حوار سوزان المحمود – الناس نيوز ::
د. حازم كمال الدين، بلجيكي من أصل عراقي: مسرحي، وروائي، وصحافي، ومترجم (تخصص شعر ومسرح)، ومدرّس (تخصص مسرح الحركة والاستشراق/الاستغراب في المسرح). نشر نصوصه الأولى في العراق بين 1970-1978.
عمل ممثلا في فرقة المسرح الفني الحديث العراقية التي يديرها يوسف العاني (1974-1978). وينشر نصوصه في الصحافة العربية والأوروبية منذ عام 1979. يعيش في بلجيكا منذ عام 1987. عمل مديرا فنياً لمحترف Woestijn 93 المسرحي (1993-2004). ومديراً فنياً لجماعة Cactusbloem للمسرح (2004-2015).اشتغل مدرساً للارتجال الحركي في معهد مسرح الحركة Antwerpse Mime Studio (1996-2012). ومشرفاً فردياً Individual mentor (لطلبة الماجستير) في معهد DasArts في أمستردام. وأعطى محاضرات (استشراق استغراب في المسرح) في جامعتي Gent و Antwerpen (2000-2006). وعمل عضواً في الهيئة التنفيذية لمؤسسة القلم الدولية الفرع الفلاماني PEN-Vlaanderen، وهو عضو اتحاد الكتاب البلجيك.
أصدر حازم كمال الدين ثمان روايات وأربع مجاميع قصصية مشتركة. أحدثها “الممالك”(باللغة الهولندية) 2023 Koninkrijken Bebuquin بلجيكا، و”من أحوال داليا رشدي” 2022 عن مؤسسة أبجد في العراق، و”الوقائع المربكة لسيدة النيكروفيليا” 2020عن دار فضاءات في الأردن، “مروج جهنم” 2018 عن فضاءات، “مياه متصحرة” 2015 عن فضاءات “القائمة الطويلة للبوكر”، “كاباريهت” 2014 عن فضاءات، “أورال” باللغة الهولندية 2010 Beefkacke publishing بلجيكا، “العائلة المقدسة” أون لاين، 2004الحوار المتمدن.
في القصة “على الضفة الأخرى من الرغبات” كتاب مشترك 2016، PEN-Vlaanderen بلجيكا، “الأماكن والكلمات” كتاب مشترك، 2015، PEN-Vlaanderen بلجيكا، “بلح رائع” مشترك 2008 زهرة الصبار بلجيكا، “ضريح الصمت”مشترك 1993،صحراء 93 بلجيكا.
في الشعر “باطن منكب التيس” ترجمة 2019 عن فضاءات، “إله قديم” 2008 تحرير وتدقيق، “حرير” ترجمة وتحرير، 2007 عن زهرة الصبار بلجيكا.
في المسرح أنتج ما يزيد على ثلاثين عرضاً مسرحياً في أوروبا والمنطقة العربية. ونشرت مسرحياته في العديد من المجلات العربية ومنها مجلة الآداب ونزوى. كما نُشرت بحوثه المسرحية في العديد من المجلات العربية ومنها مجلة العربي الجديد اللندنية ومجلة نقد 21 المصرية. وكتبت عنه العديد من الأطروحات الجامعية في الجامعات البلجيكية وغيرها ومنها: عام 2017 أطروحة دكتوراة للباحث محسن راضي (المسرح العراقي في المنفى) الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، ومنها عام 2008 أطروحة ماجستير للباحثة Katrien Van Wassenhove (توني برولان وحازم كمال الدين – لقاء في ظلال الاختلاف)، جامعة Gent. متوفرة باللغة الهولندية. ومنها عام 2000 أطروحة ماجستير للباحثة Helena Verlent (تأثيرات شرقية في الفنون المسرحية المعاصرة. الشرق والغرب في حالة التوازن الحرج)، جامعة Antwerpen. منشورة باللغة العربية في كتاب. ومنها أيضاً عام 1997 أطروحة ماجستير للفنانة البلجيكية Ruth Loos (حازم كمال الدين)، جامعة Gent. متوفرة باللغة الهولندية.
وكان قد حاز على الجائزة السنوية لأفضل مؤلف مسرحي للكبار عام 2014 عن الهيئة العربية للمسرح.
