فراس علاوي – الناس نيوز ::
دخل الغزو الروسي على أوكرانيا، شهره الثاني ، وسط عقوبات غير مسبوقة على نظام بوتين طالت جميع مناحي الحياة، بدءاً من الطيران وصولاً للماكدونالدز .
هذه العقوبات كلها لم تمنع بوتين من الاستمرار بغزوه العسكري لتحقيق أهدافه التي وضعها، وفي مقدمتها الإطاحة بحكومة زيلنسكي، ودعم قيام حكومة موالية لموسكو، وبالتالي تأمين النطاق الحيوي لموسكو من خلال عدد من الحكومات الموالية لها من جهة، وتحقق مشروع بوتين بالتعاون الأمني لمواجهة تمدد الناتو شرق أوربا.
كثيرة هي الأسباب التي دعت بوتين للتصعيد في أوكرانيا، ولعل أبرزها هو عدم رغبته بوجود حكومة ديمقراطية ومارقة في محيطه الحيوي، قد تكون رأس حربة في حرب الغرب ضده، وبالتالي توجيهه ضربة استباقية لمشروع التوسع المزعوم للناتو، إذ لا يرغب بوتين برؤية صواريخ الناتو على تخوم موسكو، ( نظرية ساقطة جغرافيا ) وهو الذي خاض حرباً عدوانية في سوريا إلى جانب نظام الأسد ، للعودة للساحة الدولية من جهة وللضغط على الولايات المتحدة في منطقة نفوذها بالشرق الأوسط، بعد أن شعر بالخذلان في العراق وليبيا.
هل لدى روسيا قدرة وقوة على المنافسة في الاقتصاد الدولي ؟ هل لديها البيئة الاستثمارية المرنة المحمية بقوانين واقعية ؟
يبدو بوتين الآن تحت ضغط تأخر العمليات العسكرية في تحقيق أهدافها بالسرعة المطلوبة، والمقاومة الأوكرانية الناجحة حتى الآن سواء كان بعملياتها على الأرض أو بالمعركة الإعلامية، إذ سرق الرئيس الأوكراني زيلنسكي الأضواء من خلال ظهوره المتكرر ورسائله التي تستهدف الشعوب قبل الحكومات، النجاح الذي أحرج الروس وجعلهم في موقف المدافع والمبرر من جهة.
ووقع العقوبات الغربية المشددة والمتسارعة والتي اظهرت توحداً لم يحدث منذ زمن بين أوربا التي استيقظت على إيقاع تهديدات بوتين النووية، وأمريكا التي تراجع دورها خلال حقبة أوباما، خاصة في الشرق الأوسط الدور الذي يشهد عدم رضى إسرائيلي خليجي باعتبار أن إدارة بايدن تعتبر بشكل بأخر امتداداً لحقبة أوباما الكارثية على سياسة أمريكا في الشرق الأوسط.
لا يبدو وضع بوتين جيداً ، داخلياً وخارجياً ، في ظل هذه التطورات المتلاحقة، خاصة مع تراجع أهمية التهديد بقطع الغاز والنفط عن أوربا، بسبب اقتراب فصل الصيف وبحث الأطراف الأخرى عن بدائل ممكنة، لذلك فإنه سيجد نفسه مضطراً للذهاب للتصعيد بصورة أكبر لإجبار الأطراف الأخرى على تقديم تنازلات تمنع الذهاب لتصعيد واسع وصدام محتمل مع الناتو في بولندا وشرق أوربا، وبالتالي ينتظر بوتن قراراً من بايدن وحلفاؤه بالتراجع عن التصعيد العسكري والبحث عن حل تفاوضي ينقذ ماء وجه الأطراف المتصارعة ويرضيها، بحيث لا يخرج أي طرف خاسر بصورة مطلقة.
لعل انتظار بوتين والذي يعتمد بصورة أساس على الفترة الزمنية التي يحتاجها لتحقيق سيطرته على أوكرانيا، وعامل الوقت لظهور تأثير العقوبات على روسيا والتي يبدو أنها قد استعدت في بعض جوانبها لتأثيراتها، إذ بدا تأثير هذه العقوبات على أوربا والولايات المتحدة بأثر عكسي، وبصورة أسرع الأمر الذي أحرج إدارة بايدن مع ارتفاع أسعار النفط، وفقدان بعض المواد في الأسواق الأوربية، والتي جعلت الدول الأوربية وفي مقدمتها ألمانيا تنظر إلى جدوى تلك العقوبات وتأثيرها، هذا الانعكاس دفع إدارة بايدن الديمقراطية للتراجع في مناطق أخرى، من أجل تأمين إمدادات سريعة للنفط والغاز من دول أخرى، كالجزائر والخليج وفنزويلا التي أصبحت بديلاً واقعياً للولايات المتحدة عن النفط الروسي.
في المقابل تنتظر إيران بعين المراقب دورها في الانفراجة الأمريكية تجاه أعداء الأمس، وتتوقع استعجال أمريكي في توقيع اتفاق نووي معها، بسقف منخفض، للتعجيل بالاستفادة من النفط والغاز الإيراني لتعويض النقص الذي تسببت به العقوبات على روسيا، بغية عدم تصدع التحالف الأمريكي الأوربي وزيادة العقوبات.
هذا التقارب المزمع مع إيران أحرج إدارة بايدن أمام إسرائيل ودول الخليج، خاصة السعودية والإمارات والتي بدت في موقف محايد مما يجري في أوكرانيا وذلك تعبيراً عن غضبها من سياسات إدارة بايدن تجاه الحرب في اليمن وإيران، ما يعني أنها أي إدارة بايدن في مأزق بدأت ملامحه تظهر.
هذا المأزق يبدو أن مفاتيح حله توجد بيد الكرملين، في فائدة متبادلة من خلال الجلوس لطاولة المفاوضات وتقديم تنازلات ترضي جميع الأطراف، وعدم الذهاب بعيداً في صدام مفتوح يخسر فيه الجميع، وهذا ما يدفع للسؤال من سينقذ من في أوكرانيا؟ بوتين الذي أصبح محشوراً في زاوية العقوبات الغربية أم بايدن الذي بات يقع على كاهله تأمين بدائل للمنتجات الروسية والأوكرانية، من أجل عدم حدوث كساد اقتصادي وارتفاع في الأسعار، ما سيجبر الحكومات لإيجاد حلول مؤقتة قد تؤدي لتفكك التحالف الغربي ضد روسيا، وبقاء الصين بموقف المتفرج غير المتضرر من هذه العقوبات بشكل كبير وبالتالي تراجع استراتيجية الولايات المتحدة بتحييد المخاطر، من أجل التفرغ لصعود الصين كقطب آخر ينهي الزعامة الأمريكية للعالم، ويشاركها في السيطرة عليه وإدارته.