بغداد – الناس نيوز :
من جون دافيسون وأحمد رشيد – رويترز – وجه الناخبون في العراق صفعة لحلفاء إيران في الانتخابات التي جرت هذا الأسبوع لكن تخفيف قبضة الفصائل الشيعية المسلحة على مفاصل الدولة ما زال مسألة تتسم بحساسية سياسية في وقت تخيم فيه على الرؤوس سحابات القلق من احتمال تفجر العنف في أي لحظة.
كان الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر، بالصورة التي رسمها لنفسه كمعارض شرس لكل من إيران والولايات المتحدة.
وبث الصدر البهجة والسرور بين أنصاره عندما أعلن النتيجة “انتصار الشعب على… الميليشيات”.
وفي معقله بمدينة الصدر في بغداد، قال يوسف محمد العاطل الذي يبلغ من العمر 21 عاما “أهم ما في هذه الانتخابات هو أن دولا أجنبية مثل إيران لم تتدخل في التصويت.. نحن نحتفل منذ ليل أمس”.
وسًعت كتلة الصدر، وهي الأكبر بالفعل في البرلمان المؤلف من 329 مقعدا، قاعدة تمثيلها النيابي إلى 73 مقعدا، صعودا من 54 في البرلمان السابق. وانهار تحالف الفتح المنافس الرئيسي لها منذ سنوات، والذي يضم فصائل مرتبطة بجماعات مسلحة موالية لطهران، بعد أن انكمشت رقعة تمثيلها النيابي إلى 14 مقعدا نزولا من 48.
وعلى غير المعتاد جاءت كتلة سنية موحدة في المرتبة الثانية، مما قد يمنح الأقلية السنية أكبر قدر من النفوذ تتحصل عليه منذ سقوط صدام حسين. المثير أيضا أن كل التكهنات حول تفوق الأحزاب القديمة انهارت أمام مجموعات جديدة من الإصلاحيين الذين شنوا حملات على النخبة الحاكمة. على سبيل المثال نالت كتلة يرأسها صيدلاني بعشرة مقاعد.
رغم ذلك، لا تزال هناك مؤشرات تدلل على أن العراق لم يتخلص من قبضة النفوذ الإيراني الهائل. أبرز هذه المؤشرات تحقيق رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حليف إيران، مكاسب هائلة، بعد أن احتل فريقه المركز الثالث بحصوله على 37 مقعدا.
وقال دبلوماسي غربي إن إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني كان في بغداد لحظة إعلان النتائج الأولية، ولا يزال يفتش في جعبته عن وسيلة للاحتفاظ بالسلطة في أيدي حلفاء طهران.
أضاف الدبلوماسي الغربي “بحسب المعلومات المتوافرة لدينا، كان قاآني في اجتماع مع (أحزاب الجماعات الشيعية) أمس. سيبذلون قصارى جهدهم لمحاولة تشكيل أكبر كتلة (في البرلمان) رغم الصعوبة الشديدة لإدراك هذا الهدف نظرا للقوة التي يتمتع بها الصدر”.
وفي العلن نفت طهران وبغداد وجود قاآني في العراق، لكن مصدرين إيرانيين اتصلت بهما رويترز أكدا وجوده.
وقال قائد فصيل واحد على الأقل من الفصائل الموالية لإيران إن الجماعات المسلحة جاهزة للجوء لسيناريو العنف إذا لزم الأمر لضمان بقاء نفوذها بعد ما يعتبرونها انتخابات مزورة.
أضاف “سنستخدم الأطر القانونية الآن. وإذا لم ينجح ذلك سنخرج إلى الشوارع ونقوم بعمل نفس الشيء الذي تعرضنا له خلال فترة الاحتجاجات – حرق مباني الأحزاب” الخاصة بأتباع الصدر.
ساحة حرب بالوكالة
تحول العراق إلى ساحة لحرب بالوكالة على النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران منذ الغزو الذي قادته واشنطن في 2003، وأطاح بصدام حسين ومهد الطريق لسيطرة الأغلبية الشيعية على السلطة في مشهد احتلت فيه شخصيات مقربة من طهران موقع الصدارة.
وفي 2014، وجدت واشنطن وطهران نفسيهما تقفان في نفس الخندق عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية السني على ثلث أراضي العراق. كان كلاهما يقدمان المساعدة لبغداد لمحاربة الدولة الإسلامية.
لكن بعد هزيمة التنظيم في 2017 أصبحت إيران الفائز الأكبر. فقد فرضت الفصائل المسلحة الموالية لها هيمنتها على مساحة هائلة من الدولة العراقية.
كانت تلك التطورات مقدمة لرد الفعل العنيف في 2019 عندما خرج مئات الآلاف معظمهم من الشبان إلى الشوارع للاحتجاج على الفساد والبطالة والنفوذ الأجنبي. وقتلت قوات الأمن والفصائل المسلحة 600 منهم بالرصاص. اضطر رئيس الوزراء المقرب من إيران عادل عبد المهدي لتقديم استقالته، مما مهد الطريق للانتخابات المبكرة التي أجريت هذا الأسبوع.
في مشهد نادر الحدوث برز الصدر، وهو سليل عائلة من رجال الدين الموقرين من بينهم أب وعم قُتلا في عهد صدام، كعدو وخصم لكل من واشنطن وطهران، بعد أن قاد في البداية انتفاضة شيعية ضد الاحتلال الأمريكي، ثم شن حملة على النفوذ الإيراني.
ورغم زهده في تولي أدوار قيادية في الائتلافات الحاكمة، تمكن أتباعه والموالون له من السيطرة بخطوات واثقة على وزارات وصناعات في حكومات ترأستها فصائل شيعية أخرى معظمها مرتبطة بطهران.
لكن معظم أعضاء المؤسسة السياسية الشيعية في العراق ما زالوا يناصبونه العداء أو تساورهم الشكوك فيه، بما في ذلك قادة قوات الأمن الذين قاتلوا أتباعه في الماضي. وربما يكون هذا عاملا ساعد المالكي الذي قاد، عندما كان رئيسا للوزراء، حملة منذ أكثر من عقد نجحت في انتزاع المدن الجنوبية وأحياء بغداد من أتباع الصدر.
وقال حمدي مالك المتخصص في شؤون الفصائل الشيعية المسلحة في العراق بمعهد واشنطن إن المالكي أنفق أموالا طائلة على الحملات الانتخابية وضرب على وتر الحنين إلى الماضي بين صفوف القوات المسلحة مشددا على صورته كقائد قوي.
قال مسؤول من منظمة بدر، وهي من المنظمات الكبيرة الموالية لإيران بالعراق، إن أحد أسباب سوء نتائج تحالف فتح هو أن أنصاره حولوا ولاءهم ونقلوا أصواتهم إلى المالكي، معتبرين أنه حصن أشد قوة في مواجهة الصدر.
أضاف المسؤول “المالكي أثبت مسبقا” أنه قادر على الوقوف بوجه الصدر.