ميديا – الناس نيوز ::
جنوبية – السفير هشام حمدان – تبدو الكتابة عن السّياسات العربيّة والإسلاميّة بشأن فلسطين، غير ذي أهمّيّة بالنسبة لأهلنا، في بيئة ما يسمّى مقاومة. هؤلاء اختصروا الوطن بموقف السّيّد. وسماحة السّيّد إختصر موقفه بموقف واحد، يحدّده المرشد الأعلى في إيران.
ولذلك فالحوار مع أهلنا في هذه البيئة، مرهق جدّا. يريدون إقناعك بأنّهم أقوى من العالم، كلّ العالم. وأنّهم يجمعون في قوّتهم قوّة أهل العرب والمسلمين، وكلّ أحرار العالم. قرأت تعليقا لسيّدة جزائريّة نقله أخوة من هذه البيئة، تحت عنوان “سيّدة جزائرية إختصرت كلّ شيء، إذ قالت: “من ظنّ غزّة تنزف الآن فليراجع نفسه… إنّما غزّة تتبرع بدمائها لأمّة أصبحت بلا دم”.
إستفزّني هذا الكلام. فكتبت معلّقا أنّ “لا حاجز أمام العواطف الدّفّاقة. لكنّ العقل لا تحرّكه العواطف. العواطف تحرّك الغرائز. ما أشطرنا في تحويل قوّة عدوّنا الى سكاكين نطعن بها أنفسنا وأهلنا. متى ندرك أنّ العقل يحتاج إلى طغيان المنطق لا العاطفة”.
ردّ أحد الأخوة قائلا: “عدوّنا أوهن من بيت العنكبوت. ولكنّ أمّتنا هي التي تزوّده بتلك الطّاقة والأوكسجين الذي يبقيه على قيد الحياة. أمّتنا أمّة لا تعرف سوى البكاء على الأطلال، وتمجيد الغرب، فيما هم منبطحون أمامها ويهدونها ثرواتهم، وهي تنهش بلحمهم. المنطق حاليّا يستدعي قيام الرّجل المريض من سباته، والوقوف وقفة عزّ بدل أن يطعن بأخيه الذي لا يقصّر في الدّفاع والذّود عن شرفه، وكرامته، وعزّته التي عرّتها الوسائل الإعلاميّة”.
لا أخفي أنّني استحسنت ردّه.
لكنّني توقّفت عند تبسيطه للمعطيات، وخاصّة لواقع الصّراع القائم، ومكانة العدوّ في هذا الواقع. فكتبت قائلا: “أحسنت في وصف وضعنا، ولكنّك لم تحسن في وصف عدوّنا. عدونا ليس أوهن من خيوط العنكبوت أبدا. الاستهانة بالعدوّ، بداية الخسارة. عدّونا هو الأقوى في عالمنا اليوم.
من يجهل أنّه يمسك أكبر قوّة عالميّة، بل أكبر القوى العالميّة!
“عدوّنا يقاتلنا بالدّين، وهو يمسك الإعلام الدّولي. ونحن بدلا من مقاتلته بالحقوق والتّشريع الدّولي، نقاتله بالدّين أيضا. وهكذا نعيد الصّراع معه إلى صراع دينيّ. هذا بحدّ ذاته فوز له، إذ لا يخفى أنّ العالم الإسلامي هو في حالة الوهن العنكبوتي وليس العدوّ.
أضفت قائلا: أعتبر نفسي أكثر من أيّ واحد منكم وطنيّة، وحبا لفلسطين. تاريخي النّضالي لا يقف على كلمات وشعارات، بل كان معارك فكرية أنتجت قرارات تاريخيّة في ساحات الأمم المتّحدة لمدّة 12 سنة.
هذا الصّراع الفكري مع الصّهيونيّة، هو الذي أوجد حقوقنا الشّرعيّة الدّوليّة التي تمنحنا القوّة على السّاحة الدّوليّة. صدّقوني أنّها أقوى من النّار والبارود. نحن أكثر المتألمين لما يحصل في غزّة لكنّنا لا ننظر لمأساتنا بالغريزة العاطفيّة، بل نقيسها علميّا بالمنطق. هذا هو الفارق بيننا”.
كتب آخر “أستاذنا وعزيزنا الكريم، ماهو المطلوب مع هكذا عدو؟ فلنقلها وبجرأة. ألتّطبيع أم المقاومة خياران لا ثالث لهما؟ يجب أن لا نختبى وراء أصبعنا”.
