واشنطن – موسكو – كييف عواصم ووكالات – الناس نيوز ::
بينما تكثّف القوّات الروسية عملياتها ضد ماريوبول (جنوب شرق أوكرانيا) حيث قُتل 20 ألف شخص على الأقلّ بحسب أوكرانيا التي دعا رئيسها اوروبا ألى التحرك بسرعة قبل أن تهاجم موسكو دولا أخرى.
وللمرة الأولى اتهم الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب “إبادة جماعية”.
وأعلنت موسكو صباح الأربعاء استسلام أكثر من ألف جندي أوكراني في مدينة ماريوبول الساحلية الإستراتيجية التي تحاصرها القوّات الروسية وتقصفها منذ أكثر من أربعين يوما.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان “في مدينة ماريوبول في منطقة مصنع إيليتش للتعدين (…) سلم 1026 عسكريا أوكرانيا من فوج البحرية الـ36 أسلحتهم طوعا واستسلموا”، مشيرة إلى أن بين العسكريين 47 امرأة و126 ضابطا.
وذكر البيان أن 150 من العسكريين مصابون بجروح وتجري معالجتهم في مستشفى ماريوبول.
وكان تقرير بثته قناة “روسيا 24” ليل الثلاثاء الأربعاء أفاد بأن أكثر من ألف جندي أوكراني في المدينة استسلموا. وأظهرت لقاطات رجالا ببزات مرقطة ينقلون جرحى على حمالات أو يتم استجوابهم واقفين في مكان أشبه بقبو.
ومن شأن سيطرة الروس على ماريوبول تعزيز مكاسبهم الميدانية على الشريط الساحلي المحاذي لبحر آزوف من خلال ربط مناطق دونباس بشبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا العام 2014.
وأكّد حاكم منطقة دونيتسك بافلو كيريلنكو في مقابلة مع شبكة “سي ان ان” الإخبارية الأميركية “مقتل ما بين عشرين و22 ألف شخص في ماريوبول”. وأقرّ بـ”صعوبة تحديد عدد الضحايا”، نظراً للحصار المفروض على المدينة.
ويبدو سقوط المدينة المحاصرة والمعزولة حتميا في نظر بعض الخبراء العسكريين، لكن بعد ستة أسابيع من المعارك، ما زالت القوّات الأوكرانية صامدة في تصديها للقوات الروسية. وتتركّز المعارك حاليا في المنطقة الصناعية الشاسعة في المدينة.
وأشارت القوّات البرّية الأوكرانية الأربعاء عبر تلغرام إلى أن القصف الجوّي الروسي متواصل على المدينة وهو يستهدف خصوصا المرفأ ومجمّع التعدين الشاسع “آزوفستال”.
ووجود مجمع صناعي ضخم في ماريوبول حوّلته القوات الأوكرانية إلى موقع محصّن ويضمّ مساحات تحت الأرض تمتد لكيلومترات، يعطي مؤشرًا إلى أن معركة السيطرة الكاملة على هذه المدينة الاستراتيجية ستكون ضارية.
– لا ممرّات إنسانية –
عاين مراسلو وكالة فرانس برس المواكبون لتنقّلات القوّات الروسية في ماريوبول الحطام المتفحّم في هذه المدينة التي يقول الأوكرانيون إنها “دمّرت بنسبة 90 %”.
ومنذ مطلع الأسبوع، تسري معلومات غير مؤكّدة حتّى الآن حول استخدام القوّات الروسية في ماريوبول أسلحة كيميائية. وقد اتّهمت كتيبة “آزوف” الأوكرانية تحديدا الروس بنشر “مادة سامة” تسبّبت باضطرابات عصبية وتنفسّية.
وصرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن “القوات الروسية قد تستخدم مواد لمكافحة الشغب مختلفة بما في ذلك الغاز المسيل للدموع الممزوج بمواد كيميائية” ضد “المقاتلين والمدنيين الأوكرانيين في إطار حملتها العدوانية للاستيلاء على ماريوبول”.
في المقابل، أكد نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف لوكالة “ريا نوفوستي” أنه بالنسبة لموسكو “التهديد بإرهاب كيميائي” يأتي من جانب الأوكرانيين.
ويتواصل القصف في شرق أوكرانيا حيث تخشى السلطات هجوما روسيا وشيكا واسع النطاق للسيطرة على دونباس وهي دعت المدنيين إلى مغادرة المنطقة التي تشكّل محط نزاع مسلّح منذ 2014 بين القوّات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا.
غير أن أوكرانيا لن تفتح ممرّات إنسانية الأربعاء، إذ إن “الروس عرقلوا مسير حافلات في منطقة زابوريجيا (الجنوب)” و”انتهكوا وقف إطلاق النار” في منطقة لوغانسك، “ما يؤدّي إلى خطر كبير على الطرقات”، بحسب ما أعلنت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشتشوك.
وكشف حاكم لوغانسك الثلاثاء أن نحو 400 مدني دفنوا في مدينة سيفيرودونيتسك وحدها منذ بداية الحرب في 24 شباط/فبراير.
من جهة أخرى، ذكرت النيابة العامة الأوكرانية الأربعاء أن عسكريين روسا قتلوا سبعة أشخاص رميا بالرصاص الثلاثاء في منزل بقرية في منطقة خيرسون بجنوب أوكرانيا، ثم فجروا المنزل. وقالت في بيان إن “التحقيق يفيد بأن العسكريين الروس أطلقوا النار على ستة رجال وامرأة في قرية برافدينه”.
وأضافت “لإخفاء الجريمة، فجروا المنزل الذي كانت فيه جثث الأشخاص الذين أصيبوا بطلقات نارية”.
