أحمد الخليل – الناس نيوز ::
في عام 1986 نصبت دورية للأمن السياسي كمينا لأحد الأصدقاء الملاحقين من حزب العمل الشيوعي في الغرفة التي كان يستأجرها في حي التضامن، وللمصادفة شعر صديقنا حين عودته بحركة مريبة في البيت، فركض هاربا ولحق به عناصر الأمن وهم يصرخون حرامي حرامي أمسكوه، بينما هو يصرخ (مو حرامي موحرامي شيوعي شيوعي)! فلحق به مجموعة شبان كانوا يقفون في الشارع، وألقوا القبض على الصديق وسلموه للعناصر، أحدهم خاطب الدورية: ما بدكم تعطونا أجرتنا.. نحن ساعدناكم على الأقل سندويشة فلافل؟! أحد العناصر صرخ بهم (انقلعوا من هون يا بغال).. فرد الشاب: الحق علينا اللي مسكناه وسلمناه لكم.
تذكرت هذه الحادثة وأنا أتابع صرخات الموالين الاحتجاجية بعد أن عضهم الجوع، وانعدمت كل سبل الحياة في الداخل السوري، وخاصة المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، فالموالون الذين قدموا للنظام أبناءهم وكل ما يملكونه دفاعا عنه وعن بقائه، وجدوا أنفسهم معلقين في الهواء جوعى، وبدون كهرباء أو ماء أو خبز، ورواتبهم بالكاد تغطي نفقات الخبز المقنن كما كل المواد التموينية الأخرى على البطاقة الذكية.
والموالي رغم ذلك يصب جام غضبه على الحكومة ومجلس الشعب، ونادرا ما يتجرأ شخص منهم ويوجه اتهامه لما وصل إليه الحال إلى الرئيس وعائلته وحاشيته الصلبة، فالموالون وخاصة الحاضة الاجتماعية للنظام مازالت الأيديولوجية التي كرستها عائلة الأسد في أذهانهم، والمناقضة لوضعهم الاقتصادي تحيل أسباب الكارثة إلى عوامل خارجية والى الانتفاضة التي قام بها الشعب السوري ضد الاستبداد، فهناك ما يشبه وحدة مصير بين العائلة الحاكمة وجمهورها المغلوب على أمره الذي يتحمل كل هذا الذل لكي لا يحدث ما يتخيله أو ما يتوهمه كل موالي )فإن ذهبت هذه العائلة فالموت بانتظاره)!! هذه القناعة الراسخة في ذهن الموالي اشتغل عليها حافظ الأسد زمنا طويلا، مستثمرا بالمظلومية الطائفية والفقر المدقع والعزلة في المناطق الوعرة التي عاش بها قسم من الشعب السوري، ومن خلال اللعب بالامتيازات وجعل التقرب من النظام امتيازا كبيرا يتطلب جهدا كبيرا للحصول عليه، مترافقا هذا مع تعيميم الخوف والرعب على كل فئات الشعب، فحتى الموالي وصاحب الحظوة لدى السلطة يعيش تحت مظلة الخوف منها!
وظاهرة الاحتجاج التي نتابعها حاليا على السوشال ميديا والتي يقوم بها بعض الموالين، هي نتيجة خيبة أمل من السلطة الحاكمة وليست احتجاجا أصيلا هدفه الكرامة والعدل والحرية وسيادة القانون، فالموالي يريد ثمن وقوفه مع النظام ضد (أعداء الوطن)، فهو غير مهتم أصلا بمصير كل الضحايا في سوريا خلال أكثر من عقد لأنه أساسا هو طرف بمعادلة الصراع التي أودت بحياة مئات الألوف من الشعب سوريا قتلا ودمارا واعتقالا وتهجيرا ومنافيا.
