دمشق – الناس نيوز ::
رغم الانتشار الأمني الكثيف للأجهزة الأمنية التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” التي تفرض سيطرتها على محافظة إدلب السورية، والتي كانت تُعرف في السابق باسم “جبهة النصرة”، ذراع تنظيم “القاعدة” في سوريا، خرج الآلاف في تظاهرات حاشدة مجدداً أمس الجمعة.
وطالب المشاركون في هذه التظاهرات زعيم “الهيئة” أبو محمد الجولاني بالتنحي عن منصبه والإفراج الفوري عن معتقلين سوريين وأجانب أكدت عائلاتهم أنه تمّ احتجازهم لأسباب سياسية، في حين تظاهر مشاركون آخرون لأسبابٍ مختلفة.
“الوضع لا يطاق”
فما قصة هذه الاحتجاجات التي تستمر أسبوعياً منذ شهر مارس الماضي؟
وفي السياق، قال شاب ثلاثيني شارك في احتجاجات أمس إن “الوضع المعيشي في المحافظة لم يعد يطاق، ففرص العمل باتت معدومة والقبضة الأمنية للهيئة في ارتفاع”، لافتاً إلى أن “إدلب وصلت إلى طريقٍ مسدود”.
كما أضاف في حديث مع “العربية.نت” أن “أهالي المنطقة مستاؤون من الهيئة، لاسيما أنها تواصل تضييق الخناق على السكان بقراراتها المثيرة للجدل، ما أدى إلى نشوب غضب شعبي في المحافظة”.
ومع أن التظاهرات مستمرة أسبوعياً منذ مارس الماضي، لكن “الهيئة” اكتفت بإصدار عفوٍ عام قبل أسابيع يقضي بالإفراج عن محتجزين تمّ القبض عليهم لارتكابهم جرائمٍ جنائية. كما أصدرت في ذات الوقت عفواً آخر يتعلق بالمخالفات الاقتصادية دون أن تلبي مطالب المحتجين الذين طالبوا بالإفراج عن معتقلين لأسبابٍ سياسية.
رهان الجولاني
بدوره، أوضح المحلل السياسي التركي محمود علوش أن “هذا الحراك هو نتيجة طبيعية للطريقة التي تُدير بها هيئة تحرير الشام المناطق الخاضعة لها، علاوة على أن جزءاً لا يعد قليلاً من السوريين في هذه المناطق يرفض العقلية التي تحكم بها الهيئة، وهناك وعي متزايد بالحاجة إلى إعادة تشكيل الحالة المعارضة وإخراجها من الخندق الذي انزلقت إليه في السنوات التي أعقبت صعود المتطرفين في سوريا”.
كما أضاف لـ”العربية.نت” أن “الجولاني يُراهن على عامل الوقت لإحباط الحراك الاحتجاجي، لكنّ الواقع في المناطق الخاضعة لسيطرة الهيئة لم يعد يُساعدها في مواصلة إدارتها بالطريقة التي فعلت في السابق”
واعتبر أنه “سيتعين على الجولاني تقديم تنازلات إذا ما أراد تجنب تحويل هذا الحراك إلى مُعضلة كبيرة تُشكل تهديداً وجودياً لحكم الهيئة لأن مطالب الحراك تُعبر أيضاً حتى عن الشريحة الصامتة التي ترفض هذا الواقع”، على حدّ وصفه.
كما أردف أن “الهيئة لا تبدو مُستعدة لتغيير طريقة إدارتها لهذه المناطق لأن قوتها تكمن ببساطة في هيمنتها وفرضها لمشروعها، وهي تُدرك أن أي تراجع سيُظهر ضعفها وسيُشجع معارضيها على المطالبة بالمزيد”. واعتبر أن “منطق مواجهة الحراك بالقوة لن يؤدي سوى إلى تعميق الهوة بين الهيئة والشارع، وأي فوضى تنجر إليها المناطق المتبقية للمعارضة لن تخدم سوى النظام”.
مجرد بداية
وقال علوش أيضاً: “لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن الهيئة ستتراجع أو أن الحراك الاحتجاجي سيتوقف. نحن على الأرجح أمام مُجرد بداية لما يُمكن أن يكون أسوأ”، على حدّ تعبيره.
ورغم أن هذه الاحتجاجات من المقرر أن تتواصل أسبوعياً حتى تتخذ “الهيئة” الإصلاحات التي يطالب بها المشاركون، لكن الجولاني رفض حتى الإفراج عن المعتقلين أو التنحي عن زعامة التنظيم الذي فرض المزيد من الاجراءات الأمنية لقطع الطريق أمام تجدد التظاهرات، واعتقل مساء أمس الجمعة ناشطين اثنين آخرين.
هذا ويعترض الكثير من أهالي محافظة إدلب وأريافها على الواقع الخدمي أيضاً، لاسيما مع تراجع فرص العمل والغلاء الذي تشهده المحافظة خاصة بعد موافقة “الهيئة” على تسعير المواد الغذائية في متاجر المحافظة بالدولار الأميركي في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.