وصدر له في مجال الكتابة المسرحية، “أبراج بيروت” ترجمة 2022 عن أبجد، “ثلاث مسرحيات للممثل الواحد” ترجمة 2018، عن فضاءات، “السادرون في الجنون” (جائزة أفضل مؤلف مسرحي) 2015 “بيت القصب” (مانفيست عن المسرح)، الهيئة العربية للمسرح الشارقة، 2015، “عند مرقد السيدة”2011، دار الغاوون لبنان، “العدادة” بالهولندية 2000 صحراء 93 بلجيكا.
جريدة ” الناس نيوز الأسترالية “ حاورت د. حازم كمال الدين بمناسبة صدور كتابه الجديد في بلجيكا “الممالك”:
س1- يبدو عملك الجديد الصادر باللغة الهولندية “الممالك” نصاً عابراً للأجناس، هل من الممكن أن تحدثنا عن التقنيات السردية وغير السردية التي استخدمتها في هذا الكتاب؟
ولأن النص كما تقولين (عابر للأجناس) فذلك عائد لتقنياته المتنوعة التي لا تتوقف فقط أمام تقنيات السرد، إنما تتصل بتقنيات الدراما، والريبورتاج الصحافي، والسيناريو السينمائي. هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها نصّاً عابراً للأجناس، أو ينتمي لمختلف الأجناس. عالمنا اليوم في ثورة التكنولوجيا لم يعد يكتفي بأحادية أسلوبية، أو تقنية واحدة، أو تجنيس. لقد تغيّر العالم إلى أمد غير منظور بالنسبة لي. وقد أدركت ذلك قبلا في المسرح حيث ابتدأت بتنويع التقنيات المسرحية فيما بينها (ستانسلافسكي، بريخت، مسرح حركة، مسرح كلام، أوبرا، رقص، سينما، فيديو تفاعلي، مسرح انترنت، مسرح تقليدي.. إلخ.).
في هذا النص تقنية السيناريو السينمائي لها سطوة على عملي، وبالطبع التقنيات المسرحية بحكم عملي كرجل مسرح، وكذا التقنية البصرية لأني أعشق الصورة بحكم كوني منفي وفي نفس الوقت أعشق اللغة لنفس السبب، تتنوع التقنيات هنا فأستفيد كثيرا من تقنيات الفن التشكيلي و “التقنيات” الشعرية. ثيمة “الممالك” ساعدتني كثيرا في تقوية هذا الخط العابر للأجناس.
س2- تتابع في “الممالك” رصد التصدعات العميقة التي شظّت المجتمع العراقي بعد الحرب؟ خرجت من العراق منذ أربعين عاماً، لكن معظم نصوصك السردية مسرحها الأول لا يزال العراق؟
يقول المثقف العراقي البلجيكى حازم كمال الدين للناس نيوز الأسترالية إن معظم نصوصي السردية وعروضي المسرحية فضاؤها المركزي هو العراق. الموضوع هنا شبيه باقتلاع الإنسان من حضن أمّه وحنينه الأبدي لها. صحيح أن المنفى ولادة جديدة للإنسان، لكن فقدان الأم يبقى هو الفقدان ما حييت. أوّل شيء فعلته حينما زرت العراق في العام الماضي هو الذهاب إلى (وادي السلام) لزيارة قبر أمّي وبجانبها أبي. أبنائي لهم حيّز مركزي في أعمالي وهم نصف أوربيين ونصف عرب، لكن هذا لا يظهر في عملي إلا عندما أضع أسماءهم هنا وهناك. بالمناسبة لقد عاش غائب طعمة فرمان جلّ حياته في المنفى ولم يكتب سوى عن بغداد.
س3- في معظم أعمالك كما في هذا العمل تسخر من ما يمكن أن نطلق عليه “الفحولة الشرقية المجهضة” ما الذي ترغب بقوله من خلال ذلك؟
سؤال مهم لا أعرف إن كنت قادرا على الإجابة عليه بشكل صحيح. أظن أن القارئ أقدر مني على الإجابة. في العموم لدي قناعة أن المجتمع الذكوري مؤسس على أعراف غير عادلة. الأنثى هي الأصل كما تقول نوال السعداوي، ومع ذلك تهيمن (الفحولة) على المجتمعات الشرقية. بسبب التربية الدينية؟ بقايا عقلية إقطاعيّة؟ في نص (الممالك) تتأسس (الفحولة المجهضة) كما تسمينها نتيجة الخيانة، خيانة الصديق ومهادنة الديكتاتور، وفي هذا تأثير واضح عليّ من مسرحية (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) للمؤلف الإسباني أنطونيو بويرو باييخو.
