[jnews_post_author ]
صار من المتفق عليه لدى العقل المتقدم تاريخياً بأن الاختلاف ماهية الحياة البشرية، والاعتراف بحق الاختلاف والتعبير عنه، أس الحرية الإنسانية.
وباستطاعتنا القول بكل اطمئنان بأن الاعتراف بالاختلاف والحق بالتعبير عن الاختلاف أحد أهم معايير روح الحضارة المعاصره، والانتماء إليها،وكل مجتمع يقع خارج هذا المعيار مجتمع متخلف تاريخياً، ويحول الاختلاف إلى سبب لصراعات دامية.
وكل سلطة،أي سلطة،سياسية كانت أم دينية،اجتماعية أم أيديولوجية ،تدعي امتلاك الحقيقة، وتحمل الناس على تصديق هذه الحقيقة،هي سلطة طاغية معادية للإنسان وحقه.
والاعتراف بالاختلاف يعني اعتراف المختلفين بالحوار، فلا يكون هناك حوار إلا إذا كان هناك اختلاف.
ما كان لنا أن نؤكد هذا الذي يبدو بديهياً إلا لأننا نحن العرب ما زلنا دون هذا المستوى من التفكير، ونتوسل العنف العملي واللفظي لحل اختلافنا حول الحياة والمصير.
هناك عقلان معاديان بشكل مطلق للاختلاف وهما:العقل النكوصي والعقل الساكن .
ينتمي العقل النكوصي إلى وعي زائف بحركة التاريخ، وعي لديه ثقة باستعادة ما تقدم عليه الزمن وماتت شروط ولادته إلى غير رجعة، في وعي كهذا ينام المستقبل في الماضي وما على الإرادة النكوصية إلا إيقافه ليغدو حاضرا.ونحن نشهد اليوم انبعاث العقل النكوصي بطريقة لم تخطر على بال روح التاريخ.فالحركات العنفية الشيعية كأحزاب الله وأنوار الله والخلافة والنظرة وما شابه ذلك في بلدان كثيرة لديها ثقة مطلقة بأنها قادرة على استعادة الماضي.وهم صم عن نداءات التاريخ.
أما العقل الساكن فهو لا يختلف كثيراً عن العقل النكوصي. لأنه هو الآخر ينفي المستقبل الحقيقي، الموجود في الآتي الجديد، ويظن آثماً بأن سلطته الدكتاتورية لا تجري عليها نواميس التغير والتحول والتبدل، إنه عقل مصاب بداء الصمم التاريخي الذي لا يسمع صرخة التاريخ التي صاغها الوعي الشعبي :بقاء الحال من المحال.
إن قوة العقل السكن العنفية العسكرتارية والأمنية والميليشاوية قادرة على إطالة زمن السكون، ولكنها تفضي إلى انحطاط كلي مجتمعي، لا يبقي ولا يذر حين انفجاره.
يرفع العقل النكوصي والعقل الساكن في وجه عقل التغير والسيرورة والعصر شعار الخصوصية التي يتحجج بها لرفض أي مطالبة بالتغيير، وهو يعلم بأن الخصوصية التي يتبجح بها ليست سوى حجة أيديولوجية زائفة.
وكلما كان العقل الساكن هزلياً وكوميدياً كانت نتائج انهياره مأسوية، ولكنها سمة من سمات المسخرة التاريخية.
يظن العقل النكوصي والعقل الساكن بأنهما بتسلحهما بالأيدي بالأيديولوجات ذات الشعارات الأخيرة لدى الجمهور قادران على الانتصار على منطق التاريخ والحياة.هذا الوعي الزائف يلغي أي نوع من أنواع الحوار، لأنه وعي لا يعترف بالأصل بالآخر المختلف.
ومن الأخطاء التاريخية التي يقع فيها العقل الطليق، عقل الحياة ومنطقها، عقل التجديد وصناعة المستقبل، خطأ الاعتقاد بأن العقل النكوصي والعقل الساكن قابلان للمناقشة والحوار، مع أن النقاش هنا نقاش عقيم.
و لا تعود أسباب المناقشات العقيمة بين العقل الناقص والعقل الساكن والعقل الناهض والعلمي والمنطقي إلى عقول مختلفة في زوايا الرؤيا إلى شأن من الشؤون الواقعية أو النظرية، بل إلى اختلاف في مستويات التفكير المرتبطة بالمعرفة والمستقبل .
ولهذا فإن أحد أشكال العبث الكوميدية حوار يقوم بين عقل خالٍ من التفكير، خال من المفاهيم النظرية الضرورية للفهم وعقل يستخدم عدة مفاهيم لا يمكن بدونها فض الظاهرة، من العبث أن يدور نقاش بين عقل لا يعترف بسلطة الواقع والتجربة التاريخية المنطق من جهة، وعقل مسلح بروح التاريخ وسيرورته ومنطقه.
وهيهات لعقل أدمن قتل الآخر ونفيه، لعقل لم يعترف بالاختلاف وحق التعبير عن الاختلاف أن يكون طرفاً في حوار أو نقاش ، لأن الاعتراف المتبادل شرط ضروري لأي حوار.
——————————————————
أحمد برقاوي