ميديا – الناس نيوز ::
حسام جزماتي – الجمهورية نت – في السابع من هذا الشهر أصدر مجلس شورى الإخوان المسلمين في سوريا بياناً بمناسبة انعقاد دورته العادية الرابعة، بيّن فيه تفاصيل موقف الجماعة من التغيير الزلزالي الذي حصل في البلاد، قبل ثمانية أشهر، بسقوط نظام بشار الأسد.
بالانطلاق من المحددات الخارجية فإنه من المستغرب أن ترجئ الجماعة بيانها الشامل عن هذا الموضوع المركزي إلى الموعد السنوي لانعقاد مجلس شوراها وكأنه لا يستأهل دورة استثنائية، خاصة من جماعة كانت تنتظر هذه الإطاحة لأكثر من أربعين عاماً، بعد أن أجبرها الصدام مع حكم حافظ الأسد، في ثمانينيات القرن الماضي، على الخروج رسمياً إلى المنفى، عدا من واجه الإعدام أو دخل السجون من منتسبيها.
لكن الملاحظة الشكلية الثانية، التي لا تقل غرابة، تضعنا على طريق التفسير. وهي إغفال ذكر مكان الاجتماع في خاتمة البيان وفي الأخبار المرافقة له، وذلك جرياً على عادة سارت عليها الجماعة الملاحقة طيلة العقود الماضية، لأسباب أمنية كانت مفهومة. فيما كان من المتوقع أن تجتمع، هذه المرة وأخيراً، في العاصمة السورية.
ولعلّ تعذّر انعقاد الجلسة في دمشق، رغم التروي الطويل، هو السبب وراء عدم الاستعجال فيها حتى أصبح سقوط النظام، الحدث الذي مات كثير من الإخوان في الخارج وهم ينتظرونه، وكأنه أحد، أو أبرز، بنود جدول أعمال منظمة خيرية متقادمة.
في الحقيقة لم تقصّر الجماعة عن إبداء حماسها المتوقع للتغيير منذ حصوله. ففي الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024 أصدر مراقبها العام الحالي، عامر البوسلامة، بياناً بعنوان مستمد من أحد الأناشيد الإخوانية، هو «هلَّل الفتح المبين». وفيه حيّا البوسلامة السوريين «جميعاً» مرات عدة، مهنئاً إياهم بالنصر الذي أنجزه الشهداء والمعتقلون والثكالى والأرامل واليتامى، دون أن يخصّ فاتحي دمشق يومئذ بخطاب مباشر.
مذكّراً بأن الثورة اندلعت لإقامة العدل والحرية والحقوق، في سوريا حرة عزيزة لا يبغي فيها فرد على فرد ولا فئة على فئة. أما بعد أن أخذت الجماعة وقتاً، لا يبدو أنه كان سعيداً، فقد نص بيانها الجديد على تهنئة «الشعب السوري العظيم وسيادة الرئيس أحمد الشرع بهذا النصر». مؤكداً أن موقفها من العهد الجديد هو «موقف الداعم الناصح الأمين».
والحال أن الإخوان، ابتداء من جماعتهم المصرية الأم وحتى بعض شقيقاتها، لم يكونوا مرتاحين لحدوث الانقلاب السوري، الذي أخذ إعجاباً واسعاً في أنحاء العالمين العربي والإسلامي، على يد جماعة جهادية، وذلك لأسباب ثلاثة. فمن جهة أولى يتنافس الطرفان على القاعدة الاجتماعية والثقافية ذاتها. وكثيراً ما عاب الجهاديون على الإخوان سلميتهم التي مكّنت الطغاة من سوقهم إلى المشانق من دون مقاومة. وعلى الوقع المستمر لمرارة هزيمتهم الكبيرة في مصر إثر الانقلاب على رئيسهم محمد مرسي، في تموز (يوليو) 2013، وما تبع ذلك؛ فإنهم بالكاد يستطيعون الدفاع عن خياراتهم السياسوية أمام الشباب الغاضب الذي يشدّه السلاح.