س4- تعود لاستخدام اسم “داليا رشدي” الشخصية النسائية الوحيدة في عملك، ما الذي أردته منها في هذا العمل؟
اسم داليا رشدي يتردد في أعمالي السردية منذ الرواية الأولى، وقد اتخذته كشكل من أشكال التكرار لما يحمله التكرار من طاقة لا تكرارية. يمكنني أن أقول مثلا (أحبك) لتأخذ الكلمة شتى المعاني، فتكون تارة (أحبّك) وتارة (أكرهك)، وتارة (أعطني قدح ماء) وتارة (هل نذهب لنتسكع في المدينة؟). طريقة القول تحمل المعنى وظروف القول تحمل المعنى أيضاً، ولأني أشتغل من فترة طويلة على نصوصي باعتبارها طاقة تجددني أستخدم التكرار لكي يُضاء التنوّع. يبدو الأمر متناقضاً للوهلة الأولى إلا أنّه ليس كذلك. في رواية (كاباريهت) داليا رشدي كاتبة تصبح شهيرة لأنها جميلة ومغرية وليس لأنها تكتب نصوصا جيّدة. وفي (مروج جهنم) داليا فتاة عمرها 16 عاما (يقتنيها) جنرال يأخذها معه إلى الخطوط الأمامية للحرب ويحوّلها إلى (دمية جنس). أما في (الوقائع المربكة لسيدة النيكروفيليا) فداليا رشدي لاجئة في بلجيكا هربت مع زوجها من حكم ديكتاتوري. أعمار داليا تختلف من عمل إلى آخر وكذلك موقعها الاجتماعي. داليا رشدي ليست رمزا لامرأة ولا تنميطا للمرأة، إنما هي، إذا صحّت التسمية، لونٌ يحتل فضاءً مختلفاً في كل لوحة تشكيلية جديدة.
س5- أحد أبطال عملك الجديد هو جدار بغداد، ما هو مادياً ومجازياً؟
لا أدري! القارئ يعرف ذلك أكثر.
س6- أبقيتَ الخاتمة مفتوحة، بإعطائك القليل من الضوء، هل تعول على المستقبل؟
لا. أنا لا أعوّل على المستقبل. ليس لدي أوهام. النهاية مفتوحة لأنها تمنح القارئ فسحة كتابة ما تبقى من النص الذي لم يُكتب بعد.
س7- تتمتع أعمال حازم كمال الدين السردية المكتوبة باللغة العربية، بلغة خاصة دائماً، تتدرج الكلمات والعبارات من ما يمكن أن نطلق عليه “اللغة السوقية” اليومية بمصطلحاتها الخاصة والتي تؤدي أغراضاً معينة داخل النص السردي، إلى اللغة الأدبية العالية، أيضاً كمعظم أعمالك السابقة يوجد لغة بصرية خاصة مشغولة بعين سينوغرافية خبيرة، تعمل على إنتاج لوحات تساهم في رسم وتصعيد الأجواء المحيطة بالحدث، ثمة اعتقاد سائد أن لغة مثل الهولندية تعاني صعوبة في إيصال ما يريده كاتب عربي للقارئ الأوروبي، هل تعتقد أن اللغة الهولندية ستتمكن من إيصال ما تريده للقارئ الأوروبي؟ وكيف هي علاقتك مع القارئ الغربي؟
اللغة الهولندية كأي لغة أخرى على هذه البسيطة، هي لغة أدب وحوار وعلم وفلسفة، فلماذا لن أتمكن من إيصال ما أريد للقارئ من خلالها؟ هل لدينا إحساس بأن بعض لغات الشعوب قليلة العدد تعجز عن نقل هذا أو ذاك إلى فضاءاتها المختلفة، كما هو الحال مع لغات الشعوب كثيرة العدد؟ أنا لا أرى ذلك. لقد كُتبت باللغة الهولندية قصائد رائعة وروايات كبيرة ومسرحيات طليعية (كأمثلة على ذلك يمكن قراءة ترجماتي لبعض الأعمال عن هذه اللغة) وظهر فنانون تشكيليون خالدون وهم رواد حركة عصر النهضة الموسيقية. المشكلة في اللغة الهولندية أنها لغة أقليّة وغير منتشرة على نطاق واسع كالإنجليزية مثلا. وهي تشترك في ذلك مع اللغة الكردية والأمازيغية في المحيط العربي. كثيرا ما أسأل نفسي ما يلي:
لو كان الناطقون باللغة الفرنسية شعب منزو في أحد جبال أفغانستان أو سيبيريا أو في قرية أفريقية أو لو كان شعبها تعرّض للإبادة كالمواطنين الأصليين في القارة الأمريكية فهل كانت ستكون هذه اللغة عالمية وجميلة كما نؤمن بذلك اليوم، أم ترى أن سبب انتشارها وهيمنتها، ومن ثم جمالها، عائد لهيمنة الأقوى؟ ما هو الجمال في اللغة وفي أي شيء آخر سوى ترويض ذائقة جمعية على ممارسة لغوية ما؟ أنا مثال على ذلك، فأنا أحب اللغة الهولندية بقدر ما أحب أبنائي فهي اللغة الأم التي ينطقون بها وتؤجج كل أنواع الحب عندما أسمعها من أفواههم.
