عَدَّن- الناس نيوز:
في ظل صيف قائظ وحرارة تصل إلى الأربعين درجة، تنقطع المياه لأكثر من ثلاثة أيام في مدينة عدن العاصمة المؤقتة لليمن، المدينة التي شهدت دخول المياه النظيفة عبر شبكات الأنابيب منذ 115 عاما ، هذه المدينة يتعرض سكانها اليوم لخطر الموت عطشا.
تلقت جريدة الناس نيوز الأسترالية الإلكترونية دراسة عن التحديات الخطيرة القائمة في تموينات المياه في عدن العاصمة المؤقتة لليمن ، وتصورا عن إمكانية معالجة الصعوبات، أعد الدراسة المهندس خالد عبد الواحد محمد نعمان المدير الأسبق للهيئة العامة للمياه في اليمن الجنوبي منذ نهاية السبعينيات حتى 1986م.
أرجعت الدراسة أسباب أزمة المياه إلى النمو السكاني الكبير في المدينة وزيادة الطلب على المياه ، في ظل عجز حاد في الإنتاج يصل إلى 277 % ، وصعوبات في الإمداد للكهرباء وأعباء النمو العشوائي للمدينة بشكل كبير جدا.
حيث وصل حجم السكان في عدن ، إلى حوالي أكثر من 1.8 مليون نسمة ( وهناك تقديرات أنهم وصلوا إلى 2.2 مليون نسمة ) ، بسبب النزوح من خارج المحافظة لأسباب شتى ، لعل الحرب هي أحد مسبباتها ، كما أن التوسع ، شمل كل مديريات عدن وامتد إلى أطرافها ، وإلى جبالها ومرتفعاتها بشكل عشوائي وسرطاني لم يراع أي متطلبات التخطيط الحضري ، وأي متطلبات تحقيق ضغط كاف في شبكات المياه الرئيسية والفرعية ، بل بنيت عمارات وأبنية عديدة في مناطق لا يمكن أن تصل إليها المياه عبر الضخ المباشر من الحقول أو عبر انسياب المياه بفعل الجاذبية ، إلا عبر إعادة ضخ وتوافر خزانات علوية وخاصة في المديريات الأربع ( المنصورة والشيخ عثمان ودار سعد والبريقة ) . ومع ذلك فإن كل إجمالي الإنتاج من المياه من كل الحقول القائمة ، لا يتجاوز في الظروف الاعتيادية عندما تتوفر الكهرباء بشكل دائم ، حوالي من 80 ألف إلى 90 ألف متر مكعب من المياه يوميا ، بينما الحد الأدنى من المياه المطلوبة للسكان يصل إلى 250 ألف متر مكعب من المياه ، أي أن العجز القائم في الظروف ألأعتيادية ، وصل إلى 277 %.
وجاء في الدراسة أنه تم الاستيلاء على أراضٍ وحرم جميع الحقول التي فيها آبار للمياه وبني فيها لأغراض سكنية وتجارية ، خلافا للقواعد والقوانين المحلية والقرارات الحكومية السابقة التي تحظر البناء حولها ، بل وأقيمت في ظل هشاشة الدولة ، وتواطؤ قيادات مؤسسة المياه ، والتعليمات المركزية ، القيام ببناء مدن بكاملها في حرم هذه الحقول ، كما أقيمت أبنية عشوائية على أراضي الحقول دون أي مسوغات من نظام وقانون ، وتحت ادعاءات ملكية باطلة أو تحت مسميات واهية في سنوات الفيد والحرب والفوضى وعدم وجود سلطات الدولة أو غياب السلطات المحلية على امتداد السنوات من عام 1994م وحتى الآن .
وأوضحت الدراسة أن دولة الجنوب ، كانت تتعامل بصرامة بالغة ، وفق المخطط التوجيهي لمدينة عدن ، ولا تسمح بالبناء أو إقامة أي مشروع إلا بموافقة دائرة تخطيط المدن بوزارة الإنشاءات وموافقة كل مؤسسات الخدمات لتفادي إقامة هذه المباني والمشروعات فوق شبكات ومنشآت الخدمات المختلفة أو تتعارض معها.
استعرضت الدراسة مراحل أزمة المياه ابتداء من عام 1994م
التي أطلق عليها كاتب الدراسة سنوات الفيد والفوضى.
ومن ثم مرحلة انهيار الخدمات بالكامل وبلوغ أزمة المياه ذروتها بفعل أحداث شغب 2011م التي عصفت باليمن، ويصل الى الكارثة التي آلت اليها أزمة المياه في ظل الحرب الراهنة.