وبالتأكيد فإن نموذجاً جهادياً ناجحاً سيزيد من حرج موقفهم المضعضع. وثانياً فإن الترحيب الدولي بهذه الجماعة الجهادية، السابقة هذه المرة، بث القلق في أساس كانت الجماعات الإسلامية «المعتدلة» قد استقرت عليه، وهو أنها الخيار المفضّل للولايات المتحدة الأميركية والحكومات الأوروبية لتقديم خطاب معقول ومتعايش يقطع الطريق على انتشار النزعات «الإرهابية». لكن ما جرى في سوريا قال، ومن دون مقدمات مطمئنة، إن الغرب ربما يتجه إلى أصل المشكلة فيحلها إن وجد لدى الجهاديين قابلية للسير في طريق جديد. وأخيراً فإن دولاً إقليمية كانت محسوبة على التيار المتحالف مع الإخوان سارعت، هي الأخرى، إلى مباركة هذا التغيير (الجهادي-المتحور) بالنظر إلى فاعليته ونشاطه بالمقارنة مع تؤدة الجماعة التي لا تتحرك إلا وفق بيروقراطيتها الخاصة.
كان الإخوان السوريون في قلب هذه الهواجس باعتبارهم «أم الصبي»، ولأنهم كانوا في الصف الذي وقف ضد نشاط القاعدة ومشتقاتها في البلاد، مصرّين على «الإسلام الوسطي» والعمل السياسي و«الجيش الوطني». لكن السعادة بالتحرير وبخروج سوريا من الاستعصاء المديد كانت أكبر بالطبع. انتظروا إشارات من الحكم الجديد لكنها لم تصل، فبادروا إلى فتح أبواب العلاقة ليجدوا جفاء يخصّهم بالذات بالإضافة إلى الاستخفاف العام الذي عوملت به كل هياكل المعارضة وأحزابها وجماعتها، مع رفض استقبالها ككتل بل كأفراد.
وفي ظل عدم صدور قانون للأحزاب تقبّلت الجماعة أنها ما تزال محظورة رسمياً، وأن القانون 49 لعام 1980، الذي يحكم على المنتسب إليها بالإعدام، لم يُلغ، وأن أعضاءها الذين زاروا البلد مطلوبون على الحدود التي تسمح بدخولهم أو خروجهم بعد الاتصال بجهة في دمشق. بمن فيهم مراقبها العام الذي قبل بحضور «مؤتمر الحوار الوطني السوري» بصفته الفردية.
وطوال الأشهر الفائتة تمسكت الجماعة بما أمِلت أنه شعرة معاوية. فلم تطرح تذمرها على العلن، وسارعت إلى إصدار بيانات تتوافق مع سياسات العهد الجديد في الأحداث المفصلية. فباركت «مؤتمر النصر» والقرارات الصادرة فيه، وأدانت «الأحداث التخريبية» التي «تحمل بصمات واضحة لفلول النظام الإرهابي البائد… وبعض الجهات الخارجية»، ودعت «الحكومة ومؤسسات الدولة القائمة إلى مزيد من الحزم وعدم التهاون مع الذين يسيئون استخدام الحريات»، وتبنت رواية السلطة في معارك الساحل في آذار (مارس) والسويداء في تموز (يوليو).
وفي بيانها الأخير قالت الجماعة أكبر قدر من «الكلام الصحيح». فأكدت على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وتمتع جميع مكوناتها بحقوق المواطنة في إطار وحدة التراب الوطني. ودعت إلى تبني خطاب العيش المشترك والابتعاد عن لغة التأجيج الطائفي، وإعادة بناء جسور الثقة «التي صدّعها النظام البائد»، وبناء ثقافة مشتركة تعمل على بناء السلم الأهلي. ورأت أن العدالة الانتقالية شرط واجب لهذا السلم وللاستقرار الذي يسهُل نوالُه بإشراك جميع المكونات السوريّة في بناء الدولة ضمن برنامج سياسي تعددي. وتعهدت بأنها ستبقى جماعةً سوريّة وطنية، مستقلة بقرارها، تسير في نهج إسلامي وسطي يهدف إلى بناء الإنسان والحفاظ على كرامته ومستقبله، وإنجاح عملية بناء الدولة المدنية الحديثة بمرجعية إسلامية.
