بيروت – الناس نيوز
شهد لبنان في أكتوبر 2019 مظاهرات شعبية غير مسبوقة، تضغط باتجاه إسقاط المنظومة السياسية التي حكمت البلد منذ انتهاء الحرب الأهلية في بداية تسعينيات القرن الماضي. وتميزت هذه المظاهرات بأنها شاملة، عابرة للطوائف والمناطق، ومتفاوتة في أعمار المشاركين فيها والطبقات الاجتماعية التي ينحدرون منها.
ويقول الباحث في مركز كارنيغي الأمريكي جوزيف باحوط إن اللبنانيين عاشوا في الأشهر الستة الماضية سلسلةً من الصدمات المتعاقبة. ففي أكتوبر بدا أن المجتمع اللبناني النابض يعبّر عن رغبته في عيش حياة كريمة. كان شبح الانهيار المالي يلوح في الأفق، لا بل كان قد بدأ، لكن الكثير من المتظاهرين نظروا إلى الوضع آنذاك على أنه مخاضٌ لا مفر منه إلى حين ولادة واقع أفضل.
ثم أتى تفشّي فيروس كورونا، ما قذف بالاقتصاد اللبناني المتهاوي أصلاً إلى أشداق الجمود الكامل. وكان ذلك بمثابة إنذار قاسٍ بمدى هشاشة الأوضاع. فحتى لو ظنّ اللبنانيون أن الاقتصاد سيتعافى، سُرعان ما بدا جلياً أن الأمور أكثر تعقيداً بكثير مما توقّعوا. إذاً، شكّل الوباء تجسيداً للمعاناة المتواصلة في بلد غارق حتى أذنيه في لُجج الشلل الاقتصادي.
شكّل الانهيار المالي اللبناني وتفشّي فيروس كورونا، كما يرى باحوط، فرصتين مثاليتين للسياسيين لتحقيق مبتغاهم. فقد أصبحت هموم البلد مجدداً محط سجال مسيَّس بين الأفرقاء أنفسهم: هل على لبنان سداد جزء من ديونه بالعملات الأجنبية (اليوروبوند) أم لا؟ هل ينبغي أن يقرّ البرلمان رسمياً فرض ضوابط على الحسابات المصرفية (المعروفة بـالكابيتال كونترول)، التي أصبحت مفروضة بحكم الأمر الواقع عقب انتفاضة العام الماضي؟ وهل ينبغي إقفال مطار بيروت بشكل كامل أمام الرحلات الوافدة إلى لبنان لمنع انتشار وباء كورونا، أم يجب إعادة فتحه لاستقبال اللبنانيين العالقين في الخارج بسبب الوباء؟ هل ينبغي تحميل حاكم مصرف لبنان مسؤولية الانهيار المالي؟ وكيف ينبغي التصرّف معه؟
في خضم هذه القضايا المتداخلة، تملّك اللبنانيون العجز مرة أخرى، فعادوا إلى حالة اللامبالاة والاستكانة التي كانت سائدة قبل أكتوبر 2019.
ويضيف باحوط أن الحجر والتباعد الاجتماعي غير مناسبين إطلاقاً لمواصلة الانتفاضة الشعبية. حدث أمر ذو دلالة كبيرة: ففي خضم الاضطراب العالمي الراهن، أقدم عناصر يرجّح أنهم من أنصار الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد، على تدمير وإزالة الخيم التي نصبها المتظاهرون منذ تشرين الأول/أكتوبر في وسط بيروت، وقوبِل هذا الفعل بصمت عام.
ويستنتج أنه ما لم يتوصّل اللبنانيون الثائرون إلى طرق مبتكرة لإعادة إحياء شرارة حراكهم في زمن كورونا، وما لم يقدّم الحراك الاحتجاجي إجابات وافية للمسائل التي تشغل بال معظم اللبنانيين، فسيكتشفون في نهاية الحجر الصحي أن معاناة بلادهم المريرة قد آلت إلى موتها.