أنور عمران – الناس نيوز ::
أغْلَقوا المصابيح والكاميرات.. أغْلقوا الأغاني القديمةَ والجديدة، والعهدَ القديم والجديد، وذهبوا مع بنادقهم وحرابهم الطويلة إلى الصيد..، لا أشجارَ يختبئ الهنود الحمر خلفها.. لا معاهدات تقيهم من الرصاص، ولا كلمات تواسي سيل الجنازات، فهذا العالم أثقل من فراشة، وأضيق من كنايةٍ تحاول أن تَسترَ فضيحةً واضحة .. .. ..
أغلقوا الضمائرَ وذهبوا إلى الصيد .. لا أحد سيراقب الأمهات الوحيدات وهن يهدهدن الأسرّة والقبور، ولا الآباء الذين يقطعون طريق الشك والعطش واليقين، وأما الشعراء والروائيون الذين يتمشون في جهة الغروب، فقد خافوا أن يسمع المترجمون عواطفهم، ولذا ظلوا ساكنين وباسمين مثل الكلاب الأليفة، …
وحتى زعيم السكان الأصليين قبض ثمن أرواح أولاد قبيلته من كل جهات الأرض، وقسّم حقول قبيلته بين كسرى وقيصر، ثم نام هو وأولاده في فندق بعيد، وقال للتلفاز : اطمئنوا نحن بخير…!
….
كم مرةً علينا أن نزعج العالم بوجودنا؟
كم مرةً عليهم أن يقتلوا السكان الأصليين كي يبنوا مكان منازلهم تماثيلَ للحرية؟
وكم مرة عليهم أن يُنظِّفوا العالم من أناشيدنا المُرعبة ومن أفكارنا الغريبة، حتى أنهم قد يضطرون آسفين لأن يُعدّلوا البند الثالث من اتفاقية حقوق الإنسان كي نموت وفق القانون الجديد المُقترح ….
قطعوا الطرقاتِ والرسائلَ كي لا يكتب أخٌ لأخيه: أنا معك..
وغداً صباحاً، عندما تهدأ الطائرات والدموع، سنفهم أنهم سرقوا البوصلة، وكسروا الإبرة التي تشير إلى شمال القلب…
غدا سيتسنى لنا أن نكتب الروايات والقصائد عن ألعاب الاطفال العالقة تحت الردم، وعن الأغاني العاطفية العالقة بالحناجر…
وغدا سنمسح آثار الدماء عن الشاشات، كي نشاهد الحلقة الأخيرة من الوثائقي الذي يتحدث عن إنسانية البلاد التي تصنع الطائرات، وتصنع القنابل والأجهزة التي تقيس منسوب تعاطفنا مع الضحايا،…
وغدا عندما تسمح لنا حرية الرأي الغربية أن نعبر عن رأينا بحرية… سنعترف:
رأينا الوحوش،
وكان بودنا أن نُسمّيهم بأسمائهم، لكننا لم نجرؤ …
وكان بودنا أن نكون بشرا، ولكننا لم نجرؤ…