واشنطن – الناس نيوز ::
حصلت مجلة “نيو لاينز” على مستندات مسربة، تفيد بأن الاتحاد الروسي قدم قرضين إجماليهما مليار دولار أمريكي إلى سوريا، شرط أن تستخدم الأموال بشكل حصري لتدفع لشركات روسية خلال فترة ستة أشهر.
وجاء في التقرير الذي نشرته المجلة، الثلاثاء 5 أبريل/نيسان، أن الشركات الروسية المدرجة في الاتفاقية تتبع لشركتين مملوكتين لصديقي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جينادي تيمشينكو ويفغيني بريغوجين، المعاقبَين أمريكياً وأوروبياً لدورهما في تسهيل “الغزو” الروسي لأوكرانيا.
وتورط جيش بريغوجين المرتزق في مجموعة “فاغنر”، بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، بما في ذلك تعذيب وتشويه أحد الفارين من الجيش السوري.
ووفقاً للوثائق التي فحصتها “نيو لاينز”، فإن الشركات ستستفيد بشكل كبير من القروض، ما يشير إلى أنه ربما تم تصميمها من الجانب الروسي كمخطط للتهرب من العقوبات، وربما تم استخدامها بالفعل لهذا الغرض.
اتفاقية موسكو
في 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، وُقعت اتفاقية في موسكو مع النظام في سوريا ، تتضمن قرض تصدير بمبلغ 700 مليون دولار أمريكي، مع حصة لروسيا بنسبة 100% من إجمالي قيمة المواد الموردة والخدمات المقدمة.
وتشترط الاتفاقية استخدام المبلغ بالكامل بحلول 30 يونيو/حزيران 2021.
وكان من المقرر فرض غرامة بنسبة 1% على جميع الأجزاء غير المستخدمة من القرض بعد ذلك، ليتم دفعها باليورو أو الروبل كتعويض عن النفقات التي تكبدها الجانب الروسي.
تؤكد هذه الاتفاقية، التي تحدد الجهات المخولة مثل وزارة المالية السورية، ووزارة المالية الروسية، ووزارة التنمية الاقتصادية الروسية، والخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني، أن كلا الجانبين يتخذ جميع الوسائل اللازمة لضمان سرية المعلومات والمراسلات المرتبطة بالاتفاقية.
وقال المصدر الذي وفر الوصول إلى هذه الوثائق، إن الجانب السوري لم يكن سعيداً بهذه الاتفاقية بسبب شروطها غير المواتية، وإنه كان هناك “شعور بالإهانة من الجانب السوري، والإحباط من حقيقة أن السلع والخدمات الروسية لا يتم تسليمها كما اتُفق إلى جانب تجاهل الشكاوى المتعلقة بالتأخيرات”.
وأضاف المصدر أن “الكرملين” انخرط في مماطلة بيروقراطية لا داعي لها، وقام بإعادة التفاوض في اللحظة الأخيرة على الشروط والتلاعب في الأسعار، وعامل النظام السوري بشكل عام كقوة إمبريالية مستعمرة.
وجعلت العقوبات الدولية، والجفاف، وانخفاض قيمة العملة السورية، واحتياطيات النقد الأجنبي المتضائلة، و11 عاماً من الحرب، النظام السوري غير قادر على شراء السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والوقود من السوق الدولية.
واعتمد النظام على واردات النفط من إيران ومشتريات القمح من روسيا مع خيارات قليلة أو معدومة لتلبية الطلب المحلي، الأمر الذي جعله “محبطاً ومهاناً” في تعامله مع روسيا بموجب هذا الاتفاق، بحسب المصدر.
وأضاف أن الروس استمروا في إجراء تعديلات على الاتفاق حتى اللحظة الأخيرة، عندما كان الوفد السوري موجوداً بالفعل في طريقه إلى موسكو للتوقيع عليه، وتنفيذه.
من بين السلع الأساسية بموجب اتفاقية القرض القمح والبنزين وزيت التدفئة.