لذلك تفاجأ الموالي بتعامل النظام وهو الذي وقف معه ودافع عنه بشراسة! فكيف يجوع ويبرد ويُذل في الحواجز وتُهان كرامته وهو ينتظر رسالة الخبز، فلم يكن يتوقع أن يكون ثمنه بخس لهذه الدرجة! فهل يعقل بعد مشاركته بكل هذه الجرائم أن يكون مصيره الوقوف لساعات في طوابير الخبز وفي الكازيات والتعرض للإهانة على حواجز النظام مثله مثل (أعداء الوطن والسيد الرئيس) الذي حاربهم وقتلهم في سنوات الاحتجاج الأولى، لا بل وتشفى بهم ورقص على جثثهم!!
غالبا لايصدق الموالي أن السيد الرئيس ينظر له كعبد وكجلاد استخدمته السلطة أداة لقتل جيرانه وأبناء جلدته، لذلك ينصب احتجاجه وصراخه على الوزراء ومجلس الشعب، متوهما أنهم خانوا ثقة الرئيس وجوعوا الشعب ونهبوه، لا بل ويستغرب كيف تعتقل أجهزة أمن النظام بعض الموالين الأوفياء ممن صرخ عاليا ولامس برومانسية الخطوط الحمر! وبعض الموالين ينصب لومه الشديد على سيدة الياسمين أسماء الأسد التي تسيطر على الاقتصاد من خلال أذرعها الأخطبوطية، وتستولي على كل ثروات البلد، فقط لكي يبرئ ساحة (الغالي ابن الغالي) من مسؤوليته عن الوضع الكارثي الذي وضع سوريا به هو وعائلته ودائرته الضيقة!!
إن لسان حال الموالي يقول: التعويض الذي حصلنا عليه من دفاعنا عن النظام بالكاد يسد الرمق، ويذكّر بعضهم القيادة الحكيمة ماذا فعلوا وقدموا لسيد الوطن، فالسيدة لمى عباس التي أصبحت تريندا في الأيام الأخيرة تتضمن صفحتها فخرها واعتزازها بضرب الفنانة مي سكاف (أنا اللي ضربت الفاطسة مي سكاف قرب جدار جامع الحسن)، فهل يعقل أن تكون مكافأتها إرسال دورية لاعتقالها (بغض النظر إن كان الأمر تمثيلية أم لا)، فقط لأنها طالبت بثمن يتناسب مع وقفتها بجانب النظام!!
وحتى برهوم الذي ساند السيدة عباس بقوة وحذر أي شخص من الاقتراب منها، سبق له وأن وصف محتجي محافظ السويداء بالخونة وعملاء اسرائيل لأنهم نزلوا إلى الشارع وأحرقوا مبنى المحافظة مرددا القول المعروف (ما هكذا تورد الإبل).
إذا اختلاف الموالي مع النظام هو خلاف على الثمن، وليس على الخلاف على وجود النظام أو رحيله، هو احتجاج هدفه رفع السعر قدر الإمكان واجبار النظام على الاعتراف بفضل حاضنته الاجتماعية ومساهمتها في بقاء السلطة بيد عائلة الأسد، خاصة وأن أغلب تيارات المعارضة استخدمت نفس خطاب وسياسة النظام وأدواته وأغلقت أي منفذ لخلخلة حاضنة النظام، وانفكاكها عنه، فكان أن التصق الموالون بالنظام أكثر فأكثر، فأصبحوا أسرى عنده متماهين فيه، وكرباجه الذي لا يتعب ولا يمل من جلد ضحايا.
وبعد كل هذا يجيبهم النظام بلسان واحد من أعتى شبيحته (وسيم الأسد) مطالبا إياهم بالصمت، وعدم الاقتراب من رموز الوطن مع تهديد ووعيد مبطن لكل من تسول له نفسه من الموالين الصراخ من شدة الجوع أو الإساءة لسادة الوطن.
ورغم ذلك نتساءل هل يمكن أن تتسع دائرة احتجاج الموالين والتنصل من ماضيهم الإجرامي؟ وهل يمكن استثمار حذر النظام من قمع حاضنته لكسر هذا (الحلف المقدس) بين النظام ومواليه، وتسريع إيجاد حل سياسي بحسب قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار مجلس الأمن 2254 ينقذ ما تبقى من البلد ومن الشعب؟!!