ويرى محللون أن الرئيس الروسي الذي اصطدم هجومه على أوكرانيا بمقاومة شرسة، يريد أن يحقق انتصارا في دونباس قبل العرض العسكري الضخم في الساحة الحمراء في التاسع من أيار/مايو بمناسبة ذكرى انتصار السوفيات على ألمانيا النازية في 1945.
***وأظهرت صور وفّرتها شركة “ماكسار تكنولوجيز” الأميركية الخاصة والتقطها أقمار اصطناعية قوّات تتقدّم برّا نحو أوكرانيا من الحدود الروسية.
وفي منطقة خاركيف، في شمال شرقي أوكرانيا، قُتل سبعة أشخاص في غارات روسية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، بحسب حاكم المنطقة.
وقال أوليغ سينسغوبوف عبر تلغرام إن “سبعة أشخص قتلوا” و22 أصيبوا بجروح، مشيرا إلى أن صبيّا في الثانية من العمر أصيب قبل يومين في القصف توفّي متأثّرا بجروحه الثلاثاء في المستشفى.***
– “الأدلّة تتراكم” –
بالتزامن مع هذه التطورات، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أوروبا إلى التحرك بسرعة أكبر ضد روسيا، مؤكدا أنه يجب “إما وقف روسيا أو خسارة أوروبا الشرقية بالكامل”. وقال في خطاب أمام البرلمان الإستوني “إذا أضاعت أوروبا الوقت فسوف تستغل روسيا ذلك الوقت لتوسيع منطقة الحرب إلى دول أخرى”.
في واشنطن،اتّهم الرئيس الأميركي جو بايدن للمرة الأولى ليل الثلاثاء الأربعاء بوتين بارتكاب “إبادة جماعية” في أوكرانيا، وهو مصطلح سبق أن استخدمه زيلينسكي لكنه لم يصدر عن الإدارة الأميركية من قبل.
وقال بايدن لصحافيين في آيوا “نعم، قلت إنّها إبادة جماعية”، وذلك بعد ساعات من استخدامه للمرة الأولى هذه العبارة في خطاب خصّصه لجهود التصدّي للتضخم.
وأضاف “سنترك للمحامين على المستوى الدولي أن يقرّروا” ما إذا كانت الجرائم المرتكبة في أوكرانيا هي فعلاً إبادة جماعية أم لا، “لكن من المؤكد بالنسبة لي أنّ الأمر يبدو كذلك”.
وأشار إلى أنّ “الأدلّة تتراكم” على “الأمور المروّعة التي فعلها الروس في أوكرانيا”، توقّع أن “نكتشف المزيد والمزيد” عن حجم الدمار في أوكرانيا.
ورحّب الرئيس الأوكراني في تغريدة بـ”كلمات حقيقية لقائد حقيقي” لأن “تسمية الأمور بأسمائهم هو أمر أساسي لمواجهة الشرّ”، مطالبًا بتزويد بلاده “بأسلحة ثقيلة بشكل عاجل”.
وفي هذا الإطار، زار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان الأربعاء مدينة بوتشا الأوكرانية. وقال خان للصحافيين إن “أوكرانيا مسرح جريمة”. واذاف “نحن هنا لوجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد أن جرائم تدخل ضمن صلاحيات المحكمة ارتكبت”.
ويفترض أن يزور المستشار الألماني أولاف شولتس كييف لمناقشة “قرارات عملانية، بما في ذلك تسليم الأسلحة”، وفق ما صرّح أوليكسي أريستوفيتش مستشار الرئيس الأوكراني لمحطّة “تسي دي اف” الألمانية العامة.
وكان جو بايدن وصف بوتين من قبل بأنه “مجرم حرب”، خصوصا بعد العثور في أواخر/آذار مارس على جثث مئات الأوكرانيين في بوتشا في شمال غربي كييف تعود بحسب السلطات الأوكرانية إلى مدنيين “أبادهم” الروس الذين كانوا قد انسحبوا لتوّهم من المدينة.
ووصف بوتين الذي تنفي بلاده مسؤوليتها عن أي فظائع في أوكرانيا، الثلاثاء “الاتهامات الموجهة إلى الجنود الروس بارتكاب مجازر بحق مئات المدنيين في بوتشا، بأنها “مضلّلة”.
وتؤكّد السلطات الأوكرانية من جهتها أنها ما زالت تعثر على جثث كلّ يوم في محيط كييف.
وليس هناك حصيلة ضحايا مدنيين حديثة متوفرة حاليًا لكن العدد يتجاوز على الأرجح عشرات آلاف القتلى.
وأقرّ الكرملين مؤخرًا بتكبده “خسائر فادحة” لكن بدون إعطاء أرقام. وفي أواخر آذار/مارس، أعترفت موسكو بمقتل 1351 جنديًا من أصل 3825 جريحًا.
وأعلنت السلطات الأوكرانية الثلاثاء توقيف النائب والملياردير الأوكراني فيكتور ميدفيدشوك المقرّب من بوتين، ونشرت صورة له ظهر فيها بشعر أشعث ومكبّل اليدين مرتدياً بزّة الجيش الأوكراني.
وميدفيدشوك وهو من أغنى أغنياء أوكرانيا يثير جدلاً واسعاً بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطه بموسكو. ويعتبر بوتين من الأصدقاء الشخصيين لرجل الأعمال البالغ 67 عاما وهو عراب ابنته الصغرى داريا.
ومساء الثلاثاء، عرض زيلينسكي على روسيا “تبادل” ميدفيدشوك بالأوكرانيين المحتجزين لدى روسيا، في وقت تتعثّر المفاوضات بين كييف وموسكو.
وأخيرا، أعلنت بريطانيا بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي الأربعاء عن عقوبات تستهدف “178 انفصاليا روسيا” في شرق أوكرانيا إضافة إلى ستة من الأثرياء الموالين لروسيا.