الذي تسلمت منه نسخة جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية، حيث ورد فيه أن الناجون يعتبرون المعرّي “مثالاً ناصعاً للمثقف الإنساني الحرّ، الذي لم يرتهن إلا لضميره الحيّ، وأنه بمثابة أيقونة انتظار السوريين للسلام والعدالة في بلدهم” وذلك بالخلاص من كل سلطات الأمر الواقع بما فيها النظام والتطرف. فالمعري أيضاً بات واحداً من الناجين السوريين المتطلعين إلى تحقيق العدالة والسلام في كل مكان، وخاصة في وطنهم الأم سوريا”.
وجاء على صفحة شبكة ناجون التي تعنى بمحاربة ثقافة الإفلات من العقاب من كل الأطراف وبكل السبل الفنية والفكرية والحقوقية والإعلامية: “بإرادة الناجين من المعتقلات السورية وشغفهم للحياة والفعل أسّسنا مشروع المعري، استولدناه من جذورنا المعرفية والتاريخية، ومن إيماننا بأنه لا “إمام سوى العقل” كما قال المعري نفسه، وكما تنص دعوتنا الدائمة، كان المشروع إصراراً منا على التشبث بالحياة ورفض الاستكانة التي أرادوها لنا. وكان استعادة للرابط المشيمي بيننا وبين وطننا الأم سوريا وطناً حراً قائماً على التعددية والديمقراطية”.
وعلّق الباشا على عمله قائلاً: “ليس لدي كلمات، كل ما أردت قوله يقوله هذا النصب، أرجوكم اقرؤوا شيئاً للمعري”.
كما شاركت الفنانة نعمى عمران بفقة موسيقية أعدتها خصيصاً لهذه المناسبة، فغنت أبياتا نظمها المعري في غربته:
فيا دارَهَا بالحَزْنِ إنّ مَزارَها قرِيبٌ ولكنْ دونَ ذلكَ أهْوال
إذا جَنّ ليْلي جُنّ لُبّي وزائِدٌ خُفُوقُ فُؤادي كلَّما خَفَقَ الآل
ولد المعري عام 973 في معرة النعمان السورية اشتهر بلقب رهين المحبسين، أي العمى والبيت، تمرد بعقله على كل سلطة مهما كانت دينية أو سياسية استبدادية، أو أعرافاً وتقاليد اجتماعية، فقرن قوله بما يمليه العقل، هو كذلك نصير الفكر الحر والشك، باعتباره طريقاً إلى المعرفة ونصير النزعة الإنسانية وأحد روادها في الفكر العربي الإسلامي، زَهد ولم يتزوج وكان به شغف لفتنة السؤال ومتاهات التفكير والتأمل، وبحسب مئتي كتاب ورسالة كتبهم فإن لا يضيء عتمة الوجود إلا نور البصيرة ولا يضيء دهاليز الفكر إلا شموع الأسئلة التي توطد أسس معرفة جديدة وهدماً للمتوارث، خصوصاً حين يتأزم أمام ما يحمله الزمان وتغيراته من معضلات، اشتهر بأشعاره وفلسفته ونظرته وعزلته الطويلة، وكذلك “رسالة الغفران” التي تركها كوثيقة تاريخية للأجيال.