في حياتي رأيت الكثير من الأشياء التي اعتبرتها قبيحة، وكرهها أبناء وطني العراقي، لكنها تحولت بحكم هيمنة ما إلى أشياء جميلة. خذي الموضة على سبيل المثال، وتحديدا (موضة بنطلون الجينز الممزق). أتذكر أني أيام مراهقتي كنت أجزع من ارتداء بنطلون الجينز الممزق، بل ومن مرآه وكان أبي يشتري لي بسرعة بنطلونا جديدا ما أن تظهر مزقة في البنطال القديم. ولكن.. ذات يوم ظهرت امرأة ثرية ما أو رجل ثريّ أو جماعة ما وخلقوا من البنطلون الممزق الذي أمقته موضة فانتشر في كل أصقاع الأرض بمساعدة عناصر هيمنة محددة ليس هنا مجال التطرق إليها. وهكذا صار البنطال الممزق من أجمل الملابس الشائعة لعقود وعقود.
فيما يخص علاقتي مع المتلقي الغربي فهي علاقة ملتبسة، ذلك أني أتناول ثيمات خارجة عن سياق الحياة الاجتماعية والثقافية الغربية. ثيمات الاستبداد والحروب كمثال ثيمات بعيدة عن تفكير الغربي، لكنها تشغلني دائماً، والشكر في إشغالي هذا يعود إلى صدام حسين وبقية الطغاة العرب.
في نفس الوقت أنا أرفض أن أكتب عن ثيمات تداعب عواطف الأوروبي كثيمة اللجوء أو الاندماج في المجتمع الغربي، أو عدم الاندماج، أو النقد السياحي للثقافة أو الحياة الأوروبية، كما أرفض أن أكتب عن نفسي كضحية وصلت للغرب بناء على ظروف قاهرة.
وفي الشق الأول من سؤالك حول لغة نصوصي وتدرجاتها فأنا أعمل كثيرا على اللغة كي تتماهى جمالياتها (السوقية)، وما تسمينه (اللغة العالية)، ولغة الشعر والفلسفة. الحياة هي مزيج متفاعل من كل مستويات اللغة في بوتقة واحدة. أعرف أن كثير من الكتاب يتهيبون من استخدام المصطلحات السوقية ناهيك عن رصفها إلى جانب كلمات شاعرية وغيرها، لكن برتولد بريخت لم يخش ذلك أبدا ولا جان جينيه ولا جوزيف كونراد ولا (الحارس في حقل الشُّوفان) لـ (جيروم ديفيد سالينجر) ولا كتاب ألف ليلة وليلة! لننّظر إلى كتاب (عبقرية اللغة) لـ (ويندي ليسير) ترجمة (حمد الشمري) وأرجو أن تتاح للقارئ الفرصة لقراءة الأسماء التي ذكرتها بلغاتها الأصلية ليتيقّن من ذلك، فالمترجمون اشتغلوا كالرقيب على تلك لغات أولئك المبدعين أثناء الترجمة إلى العربية.