بعث البيان رسائل طمأنة إيجابية إلى أطراف متعددة. إلى السلطة بتمني كل التوفيق والسداد لرئيسها وحكومته وحراكها الدبلوماسي والسياسي النشط على حد تعبيره، وبالتأكيد على أن الجماعة لا تطلب أي مشاركة وتكتفي بدور سدّ الثغرات في بناء الدولة الجديدة واستعادة دورها الإقليمي. وإلى الأقليات متفوهاً بحروف دون نقاط عن «السوريين الواعين» الذين رفضوا الحسابات الطائفية والتدخلات الخارجية تحت شعار حماية الأقليات. وبالاستناد إلى وثائقها المتراكمة منذ ربع قرن أقرّ المجلس وثيقة تعكس رؤية الجماعة للعيش المشترك في البلاد ومبادئ ضامنة لتحقيق سلم أهلي يشمل جميع السوريين، لا تتعارض مع «تاريخ شعبنا وأصالته وقيمه». وأخيراً باتجاه الدول المؤثرة التي خصص لها البيان بنوداً مستقلة للشكر على مواقفها المؤيدة للقضية السورية؛ تركيا وقطر والسعودية والأردن.
في هذا كله يبدو أن الجماعة تبحث عن مكانها الطبيعي تحت الشمس السورية بدل أن تعقد اجتماعها خارج البلاد. لكن يبدو أن المرسل إليهم مشغولون بشدة بسلّم أولويات مختلف، أو أن الإمعان في الوسطية يُضعف الرسائل إلى درجة التلاشي.
بيان مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
7 أغسطس، 2025
في دورته العادية الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
في دورته العادية الرابعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين…
في أجواء مفعمة بالأمل والفرحة بعد تحرير سورية، وبعد نضال طويل امتد لأكثر من نصف قرن تُوّج بالنصر المؤزر بدماء الشهداء وتضحيات الشعب السوري، عقد مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في سورية اجتماعه العادي الرابع في جوّ من التفاؤل بالمستقبل.
ونحمد الله أن مكننا من التخلّص من نظام الإجرام والاستبداد والتسلّط، ومن إيران وميليشيات القتل التابعة لها، وذلك بتوفيق الله عزّ وجلّ ثم بفضل صبر شعبنا وثباته على مبادئ ثورة الحرية والكرامة.
والمجلس يهنئ الشّعب السوري العظيم وسيادة الرئيس أحمد الشرع بهذا النصر، ويرجو له ولحكومته كلّ توفيق وسداد.
وقد ناقش المجلس المستجدّات الكثيرة على الساحة السورية والدولية، وما تقوم به الحكومة السورية من حراك دبلوماسي وسياسي نشط – تجدر الإشادة به – لإعادة سورية لدورها الإقليمي المؤثر، وإعادة الهويّة السورية لوضعها الطبيعي، ولفتح صفحة جديدة في تاريخ سورية القادم، وخلص إلى ما يلي:
1- يؤكّد المجلس على وحدة سورية أرضاً وشعباً، وبتمتّع جميع مكونّات شعبها بكامل حقوق المواطنة في إطار وحدة التراب الوطني، ويؤكد رفضه لسياسة التغيير الديموغرافي بكل أشكاله مهما كانت الظروف والمبررات.
2- كما يؤكّد المجلس أن موقف الجماعة من العهد الجديد هو موقف الداعم الناصح الأمين، الحريص على إنجاح عملية بناء الدولة المدنية الحديثة بمرجعية إسلامية، وأن الجماعة ستبقى دائماً تسدّد وتقارب، وتتلمس سدَّ الثغرات، إنجاحاً للثورة ومبادئها في بناء دولتنا الوليدة.
3- يؤكّد المجلس أنّ العدالة الانتقالية شرط واجب وأساس للسلم الأهلي والاستقرار المستدام في سورية، وهي وسيلة ناجعة لقطع الطريق على تجدّد النزاعات المسلحة؛ كما يؤكّد بالوقت نفسه رؤيته، أن الاستقرار يسهلُ نوالُه بإشراك جميع المكونات السوريّة بشكل فعّال في تنمية وبناء الدولة ضمن برنامج سياسي تعددي، وأنّ استشعار الأطراف السوريّة اليوم واطمئنانها أنّ الدولة – بعد المرحلة الانتقاليّة – تُبنى على أسُسٍ تشاركيّة تمثيليّة، وانتخابات نيابيّة تعدديّة حرّة، عاملٌ هامٌ في تثبيت الاستقرار.
