بائع شراب في دمشق يستعد لشهر رمضان المبارك وسط اشتداد الأزمة الاقتصادية
في أحد أسواق دمشق المزدحمة، يردد بائع العصير المتجوّل إسحاق كريميد أغان شعبية لجلب الزبائن خلال جولته اليومية، حاملاً على ظهره إبريقاً نحاسياً مزخرفاً ملأه بشراب التمر الهندي استعداداً لشهر رمضان.
يؤكّد كريميد أن الطلب يتزايد عادة على المشروبات الشعبية الباردة خلال شهر رمضان الذي يبدأ بعد بضعة أيام، ولا سيما شراب التمر الهندي الذي اعتاد على بيعه في سوق الحميدية الدمشقيّ المسقوف.
يشعرُ الرجلُ ذو الشاربين الطويلين بأنه مكلف بمهمة، فيمازح الناس ويحاول إفراحهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشتدّ وطأتها عليهم بعد عقد من الحرب.
ويقول لوكالة فرانس برس “عملي الأساسي زرع الابتسامة على وجه الزبون، فأسقيه التمر الهندي بطرق مختلفة”.
ويُضيف كريميد المعروف بلقب “أبو محمد”، أن “المهم أن يغادر الزبون وهو سعيد، فمن يأتي إليّ غاضباً، يغادر من عندي وهو بحالة رضا”.
يجول يوميا في الأسواق القديمة حيث يبادره الزبائن لشراء كأس من الشراب المنعش والتقاط صورة تذكارية معه في أحيان كثيرة.
يرتدي كريميد اللباس الشعبي التقليدي، فيضع شروالا وقميصا مزركشا بالنقشات الشرقية ويعتمر طربوشا أحمر يخزن فيه الأموال التي يجنيها، آملاً أن يزدادوا الزبائن خلال شهر رمضان.
واعتاد البائع أن يضع النقود التي يتقاضاها تحت طربوشه بطريقة استعراضية، فيقلب الطربوش ليصبح بيده أشبه بوعاء يودع فيه العملات الورقية. أما العملات المعدنية، فيجمعها في زنار يلفّه حول خصره.
في منزله الذي تحوّل جزء منه إلى ورشة لتحضير التمر الهندي، يستعد كريميد لاستقبال شهر رمضان، فيحضر كميات إضافية من الشراب الشعبي الطازج الذي يعدّ أساسياً على موائد الإفطار في سوريا.
ويقول “التمر الهندي مشروب صيفي ورمضاني بشكل خاص، يساعد على ترطيب الجسم ومدّه بالطاقة والفيتامينات (..) لكن أسعار مكوّناته الأولية ارتفعت، وبالتالي زاد سعره”.
– “الأولوية للطعام” –
تشهد سوريا بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب أزمة اقتصادية حادة فاقمتها مؤخراً تدابير التصدي لوباء كوفيد-19. وما زاد الوضع سوءا الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور، حيث يودع سوريون كثر أموالهم، بينهم رجال اعمال.
ويزيد ارتفاع الأسعار من معاناة السوريين الذين ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على البنزين المدعوم ويشكون من الغلاء المتزايد.
ويخشى أبو محمد أن يتراجع عدد معجبيه وزبائنه جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية وشحّ المحروقات وصعوبة وسائل النقل، فضلا عن مضاعفات فيروس كورونا.
ويقول قبل أيام قليلة من بدء الصوم “شهر رمضان مختلف منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، نتيجة هموم الناس الاقتصادية والمعيشية، وفيروس كورونا (..) الناس يرتطمون ببعضهم في السوق وكأنهم مصابون بالدوار”
وأعلنت الحكومة السورية الأسبوع الماضي تقليص العمل في وزارات ومؤسسات عامة لعشرة أيام جراء التفشي المتسارع لفيروس كورونا والأزمة الاقتصادية، وفق ما ذكر الإعلام الرسمي.
كذلك أنهت وزارة التربية دوام طلاب المراحل الأساسية، وعلّقت الدروس في الجامعات.
ورغم الإجراءات الحكومية القاضية بتقليص العمل في العديد من المؤسسات العامة، بقيت الأسواق مفتوحة أمام حركة الزبائن، في ظل مخاوف من أن يؤدي فرض المزيد من تدابير الإغلاق إلى زيادة الأعباء الاقتصادية.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، لا يُخفي أبو محمد قلقه على المهنة التي يتم تناقلها عبر الأجيال في عائلته، ويقول “ورثتُ هذه المهنة عن أجدادي منذ أكثر من أربعين عاماً”.
ويُضيف أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية “أخشى أن يعطي الناس الأولوية للطعام والشراب على حساب عصير التمر الهندي”.