ميديا – الناس نيوز ::
إبراهيم حميدي- المجلة – بالتزامن مع لقاء وفد المعارضة العراقية ومسؤولين أميركيين في أروقة السلطة، لإبلاغه أعضائه القرار الحاسم بالتخطيط للإطاحة بصدام حسين وتغيير نظامه، التقى الرئيس الأميركي جورج بوش الابن رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري يوم 17 أبريل/نيسان 2002.
حضر الاجتماع مع الرئيس بوش من الجانب الأميركي: نائبه ديك تشيني، ومستشارة شؤون الأمن القومي كونداليزا رايس، والسفير الأميركي لدى لبنان فينسيت باتل، والناطق باسم البيت الأبيض آري فلايشر، وديفيد سكوت من مجلس الأمن القومي، وجيم لاروكو من وزراة الخارجية. وحضر من الجانب اللبناني مع الرئيس الحريري: وزير المالية فؤاد السنيورة، ووزير الاقتصاد والتجارة باسل فليحان، وسفير لبنان لدى الولايات المتحدة فريد عبود، ومستشارة رئيس الوزراء آمال مدللي.
غيتيرئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يلتقي الرئيس الأميركي جورج بوش في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض
وحسب محضر الاجتماع، الذي سلم الحريري نسخة منه إلى دمشق، ونقله نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، ضمن وثائق كثيرة أخذها معه عند لجوئه إلى باريس بعد اغتيال الحريري عام 2005، وحصلت “المجلة” على نسخة منها، فإن اللقاء بدأ “وديا”، بسؤال وجهه بوش، إلى الحريري عما إذا كان يريد تناول القهوة، فأجاب الحريري بالإيجاب، فرد الرئيس بوش مازحا: قهوة لبنانية؟ فأجاب الحريري: لو كان لديك قهوة لبنانية لكان ذلك يعني أن الأمور تسير على ما يرام بيننا.
وعندما انتقل الاثنان إلى المحادثات الرسمية “كان بوش متشنجا ومتشددا” في كلامه، فحاول الحريري “تبريد الأجواء ونجح تدريجيا في تغيير جو الاجتماع من جو متشنج ومتشدد إلى جو عادي ومهني”.
أكد بوش في بداية كلامه أنه سيتكلم بصراحة ووضوح وبشكل قاطع. وقال إن الولايات المتحدة “لن تتهاون مع تنظيم القاعدة ولا مع أعضائه، وسنستمر في مطاردتهم. سنصطادهم واحدا واحدا. لقد اعتقدنا أنهم تعبوا بعد 11 سبتمبر/أيلول، ولكنهم ما زالوا يحاولون ضربنا. إننا سنطالهم”، فرد عليه الحريري: “نحن معك إلى آخر الطريق في هذا الأمر”.
ووفقا لمحضر الاجتماع: فجأة استطرد الرئيس بوش وقال دون مقدمات: “لقد عنيت ما قلت حول موضوع محور الشر. إن مساعدة إيران لحزب الله لا تعجبني. أنا لا أحب حزب الله. إنهم إرهابيون. سنوضح لإيران أننا لن نتحمل ذلك أو نتسامح مع ذلك”.
وقال بوش للرئيس الحريري إنه عاقد العزم على التخلص من صدام، “ولكن لا أعرف كيف بعد. ولكننا سنفعل ذلك. كنت أتمنى أن لا أتكلف مالا للقيام بذلك”. وقبل أن يتحدث عن كوريا الشمالية والشرق الأوسط، أضاف: “إننا ندرك أننا جميعا مسؤولون، جميع الحكومات تتحمل المسؤولية في وضع أسس السلام وفي دعوة الناس لتحمل مسؤولياتهم”. وأردف قائلا إنه يريد من الدول العربية تحمل مسؤولياتها في هذا المجال. وتابع: “أنا أول رئيس أميركي دعا في الأمم المتحدة إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنبا إلى جنب دولة إسرائيل. لقد قلت ذلك لشارون. لكن عرفات يقوم بعمله بشكل سيئ والدول المحيطة تقوم بعمل جيد في هذا الصدد”.