س8- معروف عن حازم كمال الدين إعادة الكتابة مراراً، وتطوير نص، حتى لتبدو الكتابة عندك عملا ممتداً لا ينتهي، ألا تعتقد أن النص عندما يخرج من المطبعة سيكون قد خرج عن سلطة الكاتب وأصبح ملكاً للقارئ؟
النص يصبح دائماً ملكاً للقارئ ما أن يخرج من المطبعة إلى السوق أو يضعه الناشر أونلاين، والقارئ الجيد هو من يعيد تأليف النص ويخلق منه حكاية خاصة به. أنا أيضاً أصبح قارئاً للنص المنشور وكبقية القراء لي الحق في أن أخلق حكاية خاصة بي، وهي في هذه الحالة كثيرا ما تصبح نصّا جديدا. الشرط بيني كمنتج أوّل للنص وبين قارئ لم يُنتج النص أوّلاً هو أن القارئ لا يحقّ له أن يسرق نصّي. (سرقة نصّي) هو حق أصيل لي فقط، وأنا إذ (أسرق نصي) إنما أعيد كتابته ليصبح نصاً جديداً لا تكراراً للنص السابق. في المسرح يحدث كثيراً أن يعيد المؤلف/المخرج كتابة نصه المسرحي تماشياً مع ظروف كتابة جديدة.
وإعادة الكتابة عندي لها علاقة بخلفيتي المسرحية هذه. كمسرحي أنا أعيد تأليف البروفة (نص، ارتجال، فضاء، موسيقى.. إلخ) كل يوم وصولاً إلى العرض المسرحي. وبعد كل ليلة عرض أعيد تقييم العرض وأعيد كتابة أجزاء منه للعرض التالي، وحينما أنتج ذات النص مع فرقة أخرى أعيد تأليفه جذرياً وفقاً للمعطيات والظروف الجديدة: ممثل جديد، سينوغراف جديد، دراماتورغ جديد، مشاهد جديد. أنا أصغي للجميع وأؤمن أن العمل يُخلَقُ في بيئة عضوية وظروف محددة وهو ليس تكراراً لما أنتجته سابقا.
هذا هو السبب في أني أتجنّب قراءة نصوصي المنشورة، أنا أخاف من إعادة كتابة النص رغم أني أفعل ذلك.
س9- تعيد حالياً نشر معظم أعمالك إلكترونياً ما رأيك بموضوع النشر الرقمي، هل تعتقد أنها ستأخذ فرصتها بالقراءة والوصول للقارئ بطريقة أفضل، بسبب مشاكل النشر والتوزيع في العالم العربي، وهل فكرت بموضوع الاستغناء عن النشر التقليدي الورقي، والاتجاه للنشر الإلكتروني فقط في أعمالك المستقبلية؟
الاتجاه إلى النشر الإلكتروني ليس متعلقاً بدور النشر التي تعاني بدورها من مشكلة التوزيع والانتشار، فالبلاد التي تُذبح فيها الحرية يموت فيها الكتاب! هل يُعقل أن يطبع ناشر ما 1000 نسخة من كتاب ما ويبقى يتنقل به من معرض كتاب إلى آخر سنة تلو أخرى دون أن ينفذ في وطن عربي يقطنه حوالي 400 مليون نسمة؟!! نعم، هذا يحدث في المنطقة العربية!
موضوع النشر الإلكتروني له علاقة أساساً بتطور طبيعي لعالمنا المعاصر. ما قبل التدوين كانت ثقافتنا شفاهية، وعندما ظهر عصر التدوين ببطء تحولنا إلى ثقافة المنشور الملموس (نقش على طين، على خشب على حجر على معدن، حتى عصر المصريين الذين استخدموا لحاء نبات البردي الذي تبعه ظهور ورق السيليلوز)، وحينما انتقلنا إلى مرحلة جديدة في عصرنا الحالي أصبح الانترنت فضاء أوسع من الكتاب والمجلة، ذلك أنه يضم كافة أشكال المدوّنات اللغوية والبصرية والسمعية.
شخصياً ألاحظ أن مستوى كتابتي على الورق أصبحت ضعيفة، أعني أن قوة خطي أثناء الكتابة في تراجع. أبنائي بعضهم لم يعد يكتب على ورق وبعضهم لا يكتب على ورق. إن مستوى استهلاك الورق في البيت في تراجع مستمر. المرة الأخيرة التي اشتريت فيها حزمة ورق من 500 ورقة A4 كانت قبل سنتين، أما الدفاتر فقد نسيت متى اشتريت واحد آخر مرّة. على صعيد الاستغناء عن النشر الورقي فأظن أن الوقت مبكر على هذا. أنا أحاول أن أتماشى مع العصر.