الناس نيوز – ميديا
في العام الماضي فازت برناردين إيفاريستو بجائزة البوكر البريطانية، لتكون أول امرأة سوداء تفوز بهذه الجائزة عن روايتها «فتاة، امرأة، وأخريات»، وهي الثامنة في جدول أعمالها. وكانت روايتها ترشحت أيضًا للقائمة القصيرة لجائزة غوردن برن البريطانية إلى جانب فوزها بالبوكر.
أدناه ملخص مقالة كتبته لصالح منصة آرفون ضمن سلسلة «القصص التي نحكيها»، حيث تتحدث إيفاريستو عن حياتها ككاتبة:
شعرت في كثير من الأحيان خلال مسيرتي أني مثل الحلزون الذي تجاوزه العديد من الأرانب. لم أحظ باهتمام إعلامي كامل حتى نشرت كتابي الثالث «طفل الإمبراطور» في عام 2001م. كنت قد بدأت الكتابة بشكل محترف – مسرح في البداية – منذ عام 1982م، ولم أتوقف قط عن الكتابة لأنني وجدتها ثرية ومجزية للغاية. أحببت أن يكون لي صوت في العالم من خلال إبداعي، وكان عليّ أن أعمق وأعزز إيماني بنفسي، لأنه، مثله مثل الموهبة، لابد من رعايته. حضرت دورات تنمية الذات. استمعت إلى أشرطة تحفيزية. في النهاية، أصبحت غير قابلة للإيقاف، وإذا كان الكتّاب يريدون مسيرة طويلة الأمد، فلابد أن يكونوا غير قابلين للإيقاف.
الكتابة من منظور فريد
نشأت في أسرة إنجليزية نيجيرية مختلطة العرق في منطقة بيضاء آنذاك في لندن، حيث كان يُنظر إلى أسرتي على أنهم دخلاء وتعرضوا للتحقير بسبب ذلك. وكان لهذا دور كبير في تشكيل اختياراتي الإبداعية ككاتبة طوال حياتي، ولن أغيرها من أجل العالم لأنها جعلتني الكاتبة الحالية. املك ماهيتك، واعرف أنك تستخدم خلفيتك، عن قصد أم لا، للكتابة من منظورك الفريد. الخيال والأفكار هي العضلات التي كلما استخدمتها كلما تحسنت. تأمل السباح البطل. تأمل تعلم اللغة. تأمل الطبخ والبستنة. تأمل عالمًا حائزًا على جائزة نوبل. كل شخص لديه خيال، والأفكار تطفو في كل مكان حولنا، يجب استغلالها وصقلها بطريقتنا الخاصة لتغييرها وتطويرها، ولن تنفد الأفكار مني لأني أمضيت حياتي في توليدها. في الواقع، لدي الكثير من الأفكار وأحيانًا أجد صعوبة في الاستقرار على فكرة واحدة فقط. كان هناك كتاب جديد يحوم بداخلي منذ اليوم الذي انتهيت فيه من المسودة النهائية لروايتي الجديدة «فتاة وامرأة وأخريات» في فبراير 2019م. كان عقلي مستنقعًا متزايدًا من الأفكار من وقتها، وكان عليّ أن أدون ملحوظات، مع العلم أنني سوف أعود لاستكشافها بشكل أكبر في نهاية هذا العام. في العام المقبل، حين أبدأ في كتابة الكتاب الجديد، سأختبرها وأرى ما هي الأفكار التي تثيرني أكثر من غيرها. أميل ككاتبة إلى التجريب وخوض المجازفات، لذا فإن أكثر ما يثيرني هو تلك الأفكار وطاقتها التي تُفسح المجال لهيكل البناء. الأفكار التي تشعر أنها أكثر جرأة.
أنا من النوع الذي يعيد كتابة رواياته مرارا قبل نشرها. وقد تمر رواياتي بأربع مسودات كاملة، وكل جملة أو تعبير أو فقرة تخضع لمراجعات عديدة قبل الوصول إلى أول مرحلة المسودة الكاملة. ماذا أعني بالعديد؟ 10 و20 و30 مسودة، حتى تصبح التغييرات دقيقة، حتى أعبث بعلامات الترقيم، حتى أشعر أنها سليمة. يرى القراء المنتج النهائي وقد يتصورون أن العمل كان سهل الكتابة، أليس كذلك؟ تبدأ في الصفحة الأولى حتى تنتهي الرواية وهذا هو كل شيء. لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة، بالنسبة لي، على الأقل. أسمع عن كتاب آخرين ينجزون روايات بسرعة تفوق سرعة الصوت. ومع ذلك، فإن الكتاب الطموحين سيتعلمون بسرعة القول المأثور بأن «الكتابة هي إعادة الكتابة».
