د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز ::
ماتزال عدن والمحافظات اليمنية المجاورة لها غارقة في الفقر والفلتان والظلمة، وتأكل الحرب والمعاناة اليومية والأوبئة أبناءها. ويتصاعد غضب الناس في العاصمة المؤقتة ضد سياسة غض الطرف التي تتبعها حكومة عبد الملك.
بعد توجيهات رئاسية صارمة وبناء على شروط تقديم المساعدة المالية السعودية عاد بعض الوزراء إلى عدن منتصف أغسطس/آب وعقدت حكومة الدكتور معين عبد الملك اجتماعاً ووعدت المواطنين بتحقيق حلمهم الكبير في الكهرباء. وتوفير مياه صالحة للشرب. وضبط أسعار الخبز والسمك.
إلا أن ذلك لم يحصل بل أن الكهرباء قطعت كلياً عن عدن في ظل درجة حرارة تتجاوز الأربعين فوق الصفر، وزادت أعداد الجوعى والنعوش.
عجز حكومي وتخبط رئاسي لذا يبدو أن الدفة توجهت نحو إنقاذ المحافظات التي لم تصلها فوضى الانهيار الكلي بمنحها صلاحيات كاملة في اختيار ممثليها ومستقبلها ورفع الوصاية عنها من قبل الحكومة المركزية التي أثبتت فشلها أو من قبل قوى لا تنتمي لتلك المحافظات.
لتعزيز هذا التوجه كانت هناك زيارة نهاية أغسطس/آب للدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي لمحافظة المهرة التي تجمعها حدود مع السعودية ومع سلطنة عمان وتمتلك شريطاً ساحلياً طويلاً على بحر العرب. هناك التقى السلطان عبد الله بن عيسى آل عفرار سلطان المهرة وسقطرى والرئيس الحالي للمجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى.
اللقاء بمثابة مباركة ودعم لمجلس أبناء المهرة مفوضاً عن المحافظة للنأي بها عن أي تجاذبات أو خلافات أو استقطابات سياسية من خارجها.
يفهم من ذلك أن محافظة المهرة ينتظرها حكم محلي كامل من قبل أبنائها. ووجه الرئيس العليمي باعتماد اللغة المهرية لغة أساسية ينبغي الحفاظ عليها.
محافظة حضرموت كان لها السبق في هذا التوجه هي الأخرى قد بدأت بصياغة اللوائح التي تمكن أبناءها من إدارة شؤونهم المالية والإدارية والخدمية من خلال مجلس حضرموت الوطني.
لم ينتبه اليمنيون من أن إيقاظ النعرات المناطقية والعصبيات أيقظ معه قراءات ثأرية وحروب من الماضي القريب جعلت العيش المشترك صعباً. وهيأت للقبول بالمجالس لإدارة شؤون المناطق بمعزل عن بعضها.
السير نحو الكانتونات ليس سيئاً كما قد يعتقد البعض. أليست الفيدرالية كما عرفها علم الاجتماع هي نمط من أنماط التنظيم السياسي والمؤسساتي للدول تتحد بموجبه مكونات سياسية مستقلة (دول، ولايات، كانتونات) في دولة فيدرالية واحدة، على أن تتمتع الوحدات السياسية باستقلالية واسعة في تدبير شؤونها وبهياكل مؤسساتية مستقلة تماماً عن الحكومة المركزية.
مع أن العلاقة بين الطرفين يجب أن تبقى محكومة بمبدأ تقاسم السلطة والسيادة.
بات واضحاً أن نهج مجلس القيادة الرئاسي يتجه صوب الدولة الفيدرالية بعد استكمال تشكيل الوحدات السياسية المستقلة في المحافظات، والتي ربما ستشمل الحوثيين في إطار فيدرالي يتم الاتفاق بشأنه بإشراف إقليمي ودولي.
المجالس والمكونات السياسية التي تحكم نفسها في ظل دولة فيدرالية ربما كانت هي الصيغة القادرة على حماية المحافظات من فساد وعجز الحكومة المركزية.
وعلى توفير فرص للحوار بين المجالس لوضع تصورات للمصالح المشتركة مع احترام حقوق كل مجلس اجتماعياً واقتصادياً والاتفاق على تقاسم الثروة برعاية مجلس رئاسي فيدرالي يشمل جميع زعماء المجالس والكانتونات.
ستجد بين المكونات من لن يروقه ذلك التوجه وسيظل متمسكاً بسياسات الرفض لكل ما يتعارض مع مصالحه. الإصرار على سياسات الإخضاع كانت وراء التوهان الذي نكبت به الثورة اليمنية إن كان شمالاً أو جنوباً، وتسببت في صراعات عميقة أثرها جلي حتى اليوم.
اليمن منهكة ( الدولة ، الشعب ، البلاد برمتها ) . يعلم الناس أن الاحتجاجات الليلية وحرق الإطارات لا تغير الحكومات. لذا يتجاوبون مع إدارة شؤون مناطقهم ذاتياً والاستفادة من ثرواتها بعيداً عن المركز. ربما كانوا على حق في ذلك.
ربما فاتنا التذكير مباشرة بما ورد بين سطور هذه المادة ، إن الخبث الإيراني وتغلغله في العالم العربي ، سبب الجزء الأكبر مما تشهده المنطقة برمتها .