د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز ::
أدت مجموعة من التطورات في النصف الأول من العام 2022 إلى جعل الهدنة في اليمن ممكنة، أهمها:
1- الإنهاك الذي أصاب الحوثيين، بسبب الحملة العسكرية الفاشلة التي استمرت عامين للاستيلاء على مأرب الثرية بالنفط. الهدنة من وجهة نظر الحوثيين استراحة محارب.
2- المقاومة الشديدة من قبائل مأرب والجيش الوطني المدعوم بضربات جوية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، أدى إلى خسائر فادحة بين صفوف الحوثيين في أوائل عام 2022.
3- التعاون الذي طال انتظاره بين مجموعة الوحدات العسكرية الموالية بدرجات متفاوتة للحكومة المعترف بها دولياً، أسفر عن إخراج الحوثيين من محافظة شبوة واستعادة أراض في جنوب محافظة مأرب.
4- المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تزايد لديهما الشعور بالقلق بشأن التهديد المتزايد للمدن والأهداف الاقتصادية، بفعل الهجمات الصاروخية الحوثية والطائرات بدون طيار ذات المدى الأطول والأكثر دقة.
من هنا عمدت السعودية والإمارات إلى إصلاحات جدية في صفوف الشرعية اليمنية والجيش الوطني، لرفع قدرتها القتالية عسكرياً والتفاوضية سياسياً، وكانت الهدنة مطلباً ملحاً لتنفيذ هذه المهام.
لتلك العوامل مجتمعة وبهدف التوصل إلى هدنة، وسع المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ، نطاق الاستشارات في الأشهر الأولى من العام 2022، وبنى شبكة اتصالات واسعة مكنته من اغتنام الفرصة للتوصل إلى هدنة في بداية شهر رمضان 2022.
هدنة في حالة يأس غير مسبوق يعيشها اليمن، بدأ سريانها في 2 أبريل/نيسان 2022 تم تجديدها مرتين حتى 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022. ولم يتمكن هانز غروندبرغ إقناع الأطراف اليمنية بتمديدها لستة أشهر قادمة.
رغم لجوئه إلى كافة وسائل الضغط لحمل الأطراف على الموافقة على تجديدها، مع ذلك استمرت من أبريل/نيسان حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022 انخفض فيها عدد الجنازات وتضاءلت قوافل النازحين.
اتفاق الهدنة الأخير يختلف عن اتفاق وقف إطلاق النار السابق، كونه لم يبق حكراً على وقف “جميع العمليات العسكرية الجوية والبرية والبحرية داخل اليمن وعبر حدوده”، بل تضمن أيضاً تنازلين يلبيان مطالب الحوثيين في السماح لأعداد محددة من سفن الوقود بدخول ميناء الحديدة. والسماح برحلتين تجاريتين أسبوعياً، من مطار صنعاء إلى القاهرة وعمان.
كما تضمن اتفاق الهدنة إطلاق سراح سجناء بينهم بعض الشخصيات البارزة، لكن هذا البند الأخير جرى تجاهله.
زمن الهدنة لم يتم الإبلاغ عن أي هجمات صاروخية أو طائرات بدون طيار للحوثيين على المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو ضربات جوية استهدفت مناطق الحوثيين. إنما هناك اتهامات متبادلة بارتكاب انتهاكات طفيفة لوقف إطلاق النار على المستوى المحلي والاستعداد لاستئناف القتال.
تم تسليم الأعداد المتفق عليها من سفن الوقود إلى الحديدة وبدأت الرحلات من صنعاء إلى القاهرة وعمان. واجتمع عسكريون من الجانبين في عمان للمتابعة، ما وفر فرصة نادرة لإجراء مفاوضات وجهاً لوجه.
استبدال الرئيس هادي بمجلس قيادة رئاسي
في نهاية شهر مارس/آذار 2022، رعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤتمر التشاور اليمني في الرياض، بحضور مجموعة واسعة من النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين (تمت دعوة الحوثيين أيضاً ولكنهم رفضوا الحضور لأسباب تتعلق بمكان انعقاد المؤتمر، ولتمسك مؤتمر التشاور بالمرجعيات الثلاث للحل السلمي في اليمن التي يرفضها الحوثيون).
وأثناء انعقاد المؤتمر قدم الرئيس هادي ونائبه علي محسن استقالة لا رجعة فيها، وجرى نقل الصلاحيات الكاملة إلى مجلس القيادة الرئاسي الجديد برئاسة د. رشاد العليمي، الذي ينتمي لمحافظة تعز، والعضو في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام (الحاكم سابقاً).
وجرى الإعلان عن سبعة نواب للرئيس من الشخصيات المؤثرة عسكرياً وقبلياً وهم:
– طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقائد قوات المقاومة الوطنية المتمركزة في منطقة المخا، والذي يمتد نطاق سيطرتها ليشمل معظم أراضي محافظة تعز.
– عبد الرحمن أبو زرعة، قائد كتائب العمالقة المدعومة من الإمارات وهو من منطقة يافع الجنوبية، لكنه من غير المنتسبين للمجلس الانتقالي الجنوبي. الذي تربطه معه علاقة تعاون.
– عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي. الذي يتمتع بنفوذ واسع في المحافظات الجنوبية.
– سلطان العرادة، محافظ مأرب وزعيم قبلي، وهو صاحب مكانة عالية في منطقته.