تفاقم أزمة المياه في ظل الحرب 2015-2020
في ظل واقع الفوضى ، والعشوائية التي سادت في البناء في عدن ، فقد كانت فترة الحرب ( 2015 -2020 ) ، وانفلات الأمن والغياب الكامل للسلطة المحلية ، أو عدم فاعليتها ، وسيادة حكم الغاب ، فرصة ملائمة ، لسيادة ” قانون كل من بإيده له ” وتمثلت بظاهرة انتشار على نطاق واسع جدا ، لتركيب مضخات سطحية ، مختلفة الأحجام والسعات لضخ المياه ركبت على الأنابيب الرئيسية ، تحت تهديد السلاح أو حماية الميليشيات . ولم يكتف بتركيب المضخات لسحب المياه ، للمستفيدين من تركيب هذه المضخات ، على حساب الآخرين ، ولكن ركبت أيضا خزانات ضخمة سابقة أو لاحقة لهذه المضخات لخزن المياه بكميات كبيرة لصالح هولاء المستفيدين من تركيب هذه المضخات والخزانات . لقد خلق هذا الوضع خللا كبيرا في منظومة تموينات المياه العامة ، حيث خلخل مناسيب الضغط في الشبكات العامة المختلفة ، وأصبح من يمتلك مضخة وخزانا يسحب المياه من المستهلكين الآخرين الواقعين بعده في المنسوب أو بعده في مسار خط الشبكة ، وبالتالي تحدث عدم العدالة في توزيع المياه على السكان ، ويتضرر الآخرون الذين ليس لديهم مضخات أو الذين يأتون بعد ذلك من حيث المنسوب أو الموقع ، وأكبر المتضررين يكونون الذين يقعون في المناطق المرتفعة أو في الأدوارالمرتفعة ، ولا تصلهم المياه ، إلا في أوقات متأخرة من الليل ، في حالة سكون الأستهلاك ، أو إغلاق التموينات عن المناطق الأخرى ، لتنفيذ التقنين في توزيع المياه .
لقد خلق هذا الوضع توترات كبيرة بين المستهلكين ، وأصبحت أزمة المياه تشكل أرقا مستداما لدى كل المواطنين في كل أنحاء مدينة عدن ، وأصبحت النزاعات بين المواطنين ، حول الأولوية في الحصول على المياه ، هماً يوميا لمعظم الأسر التي تسكن في المناطق العلوية أو على ألأطراف أو في مناطق الانتشار العشوائي .
ونتيجة للحرب و انهيار الدولة امتنع المستهلكون عن سداد قيمة الاستهلاك للمياه لعدة سنوات ، وتراكمت المديونيات إلى 14 مليار ريال يمني ، الأمر الذي أدى إلى انهيار كامل للوضع المالي لمؤسسة المياه.
خلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن كل الخدمات الأساسية في عدن أضحت منهارة ، وظل كل السكان الذين يتزايدون بنسبة كبيرة استثنائية لظروف اقتصادية وإنسانية مختلفة ، يعيشون ويتنافسون على نفس الحجم والقدرات من منظومات الخدمات المتوفرة ، التي تتناقص من حيث طاقاتها أو كفاءتها ، وعدم التجديد والتحديث بها ، ويكفي مؤشر واحد في مجال المياه ، لمعرفة كيف تدنى معدل استهلاك الفرد من المياه في عدن في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، بمعدل استهلاك المياه الآن في منتصف عام 2020م ، أي بعد 35 عاما فقد انخفض معدل استهلاك الفرد من 114 لترا للفرد في اليوم إلى 50 لترا للفرد في اليوم . وكان حينها التموين بالمياه مستمرا على مدار الساعة بينما الآن أصبح التموين لبعض المناطق لا يتجاوز ال 3 إلى 4 ساعات في اليوم ، وبعضها إلى عدة ساعات كل 3 أو 4 أيام ، وفي بعض المناطق لا يصلها الماء إطلاقا.
في ختام الدراسة وضع م. خالد عبد الواحد نعمان المعالجات المقترحة لتجاوز التحديات القائمة في مجال تموينات المياه عبر
أولا : مقترحات في مجال تنفيذ المشاريع العاجلة لتطوير وتحسين منظومة المياه في عدن.
ثانيا : مقترحات في مجال المشاريع التي تعزز مصادر المياه في الحقول ومكافحة التلوث البيئي للحقول المائية.
تلك المقترحات تحمل توجهات إستراتيجية تتطلب ثلاثين عاما على أقل تقدير لتنفيذها ، وحتى ذلك الوقت ستظل معاناة سكان عدن مع القيظ الشديد وفي انتظار مياه تنضب آبارها، وحلول طريقها موصود.