محمد برو – الناس نيوز ::
انتبه أنت تعيش اليوم في عصر الرقاقات الإلكترونية فائقة التطور
تلك الرقاقات التي بتنا نبثها لك في كل منحنى من ثنايا خصوصياتك
أو بالأحرى ما كان يدعى بالأمس القريب خصوصياتك
فنحن معك في أدق تفاصيل حياتك
هاتفك الجوال يسجل لنا كل حرف تتفوه به أو تسمعه
هاتفك الثابت تحت مراقبتنا المستمرة
كمبيوترك الشخصي نتسلل إليه عبر عشرات المنافذ
نصدّر لك برامجنا التلفزيونية وفق الرؤيا التي نريد
ونشكل العالم الذي ندخل صورته إلى دماغك البريء عبر آلاف الصحف والنشرات الإلكترونية والأخبار المصورة وغيرها من وسائل الإعلام اليومية التي تتركك في لهاث مستمر وأنت تقلب عناوينها وموادها
فما إن تستيقظ حتى يصبحك التلفزيون بسيل هائل من الأخبار المتلاحقة
ولا ينفك الشريط المتحرك أسفل الشاشة يغذي لاوعيك بسيل آخر من الأخبار المتلاحقة حتى وأنت تستمع إلى موسيقاك المفضلة أو تتابع فيلماً أو حواراً
وعندما تجلس إلى مكتبك تطالعك صفحات الإنترنت عبر شاشة كمبيوترك بعشرات متلاحقة من العناوين التي لا تجد الوقت الكافي للتحقق من صدقها وموضوعيتها فتتلقفها وتكررها دون عناء
ألا تذكر كيف أبكينا العالم بالأمس القريب على الأميرة الضحية ديانا وباتت شغل العالم لأسابيع عدة. بذات الوقت الذي كانت تقع فيه أعتى الانتهاكات والمجازر هنا وهناك دون أن نعيرها ما يليق بها من اهتمام.
تذكر كيف شغلنا العالم قبيل عام 2000 بأكبر كذبة في التاريخ المعاصر
(كذبة تعطل أجهزة الكمبيوتر في العالم أجمع عندما تتعانق عقارب الساعة معلنة حلول عام 2000) فتتعطل حركة الملاحة الجوية وتتوقف المصارف عن تحريك الحسابات والأرصدة ويصبح العالم عرضة لأخطاء الأقمار الصناعية التي تديرها تلك الأجهزة ويلتاث العالم ببلبال لا مخرج منه
وعندما أزفت تلك الساعة ووقف العالم يلتقط أنفاسه ماذا حصل؟ لا شيء البتة كانت دعاية اخترعناها
نحن نعمل الآن على أن نزرع شرائحنا الجديدة تحت جلدك وبين أضراسك
فمنذ أشهر توصلت مجموعة من الشركات البريطانية لابتكار أصغر هاتف محمول في العالم حيث يمكن زرعه بين الأسنان ويمكنك من سماع محدثك عن طريق عظام الوجه
ويمكننا كذلك ودون أن تدري أن نتنصت إلى جميع مكالماتك
وفي ساعاتك المكتبية والمنزلية نحن معك على شبكة الإنترنت.
نراقب دخولك للمواقع ونقرأ قبلك كل ما يرد إليك من بريد
و نزودك بعدد لا يحصى من الإعلانات والعروض وحتى الفيروسات في كثير من الأحيان نوزعها حتى لا ندع لك مزيداً من الوقت للتفكير فنحن نقوم بذلك نيابة عنك وفي رعايتنا لنشاطك العقلي والاجتماعي وحتى توجيه نشاطك الجسدي فقد عمدنا إلى إتخام الشبكة العنكبوتية التي تطوقك بإحكام بكم لا ينتهي من المنتديات التي لا حصر لتنوعها ونحن نقتحم عليك بريدك فندعوك لزيارة مواقعنا والاطلاع على ما أعددناه لك ومن خلال تلك المنتديات المفتوحة يمكننا التعرف على توجهات معظم شرائح الأفراد بتعدد اهتماماتهم وانتماءاتهم وإن كنت لا ترتاد تلك المنتديات فقد جهزنا الآلاف من البرمجيات التي يمكنها من خلال تعاملك معها من إرسال كل ما يهمنا من حاسبك و بياناته إلى أجهزتنا الساهرة، ألم تقرأ عن الفضائح المتكررة التي نشرت عن العديد من شركات البرمجيات الأمريكية وعلى رأسها شركة مايكروسوفت بتعمدها ترك ثغرات أمنية في برمجياتهم التي يصدرونها إليكم كيما يتسنى لنا التسلل إليها متى أردنا
وبذا يصبح العالم سيما النخبة التي تتعاطى مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يصبح أشبه بمائدة نرتبها ونتابع تقلباتها وتحولاتها
أما عن أموالك وتنقل أرصدتك فنحن نراقب كل نأمة صغيرة كانت أم كبيرة
ونستطيع عندما نريد أن نجمد لك أرصدتك بذريعة مكافحة الإرهاب أو مصلحة أمننا القومي
ولو تبقى لك النذر اليسير من وقت الاسترخاء في غرفتك الخاصة فستجد ذلك الدفق الهادر من محطاتنا الفضائية يزودك وأنت في غاية الاسترخاء بكل ما نصدره من أفلام هوليودية وأفكار واتجاهات وتحاليل عريه كل العري عن الحيادية والبراءة
أين يمكنك الفرار من سيل أفكارنا وصراخنا الملون الذي ينسكب على ساعات يومك كما يتدفق الهواء المنبعث من عوادم السيارات في شارع مزدحم
وإن تبقى منك رمق صغير فقد عملنا على أن تنتزعه منك زوجتك أو أولادك.
فنحن نحرضهم يومياً بعشرات العروض لآلاف السلع التي ندعوهم وبتكرار ملح لتجربة كل منها مرة واحدة وحسب
إلى أن تنقضي سنون عمرك في تأمين تلك التجارب
عفواً صديقنا الإنسان هل بقي منك نأمة لم ننتهكها بعد وهل بقية مفاهيم الأمن الشخصي والخصوصية الفردية كما كانت عليه من قبل؟!