[jnews_post_author]
ما إن أعلن عن الاتفاق بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل على تبادل الاعتراف حتى انبرى عدد كبير من المحللين العرب في الفضائيات وفي وسائل التواصل الاجتماعي يدلون بدلائهم في بئر الموضوع، وأخطر تلك الدلاء هي تلك التي يفتر ض فيها المحلل أن التاريخ أعمى، أو أن بوسعه أن ينكر ما شاء مما حدث، ويثبت ما شاء.
ويظهر دور المحلل اليوم مثل دور المفتي، وقد استباح التاريخ والحاضر معا، وراح يقدم جملة نصائحه الناجمة عن رغباته و ولااءاته. فهو يزعم مثلا أن الفلسطينيين والعرب هم الذين يرفضون السلام، وينسى أن مؤتمرا للقمة العربية عقد في بيروت ذات يوم ، وطرح مشروعا طويلا عريضا للسلام مع إسرائيل، نعم مشروع السلام مع إسرائيل وليس مع بلاد الواق الواق، وأن ذلك المشروع دعا إلى اعتبار النزاع العربي -الإسرائيلي منتهيا إذا وافقت إسرائيل عليه، والدخول في اتفاقية سلام بينهم – يعني بين الدول العربية – وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. ثم إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. وماذا يعني هذا الكلام غير الاعتراف وتطبيع العلاقات معها، وتبادل السفراء؟. لكن الداعية المحلل الذي يلوم العرب العنيفين الرافضين للسلام ، أو لأي سلام، ينسى هذه الفقرة اليوم . لماذا ؟ لأن مشروع السلام العربي تضمن فقرة أخرى تدعو لحل مشكلة اللاجئين ( بل إنهم كانوا من اللطف إلى درجة عدم اقتراح شكل الحل وتركه لما يرتأيه المجتمع الدولي ) وقبول إقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة وقطاع غزة. هذا ما يغضب دعاة السلام اليوم، ويعتبرونه من نوع وضع العصي في العجلات، عجلات العربات الذهبية الماضية في اتجاه إسرائيل، إسرائيل يا جماعة، لا فلسطين، ولا الفلسطينيون.ولسان حالهم يقول : لم لا تنسوا هؤلاء وتبحثوا عن سلام طيب شجاع بعيدا عن مشاكلهم؟ . لا يمكن أن نفسر ما يقوله المدافعون عن ” السلام” اليوم إلا بهذه الطريقة. فهم يزعمون، نعم يزعمون أي يكذبون، أو يكذبون التاريخ، أن الدول العربية هي التي رفضت دائما فرص السلام،ويقولون : فلم لا تجربوا اليوم هذه الفرصة الذهبية التي يتقدم فيها العقل الإسرائيلي ليتعاون مع المال العربي؟.
لا يلاحظ داعية السلام اليوم تلك المبادرة العجيبة التي اتفقت فيها جميع الدول العربية على اعتبار أن النزاع العربي الإسرائيلي صار منتهيا ، ولم يأت أولئك القادة الحبابين على ذكر الصهيونية البتة ، ولا اقتربوا من جريمة إحلال شعب مكان شعب، وبدت هذه الفقرات التي تقترح السلام شبيهة بالضراعة والتوسل ، ويعرف المحللون، ومن بينهم أساتذة تاريخ واقتصاد ،أن إسرائيل شنت عقب القمة حربا مدمرة أودت بمشروع السلام وبفكرته إلى الهاوية. ولا يزال المشروع هناك، وقد مات قبل أن يموت صاحبه .
واللافت أن دعاة “السلام ” يعلكون العبارة القديمة ذاتها التي رددها زعماء عرب وهم يصافحون الإسرائيلي، عن سلام الشجعان، ويقرعون العرب لأنهم رفضوا مشروع التقسيم في عام 1948، ورفضوا نصائح الزعيم الحكيم الحبيب بورقيبة، دون أن يقولوا كلمة واحدة عن إسرائيل. تفضل عزيزي الداعية وقل لنا : متى وفي أي سنة وفي أي يوم وفي أي دقيقة من الزمن المحسوب من عمر هذه الدولة تم فيه وضع مشروع إسرائيلي للسلام؟ متى عرضت إسرائيل السلام على العرب؟ فمنذ قيام الدولة الصهيونية ، وأنا أذكر الكلمة هنا عامدا لتذكير دعاتنا الأكارم بالجهة التي يدعون أنهم سيقيمون سلاما معها، وهي ترفض مشاريع السلام. لست أنا من يقول ذلك فقط، بل مؤرخ إسرائيلي اسمه إيلان بابه، وعنوان كتابه هو ” التطهير العرقي في فلسطين ” وهذا هو العنوان الأصلي للكتاب، أو على الأقل هو عنوان الكتاب في اللغة الإنكليزية التي ترجم عنها إلى العربية، أي أن المؤرخ يذكر فلسطين بالاسم. ومن بين المعلومات الغزيرة والجديدة التي يقدمها، والكتاب يتضمن كثيرا من المعلومات التي لا يعرف عنها العرب، أو المؤرخون العرب، ولن يعرفوا شيئا لولا إيلان بابه، أن إسرائيل وأمريكا منعتا منظمة اللاجئين الدولية من تقديم المساعدات للفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم، وطلبتا إنشاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ، وذلك كي لا يقارن أحد في العالم بين اللاجئين اليهود، الذين كانت تقدم المنظمة لهم المساعدة، وبين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم. واشترطت أن لا تلتزم الأونروا بقضية عودة اللاجئين، بل بتقديم الطحين، وعلب السردين وبعض المقاعد للدراسة.
والفصل الثاني من الكتاب يتحدث عن “مسعى إسرائيل لتخريب مشاريع السلام، منذ التأسيس” ـ الذي تم بناء على أكثر جريمة معلنة في التاريخ ـ وحتى في أيامنا هذه حين لم تقدم حتى اليوم أي تنازل للدول العربية التي سبقت الإمارات لتوقيع معاهدة السلام، ولن تقدم لغيرها القادم أيضا.والمشكلة مع إسرائيل، بحسب ما يقول إيلان بابه، ليس في يهوديتها، بل في :” شخصيتها الصهيونية الإثنية. فالصهيونية لا تتوفر فيها هوامش التعددية ـ أي مشاريع السلام ـ .. وعلى الأخص فيما يتعلق بالفلسطينيين ”
تفضل وقل عزيزي المحلل العربي من يقف ضد السلام، واشرح لنا عن أي سلام تتحدث.