دمشق – الناس نيوز ::
في الوقت الذي يعتمد فيه الكثير من السوريين على المساعدات الإنسانية الممنوحة من الأمم المتحدة، يذهب جزءٌ من أموال هذه المساعدات لموالي نظام الأسد ورجال أعمال من أنصاره ممّن شملتهم العقوبات الدولية.
صحيفة “تاغ شبيغل” (Tagesspiegel) الألمانية أوردت تقريراً استندت فيه إلى دراسة أجرتها الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الألمانية، كشفت من خلاله الطرق والآليات التي استطاع من خلالها قادة ميليشيات ورجال أعمال تابعون للنظام في سوريا -من بينهم فادي صقر وسامر فوز ونزار الأسعد- الخاضعون للعقوبات، أن يستفيدوا من المساعدات الأممية المقدّمة لسوريا.
ولفتت الصحيفة الألمانية إلى أن توصيات تقريرها الذي عنونته بـ “صفقات قذرة في دمشق: كيف يستفيد أنصار الأسد من أموال الأمم المتحدة؟”، تخضع حالياً لتقييم الدول المانحة.
فادي صقر.. شريك مجزرة التضامن
وتستهل الصحيفة تقريرها بتسليط الضوء على فادي صقر، أحد المتهمين المشاركين بمجزرة التضامن الغنية عن التعريف.
ويقول التقرير: قُتل ما يصل إلى 280 شخصًا في الـ16 من نيسان 2013 في ما يسمى بمجزرة التضامن. حيث ظهر الجناة وهم يصوّرون أنفسهم في أثناء قتلهم الأسرى، إذ كانوا متأكدين من عدم محاسبتهم!
تم اصطحاب الضحايا المقيدين ومعصوبي الأعين إلى قبرهم الذي كان عبارة عن حفرة حديثة في الأرض بحيّ التضامن في ضواحي العاصمة السورية دمشق. وعلى حافة الحفرة يطلقون النار عليهم، بعضهم بالبنادق الآلية، والبعض الآخر بمسدسات.
وكانت ميليشيات قوات الدفاع الوطني الموالية للرئيس بشار الأسد مسؤولة عن المجزرة. وقائد إحدى تلك الميليشيات هو فادي صقر، المدرج على قائمة العقوبات الأميركية.
ورغم إدراجه في لائحة العقوبات، إلا أن بإمكانه الآن توصيل أحذية وملابس تقدر بالملايين إلى منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في سوريا، بوصفه رجل أعمال. ومنذ عام 2014، أنفق المجتمع الدولي أكثر من 20 مليار دولار لدعم ضحايا الحرب في سوريا.
ويوضح التقرير أن منظمات الأمم المتحدة تعمل بشكل أساسي في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، لأن هذا هو المكان الذي يعيش فيه معظم السوريين الذين لم ينزحوا أو يهجّروا إلى الخارج. حيث يحتاج نحو 15 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية.
ألمانيا هي أكبر مانح –فردي- في الأزمة السورية. فوفقًا للأرقام الحكومية، قدمت برلين قرابة 8.6 مليارات يورو لسوريا والدول المجاورة منذ اندلاع الحرب في عام 2011. وفي الربيع الأخير، تعهدت الحكومة الفيدرالية بمليار آخر.
ومن أجل التمكن من العمل في سوريا، يحتاج ممثلو الأمم المتحدة إلى موافقة سلطات الأسد. لطالما قال النقاد إن الأسد يحول بعض المساعدات الدولية إلى نظامه. واليوم، يُظهر هذا التقرير مدى توثيق العلاقات بين مؤسسات الأمم المتحدة والزمرة المحيطة برئيس السلطة.
140 مليون دولار لأنصار الأسد في عامين
أجرى خبراء من منظمة “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” (OPEN) من كندا و”برنامج تطوير القانون السوري” (SLDP) من بريطانيا، دراسة تناولوا فيها أكبر مئة شريك للأمم المتحدة في سوريا، وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنه في عامي 2019 و2020 ذهب نحو 140 مليون دولار من برامج مشتريات الأمم المتحدة إلى الموردين ومقدمي الخدمات المصنفين على أنهم موالون للنظام.
هذا المبلغ يتوافق مع ما يقرب من نصف مجمل أوامر صرف الأمم المتحدة. ووفق الدراسة، فإن قائد الميليشيا فادي صقر لا يزال خفيفًا نسبيًا بأوامر صرف بلغت قيمتها مليون دولار.
سامر فوز ونزار الأسعد وملايين الدولارات
وتلقت شركة أمنية منسوبة إلى ماهر الأسد (شقيق رئيس النظام السوري وقائد الفرقة الرابعة سيئة السمعة) أكثر من مليوني دولار من الأمم المتحدة. بينما حصل رجل الأعمال سامر فوز على 25 مليون دولار من الأمم المتحدة.
وقدّم فوز، الذي يخضع لعقوبات أوروبية وأميركية ، جزءا من المبلغ إلى مالك فندق فخم في دمشق كان يقيم فيه مسؤولو الأمم المتحدة. وبحسب معلومات الأمم المتحدة، فالفندق هو الوحيد في دمشق المناسب (أمنياً) لمبعوثي الأمم المتحدة.
واستطاع نزار الأسعد، صاحب شركة زيت زيتون تأثرت أيضًا بعقوبات الاتحاد الأوروبي، تأمين طلبات بقيمة 26 مليون دولار تقريبًا. ورغم ذلك، تشير الدراسة إلى أنه يتعين على الأمم المتحدة العمل في سوريا “في ظل ظروف صعبة للغاية”!
يحاول نظام الأسد “السيطرة على العمليات الإنسانية والتلاعب بها. ومع ذلك يمكن للأمم المتحدة والدول المانحة أن تفعل شيئًا لتحسين الوضع” يقول إياد حامد، أحد المؤلفين المشاركين بالدراسة.
ونقلت الصحيفة الألمانية عن حميد قوله: “على الدول المانحة مثل ألمانيا أن تطالب الأمم المتحدة بأخذ دراسة لقضايا حقوق الإنسان في الحسبان عند عمليات الشراء”. وأضاف أنه يجب على المانحين مراقبة استخدام الأموال عن كثب أكثر من ذي قبل “حتى تذهب الأموال لمن يحتاجونها وليس إلى الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان”.
ووفق الصحيفة، فإن الحكومة الفيدرالية تأخذ الدراسة على محمل الجد. ونقلت عن متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية قوله إن توصيات التقرير تخضع حاليًا لتقييم الدول المانحة.
وأضاف: “هناك توقع عام بأن تتمسك الأمم المتحدة بالمبادئ الإنسانية المتمثلة في الإنسانية وعدم التحيز والاستقلال والحياد”.
فساد داخل الأمم المتحدة
ومع ذلك -تقول الصحيفة- لا فائدة من جميع آليات الرقابة إذا كان كبار مسؤولي الأمم المتحدة يحتفظون بعلاقات شخصية وثيقة مع النظام. فعلى سبيل المثال، أطلق موظفو منظمة الصحة العالمية في دمشق ناقوس الخطر لأن رئيستهم “أكجمال ماغتيموفا” قيل إنها أفسدت العديد من أتباع الأسد بهدايا باهظة الثمن.
وبحسب وكالة “أسوشيتد برس”، فقد ذهبت أجهزة الكمبيوتر والسيارات إلى ممثلي النظام. كما منحت ماغتيموفا وظائف الأمم المتحدة لأقارب أعضاء في نظام الأسد، على الرغم من أنهم لم يكونوا مؤهلين تقنيًا. وبعضهم متهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان أيضًا .