سلوى زكزك – الناس نيوز::
شهدت المدن السورية حركة استقبال واسعة لآلاف القادمين من أوروبا وأمريكا وأفريقيا أيضاً، لقضاء عطلة الصيف والاحتفال بعيد الأضحى مع الأهل والعائلة.
يعلق المتابعون للحدث الكبير بأن توقف إجراءات منع السفر بسبب جائحة الكوفيد كانت السبب المباشر لهذه الحركة الواسعة، لكن الشوق قضية واضحة وغير قابلة للنفي، على الرغم من الأوضاع المأساوية التي سيعيشها القادمون، وخاصة الغلاء المهول وانقطاع الكهرباء والمحروقات وصعوبة تأمين كل أساسيات العيش الطبيعي.
كانت أغلب الردود على سؤال لماذا جئتم؟ هو الأهم! ليس مجرد اللقاء ولا الشوق فقط، بل الشعور بأن الوحدة قد أقضت مضاجع الأهل، رغم المساهمات المالية التي كان يقوم الأبناء بإرسالها ولابد من كسرها بالقدوم الفيزيائي، ثمة من يعتقد شبه جازم، بأن الزمن قد لا يسمح له برؤية ذويه مرة أخرى قبل رحيلهم، خاصة الأهل كبار وكبيرات السن أو المرضى، وثمة من عاد ليرتب أموراً إدارية، أو ترتيب وضع ملكياته وربما بيعها أو تنظيم وكالات قانونية لمتابعتها.
بعض الشباب والشابات جاؤوا للخطبة أو لإتمام الزواج، والبعض الآخر لم يتمكن من دخول سوريا، التقى مع أهله في لبنان! عائلة واحدة من ريف حمص الغربي مكونة من عشرين شخصاً ذهبت إلى لبنان لملاقاة ولديها، وتم هناك زواجهما كما تمت عمادة حفيدي العائلة أيضاً، واللافت وربما ما يدعو للضحك أو للبكاء، أن مراسم الزواج والأفراح تخللها ثلاثة مواعيد للسفارات، تكلل أحدها بالنجاح وسافر صاحبها فوراً إلى فرنسا، وعاد الاثنان الباقيان لينتظرا قرار السفارة، وسافر العروسان إلى بلدهما الجديد. إذن هي مواعيد للرحيل كما للقدوم، والقلب لا تكتمل أفراحه ليعاد فتح جراح الغياب من جديد.
إذن هي مواعيد للقاء والزواج والخطوبات، لكنها أيضاً مواعيد لتوديع الأهل الكبار في السن، وكأنه وداع أبدي، وكأن لوعة الموت تصير أقل بعد لقاء مهما كان قصيراً، هي زيارات لترتيب قضايا عقارية ومالية مؤجلة، أو لتسوية مشكلة إرثيه أعاقت وصول الحقوق لمستحقيها، ولابد من ذكر قدوم البعض من أجل العلاج والعمليات الجراحية وعلاج الأسنان وخاصة التجميلي، لارتفاع كلفتها خارجاً ولتأخر مواعيدها، وبعضهم قام بحجز استباقي لمواعيد يومية متتابعة قبل قدومه.
على أرصفة دمشق لقاءات مرحبة بالقادمين والقادمات، لا أحد يسأل عن حال البلد وأهله، فالأخبار قد وصلت كاملة والصورة واضحة، لكن الأسئلة تدور عن أهل البلد خارجاً، صرخة ترحيب قوية بجواب: فلان حصل على الجنسية، عبارة برافو ممزوجة بالاحتفال تتبع جملة فلان قدم أوراقه للحصول على الجنسية، والأسئلة الأكثر إلحاحاً كيف لنا بالمغادرة؟
حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بصور الأفراح والليالي الملاح والمباركات والمطاعم والرحلات الجماعية والعائلية، كما حفلت البيوت بأعداد من أهلها وساكنيها القدامى فعمرت بما فقدته حتى كادت أن تصرخ طربا.
حتى باعة الخضار واللحامون وأصحاب محال البقالة، رحبوا بحفاوة بالغة بالقادمين والقادمات، نشطت حركة البيع، ثمة شباب وشابات في الأسواق يحملون كميات كبيرة من المعلبات لتخزينها في بيوت أهاليهم حرصاً على أمنهم الغذائي، تمت دعوة أعداد كبيرة من الأقارب لحفلات الزواج والخطوبة، وأقيمت احتفالات لم تكن تجرى من قبل لأعياد الميلاد وكأنها مناسبة للقاء وتعويض طول الغياب، ولتكثيف الحضور والتواصل في زمن قصير.
في مواسم الرجوع يغدو الزمن علامة حاسمة ومربكة، يبلغ الخوف من إعادة الرحيل وتبعاته من وحدة وقلق وهجران وربما نسيان ذروته، يصير الغضب سلوكاً لحظياً ومتسارعاً، كل تفصيل يدعو للغضب، وكل تفصيل يدعو لسؤال كيف لي أن أترك أحبتي وأهلي هنا بين براثن فقدان وغياب وغلاء كل شيء.
تتبخر الأموال سريعاً، تتبخر الراحة بشكل أكثر سرعة، والدهشة ضئيلة أمام الشعور الغامر بقسوة الحياة، وكأن الحياة باتت فعلاً موازيا لموت بطيء ومستمر.
في مواسم الرجوع، يغدو سؤال العودة عدواً للمكان والزمان، إلى أين ستعود؟ ومتى ستعود إلى هنا، لا العودة مغلفة باليقين ولا الشوق مغلف بالإمكانية.
هي بلاد بلا مواعيد، هي مواسم بلا عناقيد، هي نحن وهم والشوق واحتمالات الفراغ.