بيروت – الناس نيوز ::
كانت بلدة عين ابل المسيحية في أقصى جنوب لبنان والواقعة ضمن مناطق هيمنة حزب الله، على موعد مع جريمة غامضة الاسبوع الماضي تبين لاحقاً انها عملية اغتيال محكمة وذلك في وقت يشهد لبنان وضعا امنياً مقلقاً استدعى صدور تحذيرات خليجية.
مساء الاربعاء في 2 آب/اغسطس ، توفي الياس الحصروني (71 عاماً) الملقب بـ “الحنتوش”، المسؤول السابق عن إقليم بنت جبيل في حزب القوات اللبنانية في حادث سير “مريب” في منطقة بعيدة عن منازل البلدة، نحو الساعة التاسعة ليلا.
جريمة قتل متعمّدة
الموشرات الأولية أظهرت مقتل الحصروني، بنفس الطريقة التي اغتال بها حزب الله لقمان سليم وهو الذي يجمعه مع الحصروني معارضتهما الشديدة لسياسات ذراع إيران في المنطقة المتمثل بحزب الله، وبالعودة للحصروني وهو رجل أعمال لديه مطعم ومسبح وصالة اعراس في البلدة. وهو قيادي عسكري وأمني سابق في زمن الحرب الأهلية والاحتلال الاسرائيلي. كل حيثيات الحادث كانت غامضة بشكل مثير للشكوك، فالرجل غادر منزله في وقت متأخر من دون أن يبلغ اسرته كعادته اأن لديه أي عمل يستوجب توجهه الى تلك الطريق الفرعية التي تفضي الى بلدتي حنين الشيعية او دبل المسيحية.
بدأت الشكوك تتسرب منذ الساعات الاولى بعد الحادثة، وتداول سكان البلدة اخباراً عن وجود سيارات كانت تجوب عين ابل بشكل مريب في ذلك المساء، حتى أن أحد الأشخاص التقط صورة لأرقام السيارات التي تبين لاحقاً أنها مسروقة.
والحصروني هو احد وجهاء البلدة ويعد احد اصحاب القرار المؤثرين كما ان لديه شعبية لدى شباب البلدة وهو يمون على الكثيرين منهم. وكان الشخص الذي يمكن اللجوء اليه لدى مواجهة اي مشكلة من اي نوع خصوصا فيما يتعلق بامن البلدة.
تبيّن في اليومين الماضيين، أنّ وفاة رفيقنا الياس الحصروني في عين ابل، لم تكن نتيجة حادث سير كما ظهر في المعلومات الأوّليّة.
إذ تبيّن ومن خلال كاميرات المراقبة الخاصّة في المنازل المجاورة لمكان الحادث، أنّ كميناً محكماً مكوّناً أقلّه من سيارتين قد أُقيم لرفيقنا الياس، وعند مروره…— Samir Geagea (@DrSamirGeagea) August 9, 2023
تعززت الشكوك بان ما جرى ليس مجرد حادث سير، بعد صدور إشارة قضائية برفع سيارة الحصروني فورا من المكان الذي سقطت فيه تحت الطريق، الا ان شبانا من البلدة حضروا إلى المكان رفضوا ذلك قبل حضور المحقق الجنائي وهو ماجرى صباح اليوم التالي حيث اكتفى المحقق بالتقاط بعض الصور من دون رفع أي بصمات أو القيام بالاجراءات العادية التي تتخذ في ظروف مشابهة .
وأظهر جثمان المغدور وجود ضربة خفيفة غير مميتة خلف الرأس فيما لم تظهر اي كدمات من اي نوع، وقال تقريرالطبيب الشرعي إن الأضلاع الممزقة التي اخترقت صدر الضحية ربما بسبب انفتاح كيس الهواء هي سبب الوفاة.
كاميرات تكشف الجريمة
انتظرت العائلة أربعة ايام قبل الدفن بانتظار قدوم أفراد آخرين من العائلة في المهجر وجرت الجنازة في أجواء من الحزن والغضب والصدمة وحضرها مسؤولون قواتيون بينهم النائب السابق انطوان زهرا .
