بيروت – الناس نيوز ::
مع مراسم تأبين الجندي الإيرلندي الأممي شون رووني قبيل نقل جثمانه عبر مطار رفيق الحريري الدولي ليوارى الثرى في بلده الأم، بدأ حيّز المناورة يضيق ومساحة الضغوط تتّسع لدفع السلطة إلى الكشف عن الحقيقة في جريمة العاقبية وتقديم مرتكبيها للمحاسبة، ولم تعد لازمة “تكثيف الجهود لكشف الملابسات” تجدي نفعاً في ظل ما تكشّف من تقارير ووقائع دامغة توثّق مسببات وقوع الجريمة ونيّة “القتل العمد” في أسلوب ارتكابها، لا سيما من خلال ما تبيّن من مطاردة متعمّدة للدورية الإيرلندية وإطلاق النيران الحربية مباشرةً على إحدى آلياتها ما أسفر عن مقتل رووني جراء إصابته برصاصة بالرأس.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر موثوق بها لـ”نداء الوطن” أنّ تقريراً أمنياً لبنانياً وثّق إصابة آلية “اليونيفل” المستهدفة في حادثة العاقبية بـ”27 طلقاً نارياً من عدة جهات”، ما بيّن بحسب الخبراء الأمنيين أنّ “الحادث ليس عفوياً ولم يُتخّذ قرار من الجهات المعنية في المنطقة بالسيطرة على الوضع فور وقوع الإشكال”.
وبالاستناد إلى المعطيات والأدلة الواردة في هذا التقرير، فإنّ مسؤولين لبنانيين تواصلوا مع قيادة “حزب الله” للتأكيد على كون “المسألة صارت محرجة” أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ويجب الإٍسراع في إيجاد “مخرج مناسب لها” خصوصاً مع دخول لجنة إيرلندية على خط متابعة ما توصلت إليه التحقيقات الرسمية والأممية. وكشفت المصادر إزاء ذلك عن مساع قام بها مسؤول أمني رفيع في “حزب الله” لعقد لقاء مباشر مع قائد قوات “اليونيفل” بغية محاولة التوصل معه إلى الصيغة الأنسب لإنهاء القضية، فحصل اللقاء عن بُعد عبر تطبيق “زووم” وجدد خلاله المسؤول الأمني في “حزب الله” التأكيد على أنّ “الحزب” حريص على العلاقة مع “اليونيفل” ولا علاقة له بما حصل في بلدة العاقبية، فكان الجواب مقتضباً: “إذا لم تكونوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عن الحادثة فإنكم تتحملون مسؤولية تجييش البيئة الشعبية في الجنوب علينا”.
وفي الغضون، برزت أمس ثلاث رسائل من بكركي تقاطعت مضامينها عند نقطة محورية تؤكد وجوب تصدي الشرعية لممارسات “قوى الأمر الواقع” في مختلف المجالات والميادين، الرئاسية والأمنية والمناطقية. ففي الرسالة الأولى أضاء البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد أمس على التعديات على أملاك أهالي رميش التي ترتكبها “عناصر قوى الأمر الواقع التابعة لأحد الأحزاب في المنطقة” مهيباً بالأجهزة الأمنية القيام بواجبها “وسحب العناصر الغريبة عن البلدة ووضع حد لكل التعديات فيشعر أهالي رميش أنهم ينتمون إلى دولة تحميهم”، وذلك في إشارة إلى تعدي عناصر “حزب الله” المنضوين تحت جمعية “أخضر بلا حدود” على بعض العقارات الحدودية العائدة لأهالي رميش والتخييم بالقوة فيها بحجة الدواعي الأمنية والاستراتيجية التي تحتّم وجودهم في المنطقة المحاذية للحدود.
أما في الرسالة الثانية، فأعاد الراعي التصويب على القوى المعطّلة للاستحقاق الرئاسي “من أجل مآرب سياسية ومذهبية فضلاً عن السعي إلى تفكيك أوصال الدولة والمؤسسات”، مشدداً على أنّ المطلوب انتخاب رئيس للجمهورية “يحمي ظهر لبنان وصدره لا ظهر هذا أو ذاك (…) رئيس لا ينحاز إلى المحاور، ويحمي الشرعية لتضبط جميع قوى الأمر الواقع”.
وإلى جريمة العاقبية التي “استشهد فيها جندي إيرلندي برصاصة حقد اغتالته بعدما جاء إلى لبنان ليحمي سلام الجنوب”، أكد البطريرك الماروني أنّ “هذه الحادثة المأسوية التي تشوّه وجه لبنان تستوجب تحقيقاً شفافاً لبنانياً وأممياً يكشف الحقيقة ويجري العدالة”، وأردف: “لقد حان الوقت لأن تضع الدولة يدها على كل سلاح متفلّت وغير شرعي، وتطبّق القرار 1701 نصاً وروحاً لأن تطبيقه حتى الآن هو انتقائي واعتباطي ومقيّد بقرار قوى الأمر الواقع، فيما الدولة تعضّ على جرحها وعلى تقييد قدراتها لصالح غيرها”.