غادة بوشحيط – الناس نيوز ::
في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات محذرة من الاعتماد المتعاظم للذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة الأدبية تحديداً، وقادم الانعكاسات على مجال الأدب عموماً بظهور برامج متطورة تحاكي الذكاء البشري كال”تشات جي بي تي”، يحدث أن يقع القراء على تجارب فنية غير موفقة لأسماء كبيرة، تعيد التفكر في مدى قدرة الآلة على تعويض الإنسان، إذا كان الإبداع البشري نسبياً بدوره حتى لدى أهم المبدعين.
يجمع كثر من المشتغلين بأمور ترجمة الأعمال الأدبية أن ترجمة الكتاب لنصوصهم لا تحسب على التراجم، لأن مقدرة كاتب على إنتاج نص إبداعي في لغة، يمكنه لا محالة من إنتاج نص آخر في لغة أخرى يضاهيه عمقاً وجمالاً. والأمثلة كثيرة في هذا السياق، من بين أشهرها رواية “كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك” للجزائري عمارة لخوص (1970) والتي تحولت ترجمتها للنص الإيطالي “scoronto di civilita per an ascensore a piazza vittorio” لأحد أهم أعمال الرجل على الإطلاق التي عرفت احتفاء كبيراً داخل إيطاليا وخارجها.
غير أن المتابع لجديد النشر في العالم العربي سيقف مندهشاً أمام تجربة مثيرة، بطلها أحد أهم الأقلام الروائية الجزائرية والمغاربية، رشيد بوجدرة (1941). إذ سيصاب المطالع لرواية “حرمان” بالارتباك وهو يطالع العمل الروائي الصادر عن “دار الساقي” سنة 2020، معرباً لرواية تحمل عنوان ” la dépossession”، صدرت عن دار غراسي ” grasset” الفرنسية سنة 2017.
لا يحمل العمل اسما لمترجم ولا الإشارة لترجمة، ولكن المتابع لسيرة “حلزون الأدب الجزائري العنيد”، سيدرك أنه تعريب لرواية بوجدرة التي تحمل عنوانا مرادفا للعنوان الأصلي باللغة الفرنسية.
تنطلق الرواية بمشهد موت والدة بطل الرواية “رشيد” أو “راك”، معيدة إلى الأذهان رواية “الغريب” للفرنسي ألبير كامو، خاصة وأن الكاتب سيعمد إلى تكرار عدم تذكره لتاريخ وفاة أمه. ثم يأخذ قارئه نحو عوالم الفنون التشكيلية التي لطالما أثارت ولع صاحب “تصوير الشرق”، من خلال وصوف للوحتين شهيرتين: “معركة الزقاق” للواسطي، وأخرى “مسجد ساحة الحكومة” للفرنسي ألبير ماركيه، بكل ما تحمله الأولى من جثث ودماء والثانية بهدوئها التي تختصر عنجهية الاستعمار بكل تفاصيله. يتلاعب الروائي مرتحلاً في أزمنة عديدة، مقيما توازيا بين ما عاشه الجزائريون (مسلمون ويهود) من فظاعات، وما أذاقته الدول الإسلامية المتعاقبة لكل الثائرين كالزنوج والقرامطة من تعذيب وتقتيل. ثم يحكي تاريخ الجزائر قبل وبعد الاستقلال، متوقفاً عند ما يعايشه بطله السمين من تنمر، وما عايشته والدته وكل النساء حوله من تعنيف، كما النفي والنسيان اللذان كانا من نصيب أخيه مثلي الجنس.
تذكر رواية “حرمان” بكثير من نصوص صاحبها الشهيرة ك “تيميمون”، “شجرة الصبار” و”الحلزون العنيد” وغيرها، لكنها تبدو على عكس النصوص التي ذكرناها مرتبكة، غريبة، بل مفككة، أو غير ناضجة، يصعب على القارئ فهم غايات بوجدرة منها، زادتها الترجمة المتسرعة والسطحية أحياناً من صعوبة مطالعتها. أمر مريب بالنسبة لكاتب من حجم بوجدرة الذي لا يخفي ولعه باللغة العربية، يجيد التواصل بها، بل له محاولات شعرية للكتابة بها لن يشقى القارئ في كنه مسألة ترجمتها من الفرنسية، ترجمة لطالما أوكلت مهمتها لأسماء كبيرة كان المترجم والروائي والصحفي الجزائري الراحل مرزاق بقطاش (1946-2021) أشهرها وأكثرها براعة في تعريبها، خصوصا نصوص بوجدرة الأولى والتي صنعت أسطورته، وشكلت جزء من التراث الأدبي الجزائري لجيل ما بعد الاستقلال ك “الإنكار” و”التطليق” و”ألف وعام من الحنين”، وغيرها. قد تكون “حرمان” مسألة أخرى تضاف إلى تراث أكثر كتاب الجزائر أسطورية وإثارة للجدل، هو الذي خبا صوت أعماله الأدبية منذ أزيد من عقد من الزمن، لصالح كتابات هجائية أهمها “زناة التاريخ” التي أطلق فيها النار على أسماء وازنة في المشهد الأدبي الجزائري، وتصريحات غريبة متنكرة لإرثه الفكري، قبل أن يخلد لصوم طوعي، تتردد أخبار عن اقتراب قطعه بإصدار جديد دون تأكيد.