سلوى زكزك – الناس نيوز ::
يتناقل الإعلام أخبار عمليات التجميل وكلفتها العالية ومسمياتها القديمة والحديثة، وإجراءاتها الطبية المستجدة، وكأنها حكر على النساء فقط.
لكن الحقيقة تخالف هذه الوقائع بشدة ، على الأقل في سورية هذه الايام ، وقد تصل نسبة لجوء الرجال لإجراء عمليات التجميل لنسبة الخمس مقابل عدد النساء، وقد تكون النسبة أكبر من ذلك بقليل.
وإن تغيرت المسميات والإجراءات الطبية المتبعة لإتمام هذه العمليات، إضافة إلى السرية شبه المطلقة في الإعلان عن هذه العمليات للرجال والشباب، تتغير أيضاً طبيعة وعروض المراكز المختصة بذلك، ما بين عيادات طبية مختصة، أو في المستشفيات، وما بين مراكز تجميل مرخصة لمختصين بالتجميل من غير الأطباء، كما أن الاختلاف بنوع العمليات وطبيعتها مردود إلى طبيعة الرجال الجسمانية، وعن أهدافهم المرجوة من إجراء هذه العمليات ، في بلد انهكته الحرب .
فلو جزمنا بأن عمليات شد الوجه وجراحة الذقن المزدوج وحقن الشفاه والفم هي العمليات الأكثر طلبا عند النساء، فإن عملية زرع الشعر وخاصة في الرأس وعملية تجميل الأنف وتحديد الذقن وتصغير الأثداء هي العمليات الأكثر عدداً التي يجريها الرجال، عدا عن الجراحة التجميلية للأعضاء التناسلية والتي تحتاج لبحث خاص يتعلق أولا بشفافية المعلومات وحقيقة الاحتياج.
يلجأ الرجال إلى عمليات إزالة الوشوم جراحياً، إما بسبب انخراطهم في الجيش أو بسبب تغيير اسم المحبوبة.
ويلجأ الكثير من الشباب الى نقش الوشوم على أجسادهم، وغالباً ما تكون بارزة وداكنة، وفي أماكن ذات دلالة مثل الساعدين أو قرب القلب أو على الرقبة، تتنوع الوشوم الذكورية ما بين عبارات ورسوم تؤكد على قوة الشاب الموشوم أو حكمة معينة ذات بعد أخلاقي إلى اسم المحبوبة، أو على الأقل الحرف الأول من اسمها، وقد يلجأ أحدهم وفي حالات نادرة إلى نقش اسم صديقه الحميم ، وبعض الأمثلة من النقوش جملة تقول ضيعت عمري في حبك يا عبير .
وبعد تعرضه لمحاولات تحرش واضحة وعمليات تهديد من العائلة والمحيط الاجتماعي بعد قراءة نص هذا الوشم والذي يشير إلى هوية المحبوبة هي شاب أيضاً، اضطر الشاب علي إلى اللجوء إلى عيادة أحد أطباء الجراحة التجميلية لإزالة هذا الوشم.
وإن كانت عمليات الوشم تعتبر فعلاً جمالياً أو تزيينياً خالصاً لا ينتمي إلى التوصيف الطبي، لكن إزالة الوشم هو عملية طبية جراحية حكماً وتستلزم طبيباً ومركزاً مختصين بذلك.
في مجتمع تخشى أو تحجم فيه الشابات عن وشم أجسادهن باسم المحبوب، لأسباب معروفة تمنع النساء بسببها ليس فقط من ذكر اسم الحبيب، بل تمنع من إعلان الحب والالتزام علناً باسم رجل، لم ترتبط به ضمن إطار ومباركة العائلة، لا تضطر النساء عامة لإزالة الوشم، لأنه إجراء حاصل على رضى المجتمع سلفاً، قد تزيد النساء من عدد الوشوم لكنها لا تزيلها، وغالباً ما تلجأ النساء لاستخدام الستيكرات اللاصقة لإجراء بعض أنواع الوشوم القابلة للإزالة بمجرد الغسل، بينما يعتبر الكثير من الشباب والرجال أن نقش اسم المحبوبة بصورة بارزة وعلنية هو شكل من أشكال الوفاء والالتزام والحب، وأن زيادة عدد الوشوم سيلفت نظر وإعجاب الجنس الآخر، كما قد يوحي بالقوة والصلابة.
عمليات التجميل للرجال في سوريا تتم بسرية تامة .
وإن ارتبطت عمليات العناية بالبشرة بالتاريخ القديم وخاصة في محال الحلاقين، إلا أن عدد الرجال الراغبين بالعناية قد ارتفع الآن بصورة واسعة ورافقها اللجوء الى تقنية (الميزو) وهي تقنية الحقن بفيتامينات مثل الفيتامين C إضافة إلى مواد لها خصائص معينة لتفتيح البشرة مثلا، أو لتحريض خلايا الجلد على النمو لملء الفراغات، أو شد الترهلات التي تطرأ على الجلد نتيجة التقدم في العمر، أو لاحقاً بعد إجراء عملية لقص المعدة تتسبب في نحول شديد وتغير واضح في تضاريس الوجه وخاصة البشرة.