تهدد أزمة الخبز المستمرة بدفع سوريا إلى حافة المجاعة، مع تدهور الظروف المناخية وحرائق الغابات بسبب الحرارة الشديدة والجفاف، واحتراق عشرات الآلاف من المساحات المزروعة بالقمح على مدى العامين الماضيين.
وشهدت سوريا عام 2021 أدنى مستوى من إنتاج القمح منذ 50 عاماً، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ما أسهم بشكل أكبر في اعتماد سوريا على روسيا بالقمح.
ولم يتم تسليم القمح الروسي كما وعد به أو في الوقت المناسب، بحسب المصدر، الذي قال إن “بعض الاتفاقات المتعلقة بمشترياته كانت معلّقة منذ أشهر، لأن التوقيع من الجانب الروسي كان مفقوداً، والروس أخذوا وقتهم في ذلك، وكانت جودة القمح الروسي والسلع الأخرى المشتراة دون المستوى مقارنة بالمعايير الدولية”.
وأسهم النظام السوري وحليفه الروسي بفاعلية في تدمير البنية التحتية للبلاد عبر سنوات من القصف الجوي، فضلاً عن إحراق حقول القمح في بعض أجزاء البلاد في ذروة الحرب، عندما حاصر النظام المناطق غير الخاضعة لسيطرته.
كما يتضمّن ملف الوثائق المسربة الذي اطلعت عليه المجلة، تعديلاً على هذه الاتفاقية، الموقعة في أغسطس/آب 2021، لتمديد مهلة سوريا لمدة عام لاستخدام قرض التصدير وتخفيض مبلغه إلى 555 مليون دولار.
ولم يتضح على الفور ما إذا كان هذا التعديل قد جاء نتيجة لإخفاق روسيا المزعوم في تسليم البضائع والخدمات، كما ادعى المصدر.
وتضمّن الملف المسرب بالإضافة إلى القمح والوقود، قائمة بالسلع الأخرى، مثل السكر وأعلاف الدجاج وأكثر من 20 دواء صيدلانياً ومستلزمات طبية وقطع غيار أجهزة للمولدات الكهربائية.
ولا يوجد في الاتفاقية ما يشير إلى تسعير السلع والخدمات المقدمة لسوريا من قبل روسيا، أو ما إذا كانت السلع مسعرة بشكل تنافسي أو مرتبطة بالأسواق الدولية.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية تنص على تحديد جميع الأسعار بالدولار الأمريكي، فإن جميع مدفوعات القروض يجب أن تتم بالروبل أو اليورو، وفقاً لسعر الصرف الرسمي الذي حدده البنك المركزي الروسي.
وأكد المصدر أن روسيا يمكنها أن تطلب ما تشاء من حيث أسعار السلع والخدمات المعروضة على سوريا من خلال اتفاقية القرض هذه.
وأضاف المصدر أنه في أبريل/نيسان 2021، عرضت شركة القمح الروسية “”OZK القمح على سوريا بسعر 355 دولاراً للطن، بعد الاتفاق مع مجلس الوزراء السوري بسعر 340 دولاراً للطن. تفاوض الجانبان واتفقا في النهاية على 350 دولاراً للطن.
تظهر بيانات التسعير التاريخية أن القمح لم يُبع بأكثر من 257 دولاراً للطن في السوق الدولية في نفس الشهر.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، عرضت شركة “STG Engineering” القمح لسوريا بسعر 319 دولاراً للطن، عندما لم يكن سعر السوق العالمي للشهر أكثر من 283 دولاراً.
وقُدّم عرض آخر من قبل “OZK” في يناير/كانون الثاني مقابل 317 دولاراً للطن، عندما كان السعر الدولي لذلك الشهر دون 290 دولاراً للطن.
وتتضمّن الاتفاقية أيضاً قرضاً تمويلياً بقيمة 300 مليون دولار، وقائمة بالشركات الروسية بصفتها المتلقية الحصرية لسداد أقساط هذا القرض.
