ميشيل سيروب – الناس نيوز
الرواية عن أجيال تتوارث الأرض وتتقاسم شغف المدينة ومعاناتها. يُصيغ عادل عصمت وصايا جديدة على وقع هموم الريف المصري من ثلاثينيات القرن المنصرم، مروراً بعهد الثورة إلى حكم السادات ثُمّ مُبارك، ألم يكن النبي موسى صاحب الوصايا العشر مصرياً بدوره؟ تتجسد الواقعية في رواية عصمت بموضوعية الأحداث دون تجميل، وتتسلسل الحكايا وكأنها مرآة للمجتمع والصراعات العائلية، والتي تبدو واقعية للقارئ في ريف طنطا، وكأن الشخصيات وتلك العوالم هي عن سيرة الراوي وعائلته. الوقائع والتواريخ كمحطات في السرد الروائي تُثمر في ثنايا الوصايا العشر التي يُلقنها الجد لحفيده، وهي حِكَم تُعيد لأذهاننا صراع الإنسان مع أخيه الإنسان في الخلافات العائلية بشكل عام. تراجيديا العائلة تبدأ باِنهيار العائلة ثُمّ باِزدهارها على وقع توزيع الأرض وتلاشيها من جديد بعد أن تتفتت الملكية الزراعية في مصر الحديثة. هُناك، كانت الدار والأرض أغلى مافي الحياة. الرواية بحث في تاريخ الأسرة المصرية على وقع الوصية الأولى “خلاصُكَ في مشقتِك” ص21 . تُحيلنا الوصية إلى سيزيف الأسطورة اليونانية: رمز العذاب الأبدي في سعيه الدائم نحو الانتقال في عالم غامض وغير مفهوم. الحدث ليس جديداً في عالم الرواية المصرية وصراع الأجيال، فقد تم تداول هذا الموضوع عشرات المرات من كبار الرواة والسينمائيين المصريين كخيري الشلبي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والمخرج السينمائي العالمي يوسف شاهين وسواهم، لكن رحلة الروائي عادل عصمت وبلغة رشيقة وحوار ذي طابع ريفي، يُضيف جمالية على الشخصيات والأماكن لم نعهدها في روايات وأفلام سينمائية سابقة. الرواية عن أسرة تُعاني من مشاق الحياة، عن تعنيف المرأة في الريف المصري، وعن صراعات النساء وانهيار العائلة، فالأسرة السعيدة لا يُكتب عنها. شخصيات العائلة تتفاعل ضمن إطار المدينة والريف، ومتانة العلاقة بين الإنسان والأرض، حضور المرأة طاغٍ إن كان على صعيد العمل أو الجنس، أو المتعة.” الثروة تسلب الروح، مثلها مثل النساء.”ص86.
تُناشد الرواية الأشقاء، في إحدى الوصايا، إلى التخلص من الأحزان لأنها سموم القلب، قبل أن يدب الخلاف بين شخصيات العائلة الواحدة، ويبقى الهم الأول محصوراً ﺑ” الحفاظ على الوجود في العائلة هو الحياة، الخروج منها خيانة”. ص122. والهم الثاني ينحصر بالحفاظ على النساء: إنهُنَّ روح الحياة وعِماد الرجل، البيوت الخالية منهن ناشفة وكئيبة حسب الراوية.
يحثُ الجدُ الحفيدَ، على إيجاد وسيلة لتحمل الألم، وككل العارفين في مجاهيل النفس البشرية، يُفسر الجد جوهر الحياة الذي يتلخص بالمنحة والمحنة، وعن شقاء الإنسان بقلبه وعقله، وليس أمامه إلا طريق وحيد لتَحمُل الألم “فالتفكير للوراء ضروري من أجل الفهم والتعلم، أما الأساس فهو السؤال: ماذا عليَّ أن أفعل”.ص138 . سؤال عن الوجود والبحث عن الذات في ظل اختلاف سُبل الحياة والتفكير والبحث عن الفردوس المفقود.
يرصد الروائي تحولات المجتمع المصري، عائلة عبد الرحمن سليم التقليدية كنموذجاً لأسرة عريقة، على وقع الحداثة التي تغزو ريف طنطا: زواج شباب الأرياف من بنات المدن، عمل المرأة، التعليم خارج دائرة الكُتّاب، كهربة الريف، غزو المذياع كمصدر للأخبار ثُمَّ الطيران الزراعي…إلخ. يستسلم الجد لكل تلك التحولات بعد فواجع عديدة وعصيان من أفراد العائلة ويعمل على توزيع الأرض وهو على قيد الحياة، وهو أمرٌ غير مسبوق في الريف، بإشارة لتفتت العائلة وضياعها، يستنتج الجد بألمٍ بأن” التاريخ عبارة عن ناس تولد وتنجب وتتعب وتموت”.ص264 . وكأنه يختتم حياته بمقولة:”عبثاً يبني البناؤون” …..
——————————————
*الوصايا: صدرت عن دار الكتب خان للنشر في مصر عام 2018-دخلت الرواية في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية(البوكر) لعام2019.
**روائي مصري من مواليد طنطا عام 1959. حائز على جائزة نجيب محفوظ للرواية، وجائزة ساويرس الثقافية للكبار.للكاتب أيضاً: حكايات يوسف تادرس، حياة مستقرة، هاجس موت، الرجل العاري، قرية منسية: ناس وأماكن، وصوت الغراب