عن الفن والموسيقى والجمال يستعرض محمد المعزوز القيم الخالدة في سيرة شخصيتين روائيتين: خالد وراحيل. “بأيِّ ذنبٍ قُتلتْ” دعوة للتأمل والحُب، ضد قُبح السياسة والسياسيين في مدينة وجدة المغربية العريقة.
الرواية عن مأساة وسقوط الإنسان العربي في واقع مرير ليس في المغرب فحسب بل يمكن إسقاط عالم الرواية على الموصل وحلب ووهران وطرابلس، وكل المدن العربية التي تُعاني من خواء السياسيين ودعواتهم للإصلاح تحت ذريعة العمل الخيري أو الواجب الوطني المُقدس. راحيل بطلة الرواية تبحث عن الخلاص عن طريق الموسيقى وهمّها ينحصر في جماليات الأدب والعشق، وهي اِمتداد لراشيل الأجنبية التي تنتحر وتترك راحيل لزينب المُربية المغربية عاشقة التصوف وأشعار رابعة العدوية. بمواجهة مع رؤوف الرجل الوصولي ذي النزعة اليسارية الإنتهازية، تصطدم راحيل بقيم الكراهية والشر المُتمثلة بسقوط الحلم لأجيال كاملة. يمثل رؤوف الناطق باسم الطبقة العاملة نموذج الوصولي الذي يدعو ل” التحالف مع الشيطان لو كان ذلك ضرورياً، من أجل المصلحة العامة”ص58. يفهم رؤوف المكيافيللية” الغاية تُبرر الوسيلة” فهماً ميكانيكياً، لذلك هو يمارس السياسة كفضاء للمكر والخداع، أو هي فن الاحتيال المُتجدد. أليس سياسيونا نموذجاً صارخاً لرؤوف كما في الرواية؟
لم يبقَ لراحيل إلا البحث عن حريتها ووجودها بعد فقدانها لوالدتها(راشيل)، وسعيها الحميم للتعرف على والدها”عبدالله” بعد أن يتحول إلى حُطام آدمي بحثاً عنها. يتهرب الروائي عن الحمولات السياسية في المملكة المغربية مُنتقداً التحالفات الخادعة بين التيارات المُختلفة، مُنتصراً للفن والحرية. حلم راحيل أن تتمثل حياة التمرد والانتصار لقيم الحياة قيم جان دارك، روزا لوكسمبورغ، جميلة بوحيرد، وسُهى بشارة. مُحاولةً الاِنقلاب على مقولة محي الدين بن عربي” كل مكان لا يؤنث لا يُعول عليه”. تتجسد رغبة راحيل بالسعي نحو مقولة مُضادة كل مكان لا يُذكَّر لا يُعول عليه.
يفترق خالد العاشق الرومنسي، عن راحيل بسبب خلاف مبدئي حاد حول لوحة ورثتها عن أمها. تماهي خالد في الثورات، الثورة الفلسطينية نموذجاً، دفعه للتخلي عن راحيل، ساعياً نحو أعلام وأناشيد لم تجد لها تربة صالحة في مُحيط لا يقود إلا إلى العتمة. بفساد الواقع، تنتصر قيم الجمال، تتناسل قوانين الموسيقى لتغدو هي نفسها قوانين الحرية في علاقة الفرد بذاته أولاً وبمحيطه ثانياً. في السرد الروائي نكتشف بأنه: من السهل أن نعيش عبيداً، كما من الصعب أن نعيش أحراراً لأن الحُر لا يستسيغ أبداً أن يكون تابعاً لسلطان أعمى أو سياسي مُنافق ينفر من الجمال إلى صخب الآلات وضجيج المُدن.
في مأساة”بأيِّ ذنبٍ قُتلتْ” نكتشف الشخصية النسوية المقاومة، نغوص في عالم راحيل التي تواجه الظلام وفساد المدينة وهجمة القبح، تكتشف راحيل الوجود عبر مفردة الحرية والتأمل، وتغدو المرأة حسب محمد المعزوز: السكن الحقيقي والملجأ والدفء والاستقرار، في مدينة وجدة، وفي كل مدن العالم العربي. تخلقُ المرأة للرجل وجوداً وحضوراً آدمياً،
كلاهما يُصيغان سيمفونية الحياة في البحث عن قيم الجمال والحب بعيداً عن رياء المصالح والأنانية الحزبية الضيقة.
*الرواية من منشورات المركز الثقافي للكتاب في المغرب. رُشحت الرواية للجائزة العالمية للرواية العربية( البوكر) لعام2019، وهي الرواية الثانية للمؤلف.
**روائي ومفكر مغربي من مواليد 1959 المغرب، نال جائزة المغرب للكتاب عن رواية ” رفيف الفصول” عام 2007. وله أيضاً الإسلام والسياسة، وعلم الجمال في الفكر العربي القديم. محمد المعزوز باحث معروف في الأنثربيولوجيا السياسية، ومن المفكرين البارزين في المشهد الثقافي المغربي والعربي.