“الغرق في الأمن”
وجاء في المحضر أن بوش قال: “إن بشار الأسد بدأ يسلك طريقه بشكل جيد في عمله الجديد، ويجب عليه أن يقوم بعمل أفضل في موضوع حزب الله. لكن ومهما بذلنا من جهد فإن هجوما واحدا كفيل بأن يفجر المنطقة بأسرها”، معربا عن قلقه من احتمال تفجر الوضع في جنوب لبنان إذا شُن هجوم واحد فقط على إسرائيل، التي ستقوم بالرد بدورها، وعندئد لن تحاول الولايات المتحدة إيقافها.
من جهته، تحدث الحريري عن معظم النقاط التي أثارها بوش. وقال: “نقف معكم في حربكم ضد القاعدة، والتزامكم بالسلام في الشرق الأوسط هو التزام بقضية عادلة، والتزام منكم تجاه أصدقائكم وبمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، الرئيس بوش الأب عندما أرسل أبناءكم إلى الخليج لم يرسلهم للدفاع عن الحكم في الكويت وإنما للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة في الكويت، وعن مصالح أصدقاء الولايات المتحدة. إننا مرتبطون معا لأننا جميعا نريد الاستقرار والأمن وهو لمصلحتنا جميعا. إن ذلك لا يمكن أن يتم من دونكم”.
أ ف بجنود من فرقة المشاة البحرية الأميركية بالقرب من صورة صدام حسين في ملعب ببغداد، 10 أبريل 2003
وأضاف الحريري: “السيد الرئيس، وكما تكلمت أنت بصراحة أريد أن أتكلم بصراحة. إن أصدقاءكم في المنطقة وبسبب ما يحدث، في وضع صعب، لقد وضعهم شارون في وضع صعب”، لافتا إلى أن عملية السلام تستغرق وقتا، و”قبل إقامة دولة إسرائيل كنا نعيش معا، يهودا ومسلمين ومسيحيين. الآن لا زال هناك مئة يهودي في لبنان، إن ممتلكاتهم لا تزال موجودة ولم يمسها أحد، والكنيس اليهودي لا زال قائما. إننا لا نقوم بأي عمل ضد أي لبناني بسبب دينه، إننا نحترم أديان الجميع ونؤمن أن الدين لله والوطن للجميع”.
وشدد الحريري على أهمية استتباب الأمن في المنطقة، وحصول توافق سياسي، وينطبق هذا في أجلى صوره على لبنان، فوجود استقرار سياسي يعنى وجود دولة آمنة بالتلازم، وقال: “لدينا تجربة في لبنان، فقد تم التوصل خلال سنوات الحرب إلى أكثر من 1200 اتفاق لوقف إطلاق النار ولم يصمد أي منها لأنه لم يكن لدينا آنذاك أي اتفاق سياسي. يجب العمل بنشاط لتحقيق الأمن، إنه أمر يستغرق كل الوقت. إن الإدارة الأميركية السابقة حولت الولايات المتحدة إلى لجنة أمنية، وأمضى مبعوثوها مثل دنيس روس وغيره 80 في المئة من وقتهم لمعالجة القضايا الأمنية. إن هذه ليست مهمة الولايات المتحدة؛ فدور الولايات المتحدة يجب أن يكون مختلفا. إن الطرفين خبراء في حملكم على الدخول في متاهات هذا الأمر والغوص أو الغرق في الموضوع الأمني”.
ثم دار النقاش التالي بين الحريري وبوش بحسب محضر الاجتماع:
بوش: هل السلام ممكن؟
الحريري: نعم. إن العرب واليهود عاشوا معا لقرون. وكان العصر الذهبي للعرب واليهود في إسبانيا… لو كانت إسرائيل بوذية لربما كانت لدينا مشكلة معها.
بوش: هل لديكم علاقات مع إسرائيل؟
الحريري: هذا غير مسموح به في القانون. ولكن لدينا علاقات مع اليهود الأميركيين.