وفيما بدا أن أفراد العائلة قد تقبلوا حقيقة أن ما جرى مجرد قضاء وقدر، تبين أن كاميرات أحد المنازل المجاورة التقطت قيام سيارتين باعتراض طريق الحصروني حيث قام احد ركاب السيارتين بتخديره أو تسميمه ثم وضعه في خلفية السيارة ونقله الى مكان الحادث الذي يبدو انه دبر بطريقة لحرف الانظار عن الاغتيال الذي تم بطريقة احترافية واستغرق تنفيذه اقل من 10 ثوان حسبما اظهرت الكاميرات .
واصدر رئيس البلدية عماد اللّوس صباح الاربعاء بيانا مقتضبا استنكر فيه باسم ابناء البلدة الاعتداء على الحصروني واختطافه واقتياده وتدبير حادث له بهدف زعزعة الامن في المنطقة ، مشيرا الى ان الادلة على الاعتداء باتت بحوزة الاجهزة الامنية التي حثها على سرعة القبض على القتلة وانزال العقاب بهم حفاظا على امن المنطقة.
ما تفكروا الاستقواء على رجل عمرو ٧٢ سنة وخطفو وقتلو بخوفنا.
ارهاب العالم وتخويفا بتمارسو على بيئتكن الحاضنة نحنا حطونا بفك الاسد وما خفنا منو ودعسنا على راسو ورح ندعس عراسكن متل ما دعسنا الاسد!
عدونا معروف والغدار معروف ولا بعمرو واجهنا بالمباشر لانو اجبن من انو يحط عينو بعينا!… pic.twitter.com/9wBg0wAXlD— Jossy.H.KH???????????????? (@JossyHannaKh) August 9, 2023
شياطين الاسئلة
نكأت هذه الجريمة جراحاً لم تندمل بعد وأيقظت شياطين الأسئلة والشكوك حول الطرف المسؤول عن الاغتيال .
فقد جاء مقتل “الحنتوش” بعد أيام قليلة من اجتماع حافل لحزب الكتائب اللبنانية في إقليم بنت جبيل استضافته بلدة عين ابل وشارك فيه الامين العام للحزب سيرج داغر.
وتخلل الحفل كلمة مصورة لرئيس الكتائب النائب سامي الجميل تحدث فيها عن التزام الحزب بقضية اللبنانيين في إسرائيل، داعيا الى ضرورة عودتهم . كما اشار داغر الى أن الكتائب والمعارضة تمنعان حزب الله من الاتيان برئيس يغيّر وجه لبنان .
ورغم أن الحصروني كان قياديا في القوات الا انه يعتبر رمزا من رموز الاحزاب المسيحية التي حاربت ضد الفلسطينيين في جنوب لبنان قبل ان تجتاح اسرائيل المنطقة للمرة الاولى في 1987 وتشكل الشريط الامني حتى حدود نهر الليطاني. وكانت القرى المسيحية في الشريط الامني السابق، محيدة حتى الآن أمنيًا ولم تشهد أي أعمال انتقامية منذ التحرير في العام 2000 وتم التعاطي مع ملف المتعاملين مع إسرائيل عبر القضاء اللبناني. ويكثر الكلام اليوم حول انتهاء زمن تحييد هذه القرى.
وما يثير تساؤلات اخرى مفتوحة على عدة احتمالات حادثة القبض على شخص من نفس البلدة قبل أشهر بتهمة العمالة لاسرائيل ومحاولة تجنيد عملاء.
يُذكر أن الحصروني من الاشخاص الاساسيين الذين عملوا على مشروع بناء تمثال كبير للسيدة العذراء في عين ابل تحت اسم “سيدة ام النور” سيتم افتتاحه في أيلول/سبتمبر المقبل. ويطمح سكان عين ابل ان يتحول هذا المزار الى نقطة مهمة على خريطة السياحة الدينية المسيحية في منطقة الجنوب حيث تتردد منذ القديم روايات مدعومة في بعض الاحيان بدراسات بان السيد المسيح قد مّر في المنطقة. ولم تظهر اي قوى سياسية جنوبية اعتراضا على المشروع .
وبانتظار ما تظهره التحقيقات التي أكدت تعرض الحصروني للقتل، فان الاسراع في كشف ملابسات الجريمة ومرتكبيها يخفف من الأجواء المشحونة والقلقة التي تسود بلدة عين ابل حيث تتقاطع روايات الأهالي على خلفيات سياسية للجريمة توقظ زمناً ظنّوا أنهم طووه.