غزة وكالات – الناس نيوز ::
تجثو خلود جربوع على ركبتيها لتبحث بين مجموعة ملابس شتوية مستعملة معروضة على الأرض، عن قطع لأطفالها الثلاثة الذين نزحوا قبل أكثر من شهر من غزة مرتدين قمصانا وسراويل قصيرة، بينما تتدنى الحرارة مع قدوم فصل الشتاء.
تقول خلود البالغة 29 عاما لوكالة فرانس برس “نزحت مع أطفالي وعائلتي. عشرون شخصا من حي الصبرة شرق مدينة غزة منذ أكثر من شهر” موضحة “لا نملك أي ملابس والجو بارد، أبحث لهم عن ملابس شتوية”.
شنّت حماس هجوما غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية على أراض إسرائيلية في 7 تشرين الأول/أكتوبر أوقع 1200 قتيل معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول للهجوم بغالبيتهم، حسب السلطات الإسرائيلية.
كذلك، خطفت حماس نحو 240 شخصا بينهم أجانب نقلتهم إلى القطاع، حسب المصدر ذاته.
ردّاً على ذلك، توعدت إسرائيل حركة حماس بـ”القضاء” عليها. ومذاك تقصف قطاع غزة بلا هوادة وتفرض عليه “حصاراً مطبقاً”، وبدأت عمليات برية اعتبارا من 27 تشرين الأول/أكتوبر. وأدى القصف إلى مقتل أكثر من 11500 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم آلاف الأطفال، حسب وزارة الصحة التابعة لحماس.
ووضعت الملابس الشتوية المستعملة على الأرض أمام مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين(اونروا) في مدينة رفح. وتباع القطعة بشيكل واحد (0,27 سنتا للدولار).
وتفرض إسرائيل أساسا حصارا بريا وبحريا وجويا على القطاع منذ تولي حماس السلطة فيه عام 2007.
وكانت الأمم المتحدة قدرت في عام 2022، أن الحصار المفروض على القطاع “افرغ اقتصاد غزة، مما جعل 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الدولية”. وكانت معدلات البطالة بلغت 45% في القطاع.
– دون غسيل –
والآن، مع نقص مياه الشرب والمواد الغذائية والأدوية، واضطرار السكان إلى النزوح، تفاقم الفقر.
وتقول خلود “هذه أول مرة اشتري فيها ملابس مستعملة. لا أقول إننا اغنياء، لكن في العادة أقوم بشراء القطعة بعشرة شيكل. لكن ليس أمامي خيار الآن. ابنائي يعانون من السعال بسبب تغير الجو”.
وتوضح “الملابس متسخة وبالتأكيد فيها جراثيم. لا يوجد مياه للاستحمام ولا للغسيل. وسأجعلهم يرتدونها كما هي” مشيرة “حتى لو كانت نظيفة كانت ستتسخ من نومنا على الأرض في المدرسة. الوضع قاس للغاية”.
ويتجول مئات من الفلسطينيين في الشارع الرئيسي في رفح بين المحلات التجارية وعشرات من باعة الملابس بحثا عن ملابس شتوية مع انخفاض درجات الحرارة خصوصا خلال الليل.
ويصف وليد صبح (31 عاما) الأب ل13 طفلا والذي كان يعمل مزارعا أنه لا يملك أي اموال لشراء الملابس. ويخرج الرجل كل صباح من المدرسة التابعة لوكالة الأونروا التي نزح إليها.
ويؤكد أمام محل لملابس الأطفال “انظر إلى الناس بحسرة وقهر. أنا غير قادر على النظر لأطفال جائعين ويرتدون ملابس صيفية. أنا لا اعرف ماذا أفعل لهم”.
ويؤكد وليد “نعيش في ذل. قاموا بتهجيرنا (اسرائيل) وقتلنا بدم بارد. فلو لم نمت من القصف، سنموت من الجوع والعطش والبرد والأمراض”.
ويروي الرجل أنه اضطر لترك منزله من شدة القصف، موضحا “لم نحضر سوى بطانيات معنا إلا أن جنود الاحتلال أمرونا برميها على شارع صلاح الدين (الذي يربط شمال قطاع غزة بجنوبه) وأمرونا برفع أيدينا في الهواء”.
وحصل أطفاله على ملابس مستعملة بعدما أحضرها أشخاص لهم مؤكدا “بالكاد حصل بعض أطفالي على قطعة ملابس شتوية”.
– بداية الشتاء-
وبالنسبة لعادل حرز الله الذي يملك متجرا لبيع ملابس الأطفال فإنه “لم يتبق أي ملابس نوم شتوية” مؤكدا لوكالة فرانس برس “يومان على الأكثر ولن يبق أي شيء”.
ويضيف “الحرب بدأت في بداية موسم الشتاء، جميع التجار كانوا ينتظرون وصول ملابس الشتاء عبر المعابر. وهي الآن متكدسة في الموانئ ولا يمكن ادخالها بسبب الحرب”.
ويقول حرز الله “نزح الناس من الشمال إلى الجنوب بملابس صيفية ويأتون للبحث عن ملابس شتوية. كل البضائع الموجودة في المحل كانت في المخازن مما تبقى من بضاعة العام الماضي”.
وغادرت سيدة المتجر وهي تتذمر قائلة “سبعون شيكل للسترة؟ من أين سنحضر هذا المبلغ لخمسة أطفال؟ ما يحدث هو ظلم”.
وفي محل آخر، وقف الأب لأربعة أطفال عبد الناصر أبو دية (27 عاما) قائلا “جئت مع صديق لي، لا أملك ثمن الخبز حتى اقدر على شراء ملابس”.
ويقول الرجل الذي عمل مزارعا في بيت لاهيا واضطر للنزوح مع خمسين فردا من عائلته جنوبا “بقينا بنفس الملابس لمدة 25 يوما على الأقل، الملابس غالية ولا يوجد معنا نقود لنشتريها”.
ويتابع “أصبح الجو باردا مؤخرا. وقام فاعل خير باحضار بزة رياضية لي ولأبنائي، وها نحن نرتديها منذ أكثر من أسبوع، لا يوجد غيار بديل ولا يمكننا الاستحمام أصلا أو غسل الملابس”.
يعمل محمد زعرب (35 عاما) في محل لبيع ملابس الرجال ويقول “ما نراه من أوضاع مأسوية لا يستوعبه العقل”.
ويتابع “نحاول تخفيف هامش الربح بأقصى درجة حتى نساعد الناس. وصاحب المحل يقوم في كثير من الاحيان بإعطاء بعض المواطنين الملابس من دون مقابل”.
ويؤكد زعرب “أنا أيضا مواطن وأعاني وأشعر بمعاناة غيري. تدخل غغلبية الناس إلى المحل وتسمع الأسعار ولا تستطيع الشراء. أشعر بالحسرة والقهر”.