موسكو – الناس نيوز ::
منذ قرابة عقد يأتي الزوار إلى متحف تريتياكوف للتمتع بمشاهدة أيقونة “الثالوث” أشهر الأيقونات في روسيا والتي رسمها أندري روبليف في العصور الوسطى.
ووفقا لـ”وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب” تعد هذه اللوحة التي رُسمت قبل 600 عام تقريبا وتصور ثلاثة ملائكة، أحد أشهر الروائع الفنية الروسية في العالم.
لكن الرئيس فلاديمير بوتين سلم الشهر الماضي الأيقونة التاريخية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، في مؤشر جديد على تعزيز الروابط بين الكرملين والقادة الدينيين.
أثارت تلك الخطوة انتقادات من خبراء الترميم والمؤرخين الفنيين الذين حذروا من أن هذه الأيقونة السريعة العطب قد لا تنجو خارج جدران متحف تريتياكوف.
وجاء تسليم الأيقونة مع دخول الهجوم الروسي على أوكرانيا عامه الثاني، ودعم البطريرك كيريل للهجوم وقوله إن الموت في أوكرانيا “يمحي كل الخطايا”.
وحذر ليف ليفشيتس، أحد كبار المؤرخين الفنيين من أن أيقونة الثالوث، يمكن أن تُدمر وقال إنه يعتقد أن قرار تقديمها للكنيسة سياسي.
وقارن ذلك بحالة شخص مريض.
وقال “إذا أُخرج مريض في حالة حرجة من وحدة العناية المشددة فجأة، ماذا سيحصل برأيكم؟”.
ويعتبر بعض المراقبين السياسيين خطوة بوتين قرارا روحيا أملاه الوضع الصعب على خطوط الجبهة الأمامية في أوكرانيا.
وأوضح المحلل السياسي غيورغي بوفت “لم يتحقق نصر بعد … كل ما يبقى لبوتين طلب المساعدة من الله”.
ومع تأخر حسم الحملة العسكرية التي تشنها موسكو في أوكرانيا، تتزايد رغبة السلطات الروسية في وضع الهجوم في سياق ديني.
رُسمت الايقونة لما يعرف الآن بدير “الثالوث لافرا للقديس سيرغيوس” في بلدة سيرغييف بوساد قرب موسكو.
بعد الثورة البلشفية في 1917، نقلت السلطات السوفياتية العمل الفني إلى متحف تريتياكوف عام 1929.
قالت الكنيسة إن الأيقونة ستُعرض أولا في “كاتدرائية المسيح المخلص” في موسكو قبل إعادتها إلى الدير التاريخي في سيرغييف بوساد. ويؤكد المسؤولون الدينيون أن لديهم كافة السبل للحفاظ على الأيقونة الثمينة.
وهذه ثاني مرة يُقدم فيها كنز وطني للكنيسة في الأسابيع الأخيرة.
وأعلن متحف هيرميتاج في سان بطرسبورغ إن ديرا روسيا سيتسلم التابوت الفضي لألكسندر نفيكسي، الأمير والبطل القومي من القرون الوسطى.
وقال مدير المتحف ميخائيل بيوتروفسكي الذي أشاد بالهجوم على أوكرانيا، إن القرار خطوة صحيحة “في هذا الوقت الجيوسياسي”.
وأضاف أمام الصحافيين “الأهمية المقدسة للقطعة أكبر من قيمتها الفنية”.
– ساعد أمراء روسا –
في مؤشر على أن الكنيسة لن تتسامح مع المعارضة، أقال البطريرك كيريل رجل دين يرأس مجلس خبراء بطريركية موسكو لشؤون الفنون الكنسية، وحظره من الكهنوت بعد أن قال إن سلامة الأيقونة هي الأهم.
ومتحدثا إلى وكالة فرانس برس قبيل إقالته قال رئيس الكهنة ليونيد كالينين إن “المكان الصحيح لها هو الموقع الذي رُسمت من أجله”.
وواقفا في كنيسة مزخرفة في موسكو رحب الكاهن بحقيقة أن بوتين، الجاسوس السابق في كي جي بي، “يلجأ إلى معابد في الأوقات الصعبة والمصيرية”.
وبإعادة الأيقونة إلى الكنيسة يريد بوتين “إعادة روسيا إلى جوهرها”.
سعى بوتين لتصوير الهجوم في أوكرانيا على أنه معركة ضد الغرب المنحلّ واستخدم شعارات دينية لحشد الدعم.
وقال الكرملين إنه خلال زيارة نادرة إلى جنوب أوكرانيا المحتل في نيسان/أبريل، قدم بوتين للجنود نسخة من أيقونة تاريخية.
ويرى مؤرخ الفن ليفشيتس إن أيقونة الثالوث ساعدت حكاما روسا في أوقات عصيبة.
وقال إن “التأمل في (أيقونة) الثالوث للرسام روبليف ساعد أمراء روسا في تجاوز عداوات”.
تقول الاسطورة الشعبية إن جوزيف ستالين، الدكتاتور خلال فترة الاتحاد السوفياتي الملحد، سعى أيضا لمساعدة إلهية في المعركة ضد ألمانيا النازية.
وتضيف الحكاية الشعبية أنه في محاولة لإنقاذ موسكو من القوات الألمانية الزاحفة في 1941، حلقت طائرة تحمل أيقونة فوق العاصمة الروسية. بعد عامين التقى ستالين بقادة دينيين وبارك التعاون بين الكنيسة والحكومة السوفياتية.
– مخاطر غير مبررة –
غادرت الأيقونة، أكثر أعمال روبيليف شهرة، متحف تريتياكوف مرات قليلة من بينها خلال الحرب العالمية الثانية عندما أخرجت حفاظا على سلامتها.
في 2022 نُقلت إلى كاتدرائية الثالوث لافرا للقديس سيرغيوس في مناسبة احتفالات دينية.
يقول خبراء الفن إن التحفة تعرضت لأضرار كبيرة عندما نُقلت موقتا.
وقالت ليليا يفسييفا، مؤرخة الفنون في متحف الأيقونات الروسية في موسكو إنه إذا غادرت متحف تريتياكوف نهائيا “لن تراها أجيال المستقبل في حالتها الحالية”.
بعد تصاعد الغضب الشعبي، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الايقونة ستُعرض في كاتدرائية المسيح المخلص حيث سيتخذ الخبراء القرار بشأن ترميمها المستقبلي.
ويصر خبراء الفنون على ألا تغادر الايقونة المتحف.
بل أن أعضاء الأكاديمية الروسية للعلوم خرجوا عن صمتهم وقالوا إن الأيقونة لا يجب أن تنقل “حتى ولو لفترة زمنية محدودة”.
وفي رسالة مفتوحة لوزراء الثقافة قالوا إن متحفا فقط يمكنه ضمان الحفاظ على أيقونة الثالوث لروبليف.
وأضافوا أن “التحف الفنية من لوحات أيقونات روسية وكنوز وطنية لا ينبغي أن تكون عرضة لمخاطر غير مبررة”.