بيروت – الناس نيوز ::
– تسارعت منذ حزيران يونيو الماضي التطورات في ملف ترسيم الحدود إثر وصول سفينة لاستخراج الغاز على مقربة من حقل “كاريش”
– الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لم يسبق أن شهدت نزاعات عسكرية على غرار الحدود البرية
– تشرين الأول أكتوبر 2020، بدأ الجانبان مفاوضات برعاية الأمم المتحدة ووساطةٍ أمريكية، بهدف الانتهاء من ملف ترسيم الحدود
يتنازع لبنان مع إسرائيل على منطقة في البحر المتوسط غنيةٍ بالنفط والغاز، تبلغ مساحتها نحو 860 كم مربعاً، وتعرف بالـ “بلوك رقم 9”.
والحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لم يسبق أن شهدت نزاعات عسكرية على غرار الحدود البرية.
فجماعة “حزب الله” المدعومة من إيران تسيطر على الجنوب اللبناني المحاذي برّاً لإسرائيل، وبين الحين والآخر تحدث توترات على الحدود، بسبب “محاولات مقاتلي الحزب اختراق الحدود” حسب وصف إسرائيل.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بدأ الجانبان مفاوضات برعاية الأمم المتحدة ووساطةٍ أمريكية، بهدف الانتهاء من ملف ترسيم الحدود.
وبما أن لبنان يعتبر إسرائيل “عدوّاً” له منذ نشأتها عام 1948، تطلب الأمر استباق المفاوضات بمراحل وساطات لحلّ الصراع على الحدود البحرية.
لبنان يرسّم حدوده أحادياً
– اعتبارًا من العام 2002، بدأ لبنان ترسيم حدوده البحرية حين كلّفت الحكومة اللبنانية مركز “ساوثمسون” لعلوم المحيطات بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، بإعداد دراسة لترسيم حدود مياهه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بغية إجراء عملية مسح جيولوجي للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة.
وواجه المركز عدة صعوبات في الترسيم بسبب عدم توافر خرائط بحرية دقيقة وواضحة لمنطقة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، ما أوصل إلى ترسيمٍ غير دقيق. وفق الأناضول .
– في عام 2006 كلّفت الحكومة اللبنانية المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية للدولة اللبنانية، وكانت هذه الدراسة عبارة عن نسخة محدّثة لتلك التي سبقتها.
– في 17 يناير/كانون الثاني 2007، وقّع لبنان مع قبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، بهدف توطيد علاقات حسن الجوار والتعاون في ما بينهما لاستثمار الثروات النفطية.
وبحسب موقع الجيش اللبناني، استندت هذه الاتفاقية إلى القوانين المرعية الإجراء في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط.
لكن الدولة اللبنانية، وفق موقع الجيش، لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقّعت اتفاقية أخرى مع إسرائيل عام 2011 لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما.
واتهم لبنان حينها قبرص بتجاهل ما تمّ الاتفاق عليه معه، ما أدّى إلى خسارته مساحة مائية تزيد على 860 كلم2 من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة التي تحتوي كميات كبيرة من النفط والغاز.
مفاوضات على مراحل
– في عام 2012، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية عبر موفدها فريدريك هوف، اقتراحاً لحلّ النزاع البحري بين لبنان و إسرائيل، وذلك بتقاسم المنطقة المتنازع عليها، برسم ما يعرف بـ “خط هوف”.
وبموجب خط “هوف” يحصل لبنان على حوالى 500 كلم مربّع، وإسرائيل على حوالى 360 كلم مربعاً من أصل مساحة الـ 860 كلم مربعاً المتنازع عليها.
لكن لبنان رفض حينها هذا الاقتراح، على اعتبار أن المساحة الكاملة ( بما فيها الحصة المعطاة لإسرائيل 360 كلم2) هي من حقّه.
عندها، اقترح الجانب الأميركي أن يكون خط “هوف” خطاً مؤقتاً وليس حدوداً نهائية، لكن الجانب اللبناني رفض ذلك خشية تحوّل المؤقت إلى دائم عند الإسرائيلي.
– في عام 2018 شرع لبنان بالتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحله، وقام في 9 فبراير/شباط بتوقيع عقد مع ائتلاف شركات دولية هي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية، للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك 