قصة قصيرة – ممدوح حمادة
عـنـدمـا قـرع بابي في تـلـك الـساعة المـتأخـرة مـن الـلـيل استـغـربـت الأمـر كـون أحـد لا يـزورني في مـثل هذه الساعة، وإذا تـوخـيـنا الـدقـة فـإن أحـدا عـلـى الإطلاق لا يـقـرع بـابـي لا فـي مـثـل هـذه الـساعة ولا فـي مـثـل غـيـرهـا، فـانـا بـشكـل عـام لـم أُعـط عـنـوانـي لأحـد ولا يـعـجـبـنـي اسـتـقـبـال وتـوديـع الـضـيـوف ولا تـقـديـم الـقـهـوة لـهـم بـفـنـاجـيــن مـن الـورق الـمـقـوى أو الـبـلاسـتـيـك، لأنـنـي طـردت الـجـلي والـمـجـلـى مـن حـيـاتـي نـهـائـيـا مـنـذ زمـن بـعـيـد، هم سيشربون الـقـهـوة فـي تـلـك الـكـؤوس الـكـرتـونـيـة وربـمـا سـيـبـدون إعـجـابـهـم ولـكـنـهـم بـعـد خـروجـهـم وبـكـل تـأكـيـد سـيـجـعـلـون مـنـك مـادة لـلـتـنـدر سـيـصـفـونـك بـالـخـامـل والـكـسـول وغـريـب الأطـوار، أنـا مـتـأكـد مـن ذلـك فـنـحـن شـعـبٌ بـوجـهـيـن ولـسـانـيـن ولـذلـك فـلا داعـي لـهـم.
بـالـمـخـتـصـر الـمـفـيـد لـيـس مـن الـمـفـروض أن يـقـرع بـابـي أحـد لا الآن ولا فـي أي وقـت آخـر، ولـذلـك فَـمَـنْ يـقـرع بـابـي لا بـد أنـه يـفـعـل ذلـك عـن طـريق الـغـلـط. هـو عـلـى الأغـلـب جـاء لـيـزور جـارتـي الـقـاطـنـة فـي الـشـقـة رقـم 16، يـقـولـون إنـها عـاهـرة وهـي كـذلـك فـعـلا، إذا تـكـلـمـنـا فـلـنـقـل الحـقـيـقـة بـدون مـواربة، ولـكـي لا يـتكـون انـطـبـاع بأنني أقـول نـصـف الـحقـيـقـة فـإنني أعـلـنـهـا صـراحـة : كـلـنا بـهـذا الـشـكـل أو ذاك عـاهـرات وإذا كـان هـنـاك عـلـى سـلـم الـعـهـر شـرف فـإن جـارتـي هـذه تـعتـبـر أشـرفـنـا فـهـي عـلـى الأقـل لا تـدلـي بـصوتـها فـي الانـتـخـابـات، ألـيـسـت الـمـشـاركـة فـي الانـتـخـابـات الـتي فـيـهـا مـرشـح واحـد، وأنـت لا فـرق لـديـك سـواء انـتـخـب أو لـم يـنْـتـخـب لا بـل إنـك فـي داخـلـك لا تـحـبه، ومـع ذلـك تـذهـب وتـدلي بـصوتـك لا بـل تـرقـص فـي حـلـقـة الـسـعـاديـن، ألـيـس هـذا عـهـرا؟ مـا عـلـيـنا هـنـاك الـكـثـيـر مـمـا يـمـكـن سـوقـه كـمـثـال عـلـى عـهـرنـا ولـكـنـنـي قـطـعـت عـلـى نـفـسـي عـهـدا ألا أتـحـدث بـالـسـيـاسـة وهـذا بـحـد ذاتـه عـهـر أيـضـا ولـكـنـه عـهـر أخـف وطـأة مـن الـشرف. الـمـهـم مـن يـطـرق بـابـي عـلـى الأغلـب واحـد مـن روادها وأخـطـأ الـبـاب، وسـرعـان مـا سـيـفـهـم ذلـك ويـتـوقـف، ولـكـنـه لـم يـتـوقـف كـان يـقـرع الـبـاب ويـنـتـظـر قـلـيلا ثـم يـعـود لـيـقـرعـه بـقـوة أكـبـر، لا أعـرف لـمـاذا لا يـقـرع الـجـرس فـزره مـوجـود عـلـى الـمـلـبـن الـخـارجـي ولـكـي يـنـتـبـه لـه الـضـيـوف زود بـإضـاءة خـافـتـة ولـونـه أبـيـض ومـتـمـيـز عـن الـلـون الـبـني لـلـمـلـبـن، لا أدري لـمـاذا يـتـجـاهـلـه ويـطـرق الـبـاب بـذلـك الـحـقـد؟ مـع ذلـك تـجـاهـلـت الـمـوضـوع لأنـنـي كـمـا قـلـت لا أتـوقـع أن يـطـرق بـابـي أحـد وهـذا يـحدث بـالـخـطـأ، غـيـر أن الـشـخـص الـذي فـي الـخـارج كـان مـصـرا وصـرخ أخـيـرا بـصـوت قـوي يـشـبـه الـصـرخـة:
“افـتـح أيـهـا الـسـافـل، أنـا أعـرف أنـك مـخـتـبـئ هـنـا.”
يـقـول: الـسـافـل، هـذا يـعـنـي أنـه لا يـقصـد شـقـة الـعـاهرة، طـالـمـا أنـه يـقـول الـسـافـل فـكـلامـه مـوجـه إذا إلـى ضـابـط الأمـن الـمـقـيـم فـي الـشـقـة رقـم 18 الـتي كـانـت مـلـكـا لـشـخـص قـيـل إنـه يـنـتـمـي إلـى الـبـعـث الـعـراقـي ويـمـارس نـشـاطـا إعـلامـيـا مـضـادا فـي الـخـارج، فـصـادروهـا وأعطـوهـا لـضابـط الأمـن هـذا، يـقـال إن هـذا الـضـابـط قـذر جـدا ولـذلـك فـبـعـد أن تـورط فـي رشـوة سـاعـد مـقـابـلـهـا مـعـارضـا فـي الـهـروب مـن الـسـجـن تـمت مـحـاكـمـتـه و طـرده، وبـسـبـب رفـع الـحـصانـة عـنـه أصـبـح كـل مـن لـه ثـار مـعـه يـأتي لـيقـتـص مـنـه بالـطـريـقـة الـتـي يـسـتـطـيـعـها والكثيرون منهم ينعتونه بالسافل، اتضحت الصورة إذا فهذا الرجل يقصد جاري ضابط الأمن.
أخـذ الـرجـل يـضـرب عـلـى الـبـاب بـرجـلـه، لم يعد هناك مهرب من أن أفتح الباب وأرشده إلى باب شقة السافل الذي جاء في طلبه، أقصد ضابط الأمن المذكور أعلاه وإلا فلن يتوقف عن ركل الباب، سأقول له إنك يا سيدي تبحث عن شخص آخر، ليس أنا فأنا لم أكن في حياتي سافلا. نعم أنا شخص انطوائي بعض الشيء ولا أتواصل كثيرا مع الناس ولكن في ذلك منفعة لهم فبهذه الطريقة أكف بلائي عنهم ويكفون بلاءهم عني، أنا لا أتجنب بهذا أن أصبح سافلا كما ذكرت بل أجنبهم أن يكونوا كذلك. سأوضح له أن السافل الذي يبحث عنه هو على الأغلب ضابط الأمن الذي يقيم في الشقة رقم 18 وربما يكون جامع الأموال الذي يعيش فوقنا في الشقة رقم 21 أو جاره السمسار الذي يقطن في الشقة 22 وربما يكون الموظف في البنك الزراعي الذي اتهم بالنصب والاحتيال على أكثر من مئة عميل لهذا البنك والقاطن في الشقة رقم 15 وربما يكون أيضا القاضي الذي تلقى منه رشوة كبيرة يقولون إنها بلغت المليون ليرة عندما كان الدولار بخمسين، وحكم ببراءته والمقيم في الشقة رقم 13، وربما يكون ذلك الذي يقيم في الشقة رقم 27، لا أدري من الذي يقيم هناك ولكنه سافل رغم ذلك فهو لا يتوقف عن إقامة الحفلات الصاخبة والراقصة وكل سبت يصدع رأسي بضجيجه، أرجو أن يكون هو المقصود فأتخلص من إزعاجه بهذا الشكل أو ذاك، يا إلهي أين أقيم؟ هذا ليس مبنى للسكن هذا مجمع السفلة. أنا الوحيد الذي لا يملك أحد الحق بنعتي بهذه الصفة ثم تأتي عاهرة الشقة رقم 16 في المركز الثاني البقية جميعهم سفلة من النخب الأول، سأكتفي بالقول إن هذه ليست شقة السافل الذي يبحث عنه وهذا يكفي أما هو فإنه عندما يعلم انه أخطأ المكان سيقوم بالاعتذار وسأقبل اعتذاره بالتأكيد وربما ادعوه لتناول فنجان قهوة إن لم يكن لديه اعتراض على الكؤوس الكرتونية.
فتحت الباب فوجدت في الباب العجوز ذا الشعر الأبيض وهو بطل إحدى قصصي التي تم تقديمها في السينما، لم ينتظر حتى أرحب به فقد وضع فوهة مسدسه فورا على جبهتي وضغط على الزناد، من المفروغ منه أنني لفظت أنفاسي فورا وسقطت خلف الباب مضرجا بدمي قبل أن أنطق كلمة واحدة، أما هو فدخل وأغلق الباب خلفه مستخدما الرتاج اليدوي الداخلي، وضع كرسيا صغيرا وجلس عليه قربي وأخذ يحدثني:
– لا بد أنك مستغرب لماذا قتلتك، أليس كذلك؟
أردت أن أقول له نعم ولكن أعضائي كانت ميتة وعاجزة عن القيام بأي فعل بما في ذلك لساني ولكنه قرأ أفكاري وأجاب على استفساري بنفسه:
– لأنك سافل.
كرر اتهامه لي وتابع:
– كنت في القصة أعيش حياة يملؤها الفرح والسرور والسعادة، فقمت أنت بتحويلها إلى سيناريو وجعلتني أسيرا لذلك الممثل القذر.
– كنت أحتاج المال.
فكرت أن أوضح له ولكنني لم أفعل غير أنه أدرك ما أريد قوله فقال:
– اعمل في تنظيف المراحيض ولا تسلم شخصياتك لأناس بلا أخلاق ولا ضمير.
– ما الذي يزعجك في الممثل ؟
كنت أريد أن أسأله فأجاب:
– رجل بلا أخلاق ولا ضمير، مخبر من الطراز الأول ، وشى بمعظم زملائه وتسبب لهم بمشاكل كثيرة، وحتى أنت وشى بك.
– ليس لديه ما يشي به علي فأنا لم أفعل شيئا.
كنت أريد أن أقول فأجاب:
– إنه يفتري على الجميع، أضف إلى ذلك إنه شخص وضيع عندما يبدأ بممارسة دونيته أخجل من أنه لعب شخصيتي.
لم يكن لدي ما أقول فتابع:
– إنه بؤرة لكل الموبقات مجمع للخصال القبيحة.
– آسف.
أردت أن أقول فنهض وقذف برجله الكرسي بعيدا وتبدد.
الجيران الذين سمعوا صوت إطلاق النار استدعوا الشرطة التي جاءت برفقتها سيارة الإسعاف أيضا، وبناء على المعطيات التي عززها وضع القفل اليدوي الذي كان في وضعية الرتاج من الداخل تم اعتبار الأمر انتحارا وأقفلت القضية وانتهى الأمر بخبر في إحدى الصحف عن انتحار الكاتب، وبعد فترة من الزمن ربما أربع سنوات سرت شائعات عن انتحار الممثل أيضا وقد أكد هذه الشائعات خبر في الجريدة نفسها مع صورة لجثة الممثل ملقاة خلف الباب المقفل من الداخل.