– فرج البحسني، محافظ حضرموت السابق وقائد المنطقة العسكرية الثانية.
– د. عبد الله العليمي باوزير، شخصية قيادية في حزب الإصلاح (المرتبط بالجناح الأكثر اعتدالاً)، زعيم قبلي في محافظة شبوة الجنوبية الغنية بالنفط والغاز والمدير السابق لمكتب الرئيس هادي.
– الشيخ عثمان مجلي، وهو زعيم قبلي من محافظة صعدة (معقل الحوثيين).
تم تشكيل العديد من اللجان الفرعية لمساعدة مجلس القيادة الرئاسي في إعادة بناء الاقتصاد والمؤسسات. والإبقاء على مجلس الوزراء الحالي. استقر مجلس القيادة الرئاسي في عدن بادئ الأمر واضطر بعد أشهر قليلة إلى مغادرة اليمن لأسباب أمنية، ليتوزع رئيسه وأعضائه بين السعودية والإمارات.
أما مجلس الوزراء اليمني يتواجد بأغلبية مقبولة في العاصمة المؤقتة عدن.
تعهدت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بإيداع مليار دولار في البنك المركزي اليمني، ومن المقرر أن تقدم الرياض مليار دولار إضافي لإعادة الإعمار وتوفير المشتقات النفطية للتخفيف من انقطاع التيار الكهربائي الذي تسبب في احتجاجات شعبية في عدن وحضرموت.
قد يتحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي (أربعة شماليون وأربعة جنوبيون) إذا غلبوا مصلحة الوطن، وابتعدوا عن الأطروحات والمشاريع الخاصة بكل فصيل، الشيء الذي يعطل عملية صنع القرار، خاصة فيما يتعلق بالهيكل المستقبلي الجديد لليمن.
يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن وجزء كبير من المنطقة المحيطة بها، ما يمنحه قوة وتأثيراً في التعامل مع مجلس القيادة الرئاسي. ولا يزال حزب الإصلاح ممثلاً في مجلس القيادة الرئاسي، ومحافظاً على قدرته التنظيمية العالية وتأثيره في القوات المسلحة لا يمكن تجاهله حيث مازال قوياً.
صحيح أن الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي يحظى باحترام كبير، ولديه المهارات السياسية والخبرة والعلاقات الشخصية للإبقاء على قدر من الاتساق داخل المجلس الرئاسي. لكن الأكيد أن السعودية والإمارات اللتين تقدمان الدعم اللامحدود لمجلس القيادة الرئاسي، لديهما تأثيراً جوهرياً، يمكنهما من الحفاظ على تماسك المجلس والقدرة على منع تصاعد الخصومات وتعطيل عمله.
الحوثيون يشاهدون وينتظرون. التقارير المتكررة تتحدث عن انقسامات داخل القيادة الحوثية لكنها لاتبدو عميقة وجوهرية، على الرغم من توتر علاقاتها مع حلفائها في المؤتمر الشعبي العام (فصيل صنعاء).
يُعلن وباستمرار مجلس القيادة الرئاسي أن عمله الأهم الحفاظ على استقرار العملة واستعادة الخدمات الحكومية وتعزيزها، وحماية الناس من الزيادات المرتفعة والمتنامية في أسعار المواد الغذائية والوقود والسلع الأخرى. لكن الاستياء منتشر.
تعهدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتقديم الدعم المالي عندما تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي. لكن مخاوف من إساءة استخدام الأموال لأغراض شخصية في ظل أجواء الانفلات وعدم المحاسبة. لم تجد تلك الأموال طريقها إلى البنك المركزي اليمني.
المستقبل
يسعى غراندبورغ لتمديد الهدنة مدة ستة أشهر، ثم استخدام ذلك كأساس لبدء التفاوض على إنهاء الحرب. لكن المشكلة الأساسية التي تواجه المبعوث الخاص للأمم المتحدة هي عدم استعداد أي من الطرفين تقديم تنازلات حقيقية من شأنها تحقيق السلام. لدى الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي رؤى مختلفة تماماً بشأن مستقبل اليمن، تتأثر بتباين رؤى داعميهم الإقليميين.
يجادل البعض الآن بأنه قد يكون من الأفضل أن يتخلى المجتمع الدولي عن محاولة إنشاء دولة يمنية واحدة، ويقبل حقيقة الانقسامات الحالية ويسعى إلى تسوية بشأن هذا الأمر.
لكن تاريخ اليمن منذ الستينيات يثبت فرضية أن يمنين أو أكثر لن تكون أكثر استقراراً من دولة يمنية واحدة.
الأغلبية السكانية في الشمال، لكن آبار النفط والغاز الرئيسة موجودة في الجنوب. تقع جميع المحافظات الجنوبية تقريباً الآن ضمن مجلس القيادة الرئاسي، بما فيها مأرب وتعز المكتظة بالسكان والتي كانت جزءاً من الشمال قبل الوحدة اليمنية. لا يزال الحوثيون يصرون على حقهم بهاتين المحافظتين.
القادة اليمنيون عليهم جعل مصلحة شعبهم في المقام الأول، والتركيز على تحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة وإعادة البناء والتعايش في إطار دولة واحدة إن أمكن. أو الانتقال إلى النموذج الفيدرالي أو الكونفيدرالي. عليهم الكف عن بيع دماء شعبهم على موائد الميليشيات وحروب الآخرين. الحل بأيديهم إن أرادوا. أما العالم فقد تغيَّر.