ليندا بلال – الناس نيوز :
باب الفراديس هي محاولة للبحث عن الهوية، محمّلة على شخصيات تاريخية وأخرى معاصرة، في رحلة تبدأ من فرنسا، قرب الحدود الألمانية وتنتهي في القدس بأحد مكاتب المخابرات الإسرائيلية على الجانب الآخر تنطلق تفاصيل خاصة عن حياة غيلان الدمشقي، برسم لوحة عن شكل الحياة والصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية، نهاية القرن السابع الميلادي. يُحمل غيلان ورفاقه فوق جغرافيا دمشق والبصرة وأرمينيا وحمص، وأخيرا وليس آخرا القدس.
ربما تمثّل الرواية صليباً ثبّتت عليه عشرات الأسئلة والطروحات الذاتية التي خلقت وولدت في رحم الثورة السورية، تلك الثورة التي تدفقت عبر مسامات النص مقدمةً هامشاً من جلادي الشعب السوري، ومروحة من حكايات الناجين والضحايا.
باب الفراديس ليست بكائية على أبواب دمشق، إنما محاولة متوسطة المقام لمواجهة تاريخ تلك المدينة الغارقة بدماء أبنائها.
تشكل رحلة المحلل النفسي عابدين حاملا دراميا لتفاصيل الحكاية.
ينطلق عابدين، الفار من الحرب الطاحنة في بلاده، برحلة البحث عن جذوره الدمشقية في فرنسا. بحث يغطيه البطل بدراسة جامعة لحياة غيلان الدمشقي، جده المزعوم. يواجه عابدين خلال رحلته نقص الموارد والمعلومات عن الدمشقي، فيلجأ لبناء شخصيته عبر قراءة ودراسة الشخصيات المعاصرة له.
يوحنا الدمشقي، عبد الملك بن مروان وأولاده مرورا بعمر بن عبد العزيز والحسن البصري ومعبد الجهني وجعد بن درهم وواصل بن عطاء. إضافة لدراسة التحولات التي مرت بها بلاد الشام والعالم القديم في تلك الحقبة الزمنية. يرسم البطل صورة جده المزعوم بحسب شجرة العائلة التي اكتشفها في بيت أهله خلال الهروب الأخير. صورة الجد محملة بملامح البطولة والتحدي والرفض والمواجهة خلافاً لصورة الحفيد الفار من الحرب ومن ماضيه.
خلال إقامته في مدينة ستراسبورغ الفرنسية يتعرف بعائلة يهودية تونسية تسكن البناء الذي يعمل ويعيش فيه. هنا يلتقي بالطرابلسي اليهودي المتقاعد وحفيدته تاليا التي تسكن معه بهدف استكمال دراستها في مجال العمارة.
تنشأ بين عابدين وآل الطرابلسي علاقة طيبة فهو من يهتم بالشيخ الذي يعاني من ارتدادات نفسية عنيفة. تلك العلاقة تدفع بتاليا لأحضانه، ثم تصبح جزءا رئيسا من حياته بالذات بعد وفاة الطرابلسي. وفاة الشيخ تدفع بعابدين وتاليا إلى الهرب من فرنسا قاصدين إسطنبول وهناك يعود جزء من تاريخ عابدين للحضور أمام ناظريه. فتكتشف تاليا علاقة عابدين القديمة مع رغد ورغبته بالانتقام منها. تجبره على السفر معها إلى القدس.
يوافق على السفر رغم سيل المفارقات والأسئلة التي تنفجر في رأسه السوري عن العلاقة مع إسرائيل، العدو والقوة الغاصبة. لكن الوصل والبحث في القدس حيث أقام وتوفي يوحنا الدمشقي صديق غيلان المقرب يغريه بالمغامرة. يكسر حاجز الخوف والقلق وينطلق إلى القدس. يكتشف بعد جهد بعض الوثائق المهملة بين أوراق يوحنا الدمشقي في دير مار سابا عن غيلان.
تؤكد تلك الوثائق ما كتبه عن جده. يسرق المخطوطات من مكتبة الدير ويقرر تهريبها إلى أوروبا خاصة بعد اكتشاف الأمن الإسرائيلي لعمله السابق في جهاز المخابرات الجوية في سوريا ضمن قسم الطيران الرئاسي. إلا أن تاليا تقرر التبليغ عن السرقة لعمها الذي يعمل في ذات الجهاز الأمني.
بشكل موازٍ لرحلة عابدين الباحث عن جده غيلان، يطل الأخير بحكايته. فصل لعابدين وآخر لغيلان المسافر في رحلة كفاح تبحث في الجبرية والقدرية وتنادي بالحق والعدل المفقود للمسلمين في الدولة الإسلامية الأموية. رحلة تنطلق بمقتل معبد الجهني وتوجيهات الحسن البصري.
صراع يشتد أو يلين حسب التغيرات السياسية التي مرت بها دمشق أيامها. تنمو الروح القتالة لغيلان مع وصول ابن عبد العزيز إلى رأس السلطة كأمير للمؤمنين فيختلق المزيد من العداوات له ضمن الأسرة الأموية تضاف لعداواته مع الفقهاء وبالذات عبد الرحمن الأوزاعي الذي رفض زواجه من شقيقته. يحاول رفاق غيلان من العقلاء كيوحنا الدمشقي والبصري منعه من الإيغال في الحرب المفتوحة على بني أمية وفقهاء ديوانهم إلا أنهم يفشلون.
يندفع غيلان لحتفه الشهير مقطعا ومصلوبا على باب شرقي. كاشفا موته الأبتر بعد طلاقه من زوجته الأولى وامتناعه عن الزواج بعد صد الأوزاعي له. يبقى عابدين غارقاً في مأزقه وغيلان في دمه كلٌ بزمانه وعصره ورغباته وأحلامه وأفكاره.
جابر بكر في سطور :
كاتب وباحث سوري من مواليد ريف دمشق ١٩٨٢ يكتب رحلتي عابدين اللاجئ السوري في فرنسا، وغيلان الدمشقي، يبحث معهما عن هوية السوري في بلاد الشتات. بكر الذي يبدو غاضبا من دمشق، إذا أحيانا يغازلها وأخرى يعاتبها وكأنما يسعى على طول الرواية لإحالة المدينة شيئاً من حجارة وطرقات وكفى. أيهزم روح المدينة أم يسقط صريعاً عند أعتابها؟