تروي الدكتورة ليلى قصة قاسية حصلت معها في المركز التجميلي الذي تعمل به في سورية مؤخرا : جاءني ذات يوم مريض أو مراجع يطلب إجراء عملية حقن لتفتيح بشرة وجهه، لكنه أردف وبأسلوب مبتذل كما قالت: وأريد إجراء نفس عملية التفتيح للمنطقة التناسلية! وقعت الطبيبة في حرج كبير واعتبرت أن ما يطلبه المراجع غير منطقي، خاصة أنه ساومها على إجراء العمليتين معاً أو لا شيء، طبعاً لم توافق حينها على إجراء ما يطلبه الرجل، لأنها اعتبرت ذلك الشخص متحرشاً، أو أنه كمن يطلب خدمة جنسية بصورة غير مباشرة، ومازالت حتى الآن خائفة من أن يعرف صاحب المركز برفضها لتنفيذ هذا الإجراء، ما يعني مسؤوليتها المباشرة عن إلحاق خسارة لصاحب المركز.
ويقول الطبيب جاسم بأن الكثير من مراجعي عيادته يطلبون حقن وجوههم بالبوتوكس لإخفاء التجاعيد، خاصة إذا ما كانت مهنة طالب هذا الإجراء تتطلب حضوراً مباشراً وخاصاً بين الناس، مثل الممثلين ومدربي الرياضة أو الرقص.
الرجل لا يعيبه شيء !!
تقول إحدى السيدات بأن زوجها بات مدمناً على عمليات حقن وجهه بالمواد المالئة، خاصة وأنه يعمل كصاحب شركة للإعلانات.
ويقارن الطبيب المذكور ما بين عمليات التجميل في أوروبا وسوريا، ويركز على أن شركات التأمين في أوروبا تغطي بعض عمليات التجميل مثل تجميل الأنف، وخاصة في حالة انحراف الوتيرة وزيادة أو سماكة غضاريف الأنف أو الأذن، إضافة إلى عمليات قص الأجفان لأنها قد تعيق الرؤيا، بالإضافة إلى عمليات تصحيح الأذن وتصغير الثدي إذا ما كانت لأسباب صحية، كما أنه أشار إلى وجود إحصائيات دقيقة في أوروبا بينما وفي سوريا يتم التعامل مع عمليات التجميل للرجال بصورة شبه سرية، لأن المزاج العام يتعامل معها بسخرية على أساس أن الرجل لا يعيبه شيئ، وبالتالي فكل عمليات التجميل لا تنتمي لعالم الرجولة أبداً.
أما الطبيبة صفاء فتقول بأن الرجال باتوا يتوجهون بصورة كبيرة نحو عمليات التجميل، مثل حقن الشفاه لنفخها عبر حقن (الفيلر)، ولكن بسماكة أقل من سماكة الشفاه التي تطلبها النساء، كما أن عدداً لا بأس به من الشباب يطلبون إجراء عملية تجميلية تدعى (تكساس) وهي تعني عملية نحت الذقن أو تحديد شكل محدد للذقن، كما أنهم يلجؤون إلى حقن خطوط الضحك بالفيلر لتمويه العمر الحقيقي للبشرة أو لصاحبها … خاصة إذا كانت مهنهم مرتبطة بالحضور العام مثل الفنانين أو الرياضيين أو المدراء الفنيين أو أصحاب الشركات الخاصة ، أو مهن أخرى ، كما أشارت إلى أن بعض الرياضيين يلجؤون لعمليات شد البطن وبعض الشباب يلجؤون لعمليات شد الذراعين بعد برنامج حمية قاس لتخفيف الوزن ، هذا كله يحدث في بلد يحتاج فيها الناس لقمة الخبز … .
يغدو سؤال الكلفة سؤالا حيوياً يفرض نفسه، حول كلفة عمليات التجميل خاصة عند الرجال، في ظل تدهور معيشي حاد وانخفاض كبير بمستوى الدخل.
لكن وببساطة ، يبدو تزايد لجوء الرجال إلى إجراء العمليات التجميلية والتوجه نحو مراكز التجميل وكأنه جزء إضافي للهوية، هوية الشكل العام والرضى عنه، وهوية المهنة التي تتطلب الاهتمام وفرط العناية بالمظهر، فتغدو الكلفة مهما كانت باهظة ومتناقضة مع حالة الكساد العامة، وكأنها جزء من مشروع استثماري، لن يحقق أرباحه مالم نقدم له مسبقاً المال والجرأة.
إن ازدياد اقبال الرجال في سوريا إلى مراكز وعيادات التجميل يشكل نقلة جديدة وبارزة، لم تحز حتى الآن قبولاً مجتمعياً كاملاً، لكنها تبدل يفرض نفسه، والأهم أن لا يكون حلقة بائسة في حلقات تسليع كل تفاصيل الحياة بما فيها الهوية الجسدية والبصرية للرجال والنساء والمجتمع بأكمله.
ملاحظة : الاسماء الواردة في المادة افتراضية .