4- يؤكّد المجلس أن تبني خطاب العيش المشترك، والابتعاد عن لغة التأجيج الطائفي، والدعوة لإعادة بناء جسور الثقة التي صدّعها النظام البائد، وبناء ثقافة مشتركة تعمل على بناء السلم الأهلي والاجتماعي، هي خير وسيلة لحفظ العباد والبلاد؛ ويغتنم المجلس هذه المناسبة ليحيّي السوريين الواعين، الذين تنبهوا ورفضوا الحسابات الطائفية وأعلوا صوت العقل منعاً للحروب الطائفيّة التي لا تبقي ولا تذر، وتفتح الأبواب مشرعة للتدخلات الخارجية تحت شعار حماية الأقليات. ومتابعة لهذا الأمر أقرّ المجلس وثيقةً تعكسُ رؤية الجماعة للعيش المشترك في سورية ومبادئ ضامنة لتحقيق سلمٍ أهليٍ واجتماعيٍ يشمل جميع السوريين، ولا تتعارض مع تاريخ شعبنا وأصالته وقيمه.
5- كما أكّد المجلس أن الجماعة كانت وستبقى كما عهدها الشعب السوري جماعةً سوريّة وطنية، مستقلة بقرارها، تسير في نهجها الإسلامي الوسطي، الذي يهدف إلى بناء الإنسان السوري، والحفاظ على كرامته ومستقبله.
6- يُدين المجلس العدوان الإسرائيلي المستمرّ على الأراضي السورية، وجميع المحاولات لتحقيق مشروعه وطموحاته في بلادنا.
7- يحثّ المجلس شعبنا السوري في المهاجر على العودة للوطن، ويدعو المجتمع الدولي إلى رفع نهائي وغير مشروط للعقوبات لإطلاق إعادة الإعمار وبدء التعافي الاقتصادي الذي يُمكّن المهجّرين من العودة لوطنهم والإسهام في إعادة بنائه.
8- يُحذّر المجلس من المشاريع الانفصالية التي تسعى إليها إسرائيل وبعض الدول.
9- كما يُحذّر المجلس من محاولات إيران العبث في استقرار البلاد، والتي ما زالت تقدّم دعمها لفلول النظام وأذرعها في المنطقة.
10- إنّ مجلس الشورى إذ يُحَيّي بطولات شعبنا الفلسطيني المجاهد في غزة والضفة الغربية، ويُحيّي صبره وصموده الأسطوري على أرضه، ليهيب بالشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم أن يقوموا بدورهم بمساندة الشعب الفلسطيني، لينال حقوقه كاملة على أرضه ووطنه، وأن يأخذوا دورهم في مكافحة المشروع الصهيوني، الذي يُعيد كتابة تاريخ المنطقة تحت شعار إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
11- يتقدّم المجلس بالشكر للجمهوريّة التركيّة الصديقة حكومةً وشعباً على وقوفهم إلى جانب الشعب السوري، واستضافتهم لما يزيد عن أربعة ملايين سوري، ونشكرها كذلك على دعمها المستمر وإسهاماتها الهادفة في استقرار سورية.
12- يشكر المجلس دولة قطر أميراً وحكومةً وشعباً على مواقفها المؤيّدة للقضية السورية في المحافل العربية والدولية وعلى دعمها الإيجابي والإنساني للشعب السوري.
13- ويُثمن المجلس دور المملكة العربية السعودية في مواقفها المؤيّدة والمساندة لشعبنا في ثورته واستثمار علاقاتها الدوليّة لرفع العقوبات عن سورية.
14- ويشكر المجلس المملكة الأردنية الهاشمية على دورها الإنساني في استضافة اللاجئين السوريين. والشكر موصول أيضاً لجميع الدول العربية والأجنبية التي وقفت مع حقوق الشعب السوري وقدّمت وتقدّم للّاجئين العون والتسهيلات للإقامة على أراضيها.
وفي الختام، يَودّ المجلس تذكير الشعب السوري بوحدة الصف، واجتماع الكلمة، واستشعار روح المسؤولية في هذا الظرف الدقيق الذي يَمّر به بلدنا. ونسأل الله عز وجل أن يُنعم على أهلنا في سورية بالأمن والسلام والازدهار، إنّه لما يشاء قدير.
قال تعالى: ((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا)). آل عمران “103”
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صفر 1447 ه، آب 2025 م


الأكثر شعبية

بيرلا حرب ملكة جمال لبنان 2025


اليمن بين خلافات الداخل وضغوط الخارج