ما يفوق الخيالات
كن على يقين بأن كتاباتك يمكن أن تتطور إلى ما يفوق خيالاتك إذا قضيت فيها ساعات وتقبلت ردود الأفعال التي تتلقاها، وكنت مستعدًّا للاستمرار في هذا الطريق الطويل. اسمحوا لي أن أعيد صياغة هذا الأمر وإن بدا شيئًا مهيبًا: إذا كنت مستعدًّا لرحلة مثيرة في إبداعك فاعلم أن هناك فراغًا ينتظرك لتملأه.
يحتاج المبدعون إلى احترام موهبتهم أو ستتعفن داخلهم. لقد عرفت الناس الذين تركوا الفنون في عشرينيات عمرهم ليأسفوا كثيرًا لذلك في الأربعينيات. ليس من السابق لأوانه اختيار وإعادة الانخراط في ممارسة فنية، ويمكننا الكتابة في أي عمر أو مرحلة في حياتنا. لم أندم أبدًا على اختيار الفن، على الرغم من أن ذلك كان يعني افلاسًا ماليًّا وحياة مهنية غير مستقرة في الكثير من مسيرتي المهنية. كنت معتادةً على عدم معرفتي في بداية العام ما إذا كنت سأتمكن من دعم نفسي حتى على المستوى الأساسي – السكن أو الطعام أو المواصلات وباقي هذه الأمور. أعلم أن هذا سيخيف معظم الناس، ولكن هكذا عشت حياتي واعتدتها. لم أكن مدعومةً من قِبل شريك أو الاعتماد على سخاء العائلة لأن عائلتي لم يكن لديها مال. في النهاية، تغير هذا الأمر وأصبحت شخصًا يتقاضى راتبًا كأستاذ جامعي للكتابة الإبداعية، لكن الأمر استغرق حوالي ثلاثة عقود.
لقد رأيت كتابًا طموحين مهزومين بسبب رفضهم وهو أمر لا مفر منه بالنسبة لمعظمنا في مراحل ما من مسيرتنا المهنية ككتاب. إما أن تتحطم وتتوقف عن الكتابة، أو تزيد من تصميمك على تحسين مهاراتك وقصصك وتُظهِر عملك. المرونة هي واحدة من أهم الصفات بالنسبة للكاتب لأنها تعني أنك ستطور الموارد الداخلية لتستمر في مواجهة جميع التحديات التي لابد ستطرحها عليك الحياة، والحياة الفنية يمكن أن تكون مترنحة غير ثابتة، على أقل تقدير. النجاح الفوري لا يعد الناس لمواجهة العقبات المقبلة. أنت وحدك تعرف مدى مرونتك عند اختبارها، عندما تُحبط أحلامك وخططك ولا تزال ترفض الاستسلام.
إذا لم تتجسد وتتحقق منشوراتك أو منتجاتك أو عروضك، الفنية، وكان شغفك هو الكتابة، فافعل ذلك. حتى لو كان ذلك لنفسك فقط، لعدد قليل من الأصدقاء، أو مجموعة الكتابة الخاصة بك، أو عرض أو مدونة أو نشر ذاتي. ربما ستصل يومًا ما إلى جمهور أوسع، إذا كان هذا هو ما تريده. ربما ستدرك في مرحلة ما أنك لا تشعر بالحماسة الكافية للكتابة والاستسلام لأنك قد فقدت حبك لها أو وجدت شكلًا فنيًّا آخر تفضله، أو تدرك أنه قد أغواك بريق كونك كاتبًا والواقع لا يتطابق. أطلب من طلابي أن يأخذوا خطوة للخلف، ليس عندما يسقطون، ولكن بمجرد أن يشعروا بأنهم على وشك السقوط. أنا أفعل ذلك طوال الوقت وألجأ إلى موقف إيجابي في عقلي. إنني أتحدث عن كل ما أزعجني في حياتي المهنية: الرفض والتهميش والخداع والفظاظة، وأتذكر ما كنت أقوله لنفسي: يومًا ما. يومًا ما.
——————————————————————–
النص منشور بالإنكليزية على هذا الرابط.
ترجمه كاملا جابر طاحون لصالح مجلة الفيصل