ميشيل سيروب- الناس نيوز
الرواية عن أربع شخصيات نسائية، ومحطات دامية وحروب بارزة وصراعات فاجعة. قرن من الزمن والشرق ينتقل من حرب إلى أُخرى. الحرب الأولى عام1914، ومذبحتي الأرمن والآشوريين عام 1915، الحرب الكونية الثانية1939 إلى احتلال فلسطين عام 1948، إلى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976، ثُمَّ الحرب الأهلية السورية عام 2011، الرواية عن المهووسين بالسلطة والمتعطشين للدماء عن رجال مُحبطين، والضحية كما جرت العادة: المرأة. لا توفر الروائية جمانة حداد جهداً لإدانة أبناء هابيل وقابيل، والوقوف طويلًا أمام لعنة الجغرافيا في الشرق الأوسط واختلاف المذاهب والأعراق والديانات. هل العنف حكرٌ على هذه المنطقة بغطاء البطولة المزيفة؟ تتسأل الكاتبة دون أن تُقدم لنا جوابًا شافيًا. تراجيديا إنسانية عن مذبحة بدأت في عنتاب هُناك كان العثمانيون ينتقمون من النساء”من الجزء المُعيب من الجسم، في ذلك الجزء المعيب من الجسم تبدأ المذبجة”ص26.
في المحطات التي تتوقف عندها الرواية، الرجال هم من يخوضون الحروب والنساء يخسرن الأحبة. تُحصي الكاتبة مواقف عديدة يتم فيها تعنيف المرأة: حيثُ نشهد حالات انتحار وتحرش، وجنون، وخيانات زوجية، وبؤس وشقاء تحاول كل أم أو خياطة بدورها أن تُلملم جراح العائلة المكلومة، لأن الموت أصبح منظراً مألوفاً لدرجة لم يَعُد يستدعي أي رد فعل. تتحول الذاكرة لدى تلك النسوة، إلى أعمار التيه والإهانة والانحلال والضياع، إلى هذا المآل تقودنا جمانة حداد، كي نُدين الحرب والكراهية. بألم تتحدث سيرون ماركاريان، إحدى شخصيات الرواية، الجدة الأولى بأنه” من المؤلم أن نقيس الزمان والمكان بعدد الأحبَّة الذين خسرناهم”ص61. في الرواية توأمة بين فلسطين وأرمينيا، كلاهما يتحولان إلى مستقبل من الأجيال المفجوعة بمصائر القتلة. المصير الغامض لكلا الشعبين يتعثر ببلد(لبنان) يشهد حرباً أهلية بين الأخوة، تتعقد العلاقات وتبرز العصبيات بعيداً عن مفاهيم المواطنة والحرية. في ظروف الحرب الأهلية اللبنانية وغزو “الشقيق الأكبر” تُحاول الروائية أن تكتب بموضوعية وبحياد عن تنامي الطائفية والقتل المتبادل في مدينة كانت ذات يوم باريس الشرق. لكن، هل يستطيع الإنسان أن يكون موضوعياً وهو يكتب عن الأحقاد الدفينة والحرب والمدن المدمرة؟ الرواية عن اِغتيال رفيق الحريري ومظاهرات الاِستقلال ضد “الِاحتلال الشرعي”، عن اِغتيال المفكر الحُر جبران تويني، وسمير القصير الصحفي الشجاع اللذين كانا يعملان على إحصاء مُرتكبي الجرائم في حاضر وماضي لبنان. الرواية عن شيرين، حفيدة سيرون، التي تتزوج من طبيب أسنان سوري ويسكنان حلب ثُمَّ اللاذقية، وشهاداتها عن قتل المدنيين وموت المزيد من الأطفال في الشوارع الخلفية بعد اِنتفاضة درعا. تُدين شيرين موقف المسيحيين الذين اِقتنعوا بأن النظام المعادي للإسلاميين هو خير حماية لهم! وبهروبها من حلب إلى عنتاب مع زوجها وابنتها بعد اِشتداد المعارك بين المعارضة والنظام، تتلقى شيرين صدمة جديدة بعد زواج ابنتها(جميلة) من بشير، العضو في تنظيم الدولة الإسلامية. وتتحق نبوءتها بأن كل من يحمل اسم بشير مجرم: بشير كيزلار آغا الذي كان أحد أبطال المجزرة الأرمنية وقاتل أقارب جدتها الأولى سيرون، وبشير الجميّل عدو الفلسطينيين، وبشير زوج جميلة الذي يُقتل في معارك كوباني. في نهاية الرواية تُنفذُ جميلة عملية انتحارية بمخفر للشرطة التركية، وككل الروايات القابلة للتأويل: هل اِنتقمتْ جميلة لجدتها الكُبرى سيرون ولشرف العائلة الأرمنية أم اِنتقمتْ لزوجها بعد أن اِعتنقتْ الإسلام؟ يقول دوستويوفسكي في مَعرض حديثه عن الحياة” ليس علينا أن نتفهم الحياة علينا أن نعيشها”. من الصعوبة بمكان تفهم معاناة تلك النسوة، جيلاً بعد جيل، لكنهن جميعاً عُشن الحياة بكل جوارحها وآلامها. تقدم جمانة حداد سِير أربع شخصيات روائية حقيقية ومُتخيلة”كملكات”، كي تُدين الحرب في شرق مازال مُلتهبًا، يستوطن فيه الألم والضياع ومتاهات الحياة، لا يُجيد الرجال فيه أبجدية الحب والجمال.
——————————-
*بنت الخياطة الرواية الأولى لجمانة حداد. صادرة عن دار هاشيت أنطوان-بيروت.
**كاتبة ومترجمة وناقدة وصحفية لبنانية. من مواليد عام 1970،ناشطة نسوية في سبيل العدالة والمساواة بين الجنسين، من أعمالها الأدبية: الجنس الثالث، سوبرمان عربي، هكذا قَتلتُ شهرزاد، وعودة ليليت. لها أعمال مترجمة إلى لغات عالمية عديدة. نالت الأديبة جمانة حداد عدة جوائز في عالم الأدب.