بوش: في موضوع آخر يقابلني الكثير من اللبنانيين وغيرهم في الولايات المتحدة ويسألونني عن دور سوريا في لبنان، ولماذا لا تنسحب سوريا من لبنان. أفدني برأيك في هذا المجال. أنت تعرف هذا أكثر مني.
الحريري: نعم، أعرف.
بوش: ماذا أقول لهم؟ إن هذا يحدث معي كثيرا، يقول لي أميركيون من أصل لبناني نريدك أن تعمل بجد لكي يصبح وطننا حرا. ماذا يقصدون؟
الحريري: إنهم يريدون خروج سوريا، والسوريون لن يبقوا في لبنان إلى الأبد. سيخرجون. ولكن وجود سوريا كان عاملا إيجابيا لضمان الأمن في لبنان. فكما تعلم السيد الرئيس أننا عندما تسلمنا السلطة عام 1992 كانت الميليشيات ما زالت ناشطة والوضع الأمني بحاجة إلى تدعيم وقد وقفت سوريا إلى جانبنا لدعم السلطات الأمنية اللبنانية والجيش اللبناني. إلى جانب ذلك هناك أمر آخر يشير إلى أهمية وجود القوات السورية في لبنان لضمان أمنه واستقراره. نحن لدينا في لبنان 350 ألف فلسطيني والجزء الكبير منهم يعيش في المخيمات.
إن “حزب الله” نشأ بعد الاحتلال الإسرائيلي، والسوريون يساعدوننا على تحقيق الاستقرار. إنهم يساعدوننا في موضوع الفلسطينيين. أما فيما يتصل بـ”حزب الله”، فكيف نحل هذا الأمر؟ إنهم مسلحون وقاتلوا ولعبوا دورا أساسيا في تحرير جنوب لبنان. تعلم السيد الرئيس أنه في الجزائر حصلت مواجهة خلال عهد الرئيس (الشاذلي) بن جديد… ولا زالت لديهم مشاكل حتى الآن… أنا أريد هبوطا سالما. هناك 11 نائبا في البرلمان. نريد أن نحولهم بعد السلام إلى حزب سياسي دون مشاكل، هناك أناس منتخبون منهم.
وعندما سأله بوش عن “قلقه” تجاه إيران، قال الحريري: “إنهم بعيدون عنا. إننا نتعامل مع خاتمي. إنه مثقف ويؤمن بالحوار بين الحضارات. لقد التقيت خامنئي مرتين”.
وقال بوش: “في المرة المقبلة قل له إن الرئيس بوش جاد”. فقال الحريري: “خلال اللقاء مع الزعيم خامنئي يتحدث الزائر ثم يقوم هو بالحديث ولا يجري تبادل الأفكار ووجهات النظر عن طريق الأخذ والرد. لم يكن هناك اتفاق بيننا، ولم يكن هناك حوار”.
أ ف بخلال انسحاب القوات السورية من لبنان، بالقرب من نقطة المصنع الحدودية في سهل البقاع، 04 أبريل 2005
ويفيد المحضر بأن الرئيس الحريري وبعد انتهاء الاجتماع تحدث إلى الرئيس بوش منفردا لمدة دقائق حول مبادرة السلام العربية، التي صدرت في قمة بيروت في مارس/آذار 2002، وقال الرئيس الحريري: “عملنا جميعا يدا بيد خلال القمة (العربية) للتوصل إلى إجماع. والآن لديكم بين أيديكم خطة سلام عربية وافقت عليها القمة بالإجماع وهي تدعو إلى سلام مع إسرائيل وتحاول إيجاد حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين وانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 بما في ذلك ما تم احتلاله من لبنان وسوريا”.
ويضيف المحضر: “السفير (الأميركي في لبنان فينست) باتل نقل عن الرئيس بوش قوله قبل دخول الرئيس الحريري إلى المكتب البيضاوي حول موضوع العراق وتوقيع اتفاق تجارة حرة معهم: “قل لهم أن لا يعقدوا صفقات طويلة الأمد مع العراق”.