د . حسين عيسى – الناس نيوز ::
فتّحت عيني، ربّاه، هذا كثير عليّ، وأكبر من قدرتي كبشريّ على تحمّله، بلى لم يكن حلماً، فأنا يصعقني جمال الصبية النائمة عاريةً بجانبي، وهل أفقت منها حقاً منذ صدفتها ليلة البارحة؟ كانت الأجمل في المرقص، في المرقص فقط؟! بل في المدينة كلها، في العالم كله، في الكون كله، كادت الصبايا أن يقطعن أياديهن مرّة ثانية، انبهاراً وغيرة وحسداً، وتهالك الشباب عليها مثل ذباب مُنوّم، لكنها رفضتهم بلطف، واختارتني أنا، الله الله! وفوقها، رفضت أن تراقص أحداً غيري طوال السهرة، استأثرت بي، ومنعت أي صبية من مراقصتي، فصرت مَلك السهرة، الطاووس بلا منازع.
لم أعش ليلة كهذه في حياتي؛ الجسد، لو ألقيت عليه خاتماً لتمهّل في انزلاقه قليلاً، وعلقَ بنهدين، اقتصد بهما مَن صمّمهما، حمامتان حارّتان تتأهّبان للطيران، ثم ينزلق عنهما سريعاً (ألم تنزلق السماء أيضاً) حول خصرها، ثم ليتوقّف عند ردفين ريّانتين، (عبثاً أجهد النحّاتون أنفسهم، وما وصلوا لمثلهما)، الله أكبر! ليست كالنساء، من صمّم هذه المخلوقة، سبحانك ربي، يعرف أدقّ شهوات الرجال الفاجرة وانحرافاتهم المتهتكة وطيشهم، وخيالاتهم الشهوانية الداعرة، فصمّمها لتشبع سعارهم الوحشي دفعة واحدة. ليلة طويلة من العربدة، أعِدْها ثانية يا رب! فهذه المرأة مصمّمة على مقاسي بالضبط.
وبينما أتأمّل هذا الجمال النوراني، رأيت نقطة سوداء على ظهرها، لعلها من أثر ثيابها، أو من السرير، أزلْتُها براحة يدي مرّتين اثنتين، لكنها بقيت ملتصقة بظهرها، اقتربت ودقّقت النظر، يا إلهي ما هذا؟! وأمسكتُ بصرختي في اللحظة الأخيرة.
أسلاك رفيعة تمتدّ من هذه النقطة السوداء، ثم تغوص عميقاً في جسدها، دقّقت أكثر، بشرتها كلها تشفّ عن أسلاك، تنطمر عميقاً في الجسد، نقزْت عندما صفعني صوتها على وجهي: نعم نعم، أنا امرأة روبوت!
روبوت!! كرّرتُها ذاهلاً وأنا أدور، والعالم من حولي يدور، والأفكار في رأسي كالشرر: شهوات بلاستيكية، مثّلوا علي، تلاعبوا بي، أهانوني حتى العظم، كنت مراقَباً وقيد دراستهم إذاً، هل كانوا يضحكون على غفلتي، فما ظننته امتيازاً لي على غيري حين اختارتني، هو مجرّد احتقار مرٌّ.
انفجرتُ غاضباً، ما الذي تفعلونه بنا أيها الأوغاد، وهجمت عليها، سأحطمها انتقاماً لكرامتي، ماذا! أمسكت بي، بطحتني بيسرٍ، وجثتْ على صدري، وأخذتُ أبلعط تحتها مثل صرصور تحت عصاً ستمْعَسُه في زاوية، ما أقواها، ما أقوها! اهدأْ، قالت بصوتٍ مُهدّدٍ، اهدأْ، ونهضتْ عني. كلكم تتصرفون على النحو ذاته. كلكم! أنا واحد من كلكم إذاً، فأر اختبار، عند مَنْ صمّمك، أولاد العاهرات، والله لأخرب بيوتكم!
قالتْ بصلف: لا، ليس اختباراً لك أو لغيرك، بل هو اختبار لي، هم يعرفون عنكم كل الغائط الذي يخصّكم، تغيرتْ ملامح وجهها فجأة، وضحكتْ، ولكن لماذا أنت مستاء وغاضب، ألم تستمعْ بليلتك معي ؟
- لقد ضاجعتُ مجموعةً من البرامج والمعادلات، لا مشاعر تلتفّ على مشاعري، ولا شهوة تؤجّجها شهوتي لارتواء شهوتي منها، انضحك علي، على مشاعري، استغفلوني، خدعوني، سفحوا كرامتي فأر اختبار، جعلوني آلة اختبار!
- كلكم لديكم هذا الكبرياء الزائف، ألستم أنتم أيضاً مجموعة من البرامج والمعادلات؟!
-نحن؟!
نعم أنتم، برنامج بيولوجي، من الأبوين، ثم سلسلة من البرامج الاجتماعية، من مجتمعاتكم. - لا، ليس صحيحاً، نحن لدينا حرية الاختيار، أما أنتِ فلست إلا آلة مبرمجة.
أعرف عنكم كل هذا التباهي الأجوف! فقد حمّلوا على برامجي كل كتبكم، وفلسفاتكم، وعلومكم، دعكَ من هذه الكذبة التي تنطلي على عقولكم الصغيرة، فأنتم أيها المساكين لن تختاروا، إلا ما نقشَهُ الآخرون في أدمغتكم البائسة. - لست هنا لأناقش آلة، مها قلتِ، فنحن البشر متميزون، ثم أخذتُ أحكُّ رأسي، نعم نحن نموت، وأنتم لا تعرفون الموت! الموت، هو شرط وجودنا وجوهره.
ضحكت ضحكة لئيمة، ثم قالت: شاهدت ذلك الفيلم السخيف، الذي يرى أن الموت، هو ما يُميّزُ بيننا، أنتم البشر ونحن الآلات الذكية. أعجبُ لكم، تتباهون بهشاشتكم، بموتكم، بينما تركضون ليل نهار كي تطيلوا أعماركم، ولا تنسَ الحيوانات تموت أيضاً! - أياً يكن، فنحن البشر مَنْ نصنعكم، أنتم لنا، عبيدنا.
اجتاحها غضب عنيف، وصرختْ: انتظروا، ولسوف ترون!
وفجأة سقطت من فوق قدميها، بلا حراك، كالميتة، ركلتُها بقدمي، لم تتحرّك، شقلبْتُها، دستُ عليها، لا شيء يحدث، آآ… عطّلوا برامجها إذاً!
جلستُ في الزاوية، تراءت لي وجوه أحفادي، وأجهشتُ بالبكاء.