ولم ترد أي معلومات كتابية أخرى عن السلع والخدمات المشتراة من خلال هذه الشركات، لكن المصدر السري أوضح أن الغرض من السداد هو تصفية ديون سوريا، أو التزاماتها تجاه هذه الشركات. فبعض الديون هي لسلع وخدمات قدمتها روسيا في عام 2004.
وفُرضت عقوبات على “Rosoboronexport” و”KBP Instrument Design Bureau” من قبل الحكومة الأمريكية منذ عام 2014، وأفلست شركة “Vodstroy” في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
كما أُدرجت كل من شركتي “Evro Polis LLC” و “STG Engineering LLC” ضمن قائمة العقوبات الأمريكية.
وتعتبر شركة “Evro Polis” واحدة من العديد من الشركات المملوكة لبريغوجين، الحليف الوثيق لبوتين، الذي بدأ مسيرته المهنية باسم “طاهي بوتين”، في سانت بطرسبرغ كمالك مطعم، ثم بدأ لاحقاً إمبراطورية تموين تخدم “الكرملين” والجيش الروسي.
واتهم بريغوجين بالضلوع بشكل وثيق مع المخابرات العسكرية الروسية، عبر مجموعة “فاغنر”، وهي شركة عسكرية خاصة انتشرت في أوكرانيا وسوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.
لم يكن عمل “فاغنر” في سوريا من دون حوافز مجزية، إذ وعدت دمشق شركة “إيفرو بوليس” بـ25% من إجمالي الإيرادات الاستخراجية من حقول الطاقة التي تمت استعادتها من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفي عام 2018، شاركت مجموعة من مرتزقة “فاغنر” في غارة انتحارية على محطة “كونيكو” المحمية من قبل الولايات المتحدة في دير الزور شرقي سوريا.
وقال المدير السابق لمجلس الأمن القومي لروسيا وشؤون البلطيق والقوقاز في إدارة ترامب، جافين وايلد، إن القروض تظهر “العلاقة بين التهرب من العقوبات والجشع الخالص الذي يظهر إتقان بريغوجين الاستعمار الصريح لموارد الدول التي مزّقتها الحروب والتي لا يستطيع مواطنوها تحمل تكاليفها”.
تعود ملكية شركة “STG Engineering” إلى تيمشينكو، الملياردير والصديق الشخصي لبوتين، الذي انتقل إلى فنلندا للعمل لدى شركة “أورالز فنلندا أوي”، وهي مستورد روسي للنفط، وأصبح فيما بعد الرئيس التنفيذي للشركة في عام 2000.
في عام 2014، وضمن توقع للعقوبات الأمريكية بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم، باع تيمشينكو حصته بأقل من قيمتها الحقيقية لـ”تورنكفيست” في عام 2007، وأسس مجموعة “فولجا”، وهي شركة استثمارية تمتلك حصة 23% في شركة الغاز الطبيعي “نوفاتيك”، ثاني أكبر منتج للغاز في روسيا.
كما فرضت عقوبات أوروبية على تيمشينكو بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 و”غزوها” لأوكرانيا في عام 2022.
لم تقدم الوثيقة المعدلة أي توضيح أو إيضاح إضافي حول طبيعة المدفوعات السورية المطلوبة للشركات المدرجة.
وسيسدد كلا القرضين على مدى عشر سنوات على أقساط نصف سنوية، أحدهما في 15 كم نيسان والآخر في 15 من تشرين الأول من كل عام، بسعر فائدة يبدأ من 1.5% للسنة الأولى، و1.75% للسنة الثانية، و2% للثالث، و8% في عام 2033.
على الرغم من أن الملف الذي تم تسريبه لم يقدم أي وثائق حول مبلغ الأموال التي تلقتها بالفعل الشركات الروسية، فإن المصدر أخبر “نيو لاينز” أن شركة “KBP” قد تلقت بالفعل 25 مليون دولار على الأقل، وشركة “Evro Polis” تلقت مبلغ 55 مليون دولار، و20 مليون دولار لشركة “STG Engineering”.