أجبت موضحا أنّ “لا أحد يعترض على حقّنا بالدّفاع عن حقوقنا. ولكنّنا نطالب بمعرفة ماهيّة حقوقنا. فما ندّعيه حقّا، قد لا يكون حقّا لنا بفعل انتمائنا إلى المجتمع الدّولي. كما وأنّ من واجبنا أن نعرف كيف ندافع عن حقوقنا. فالمقاومة وفقا للإستخدام الجاري حاليّا، عبارة سياسيّة وليست حقوقيّة. ونحن نطالب بإعادتها الى محتواها الحقوقي. لا شيء دمّر مقاومتنا سوى إخراجها من مفهومها الحقوقي، وتحويلها إلى مفهوم سياسيّ، بلّ ودينيّ.
أذكّركم أنّ إسم المقاومة في بلدنا، هو المقاومة الإسلاميّة، فهل هذا معقول؟.
نحن نتحدث عن مقاومة موصوفة دينيّا، وليس وطنيّا ولا قوميّا ولا حقوقيّا.
رد آخر: “للأسف عندما يفقد الشّخص انتماءه للوطن، يذهب إلى الخيار الأوّل (ألتّطبيع). وهذا حال معظم شعوب المنطقة العربيّة. اللّهم يهديهم وطنيّا”.
أجبت موافقا على أنّ الانتماء الى الوطن “هو أهم أسس التّطوّر والنّجاح والإنتصار”. لكنّني أوضحت أنّ “الإنتماء الى الوطن لا تقرّره الهويّة الدّينيّة، ولا الهويّة المناطقيّة، ولا الهوية الطّبقيّة والسّياسيّة، بل قيم السّيادة، واحترام الدّستور، والمساواة في الحقوق، والواجبات. ما أبعدنا عن الانتماء الوطني”.
شعر أحد الأصدقاء بسخونة الحديث فكتب داعيا إلى وقف “التّنظير على بعضنا، والدّعاء للبلد بالأمن والأمان. فمن يعيش تحت واقع القصف والمعركة، ليس مثل البعيد عنها”.
تفهّمت مشاعر هذا الصديق. لكنّني سعيت إلى تبريد واقع الإنفعال بالتّأكيد على أنّ حوارنا العاقل، وسيلة لتعزيز روابطنا الوطنيّة. فالهرب إلى المجاملات لا يحفظ الودّ. فالمطلوب أن نفهم بعضنا بوضوح. وأكّدت أنّ موقفي هو انعكاس لوضوح فكري، وصراحتي. فأنا أتحدث بكلّ صدق إذ لا أخفي أيّ غرض خاص: طائفي أو سياسيّ، وليس لدي أسرار وخبايا. مواقفي معروفة في كتبي التي تزيد عن 12 كتابا، وفي عشرات المقالات، والدّراسات، والأبحاث المنشورة لي. وكلّ ذلك منذ أكثر من خمس وأربعين سنة.
أضفت بعضا من سيرتي الدّبلوماسيّة، حيث كنت الدّبلوماسي الوحيد الذي جاءت أميركا تشكو في وزارة الخارجيّة، انزعاجها من مواقفه لاسيّما بسبب دفاعي عن حقوقنا ومقاومتنا للإحتلال الإسرائيلي للجنوب
ومواجهتي العديد من مشاريع القرارات والإعلانات والمواقف، التي كان يمكن أن تسيء لبلدنا. وقلت “سيكشف التّاريخ لكم أو لأولادكم، أسرارا عن خبايا من تسمونه قادة مقاومة بينكم. يوّلمني أن تسكتوا عن بيع ثروتكم، وثروة أولادكم من الغاز والنّفط.
ردّ أحدهم منفعلا: “كلّ هذا الكلام لا يؤثّر. هناك شيء أهم من (شويّة) غاز، و (شويّة) مطبّلين ينادون بالحياد والقانون، في نظام عالمي يقوم على الأقوى. كفى تكاذبا على بعضنا وكفى كلاما عن قانون و “خزعبلات” المنظّمات الدّوليّة، و القرارت التّافهة التي تتحكم بها الدّول العظمى. كن ذئبا وكفى. من يرغب بالبكاء فليذهب إلى أقصى العالم و يبكي هناك على مهل. هنا نحن بحاجة لرجال تقاتل. الحياة ليست أكلا، و شربا و حفلات”.
ضحكت فقد وصلنا إلى الحائط المسدود. ذكّرت صاحبنا بأنّ الوطن ليس له وحده. وتمنّيت أن يعرض رجولته في سوريّا، التي تحتاج إلى أمثاله من الرّجال. فسوريّا لديها أرض محتلّة منذ عام 1967، وهي تبحث عن الرّجال. هناك سيكون للمقاومة معنى. وخلصت أنّه ربما علينا فعلا أن نجلس ونصلّي بالأمن والأمان لبلدنا.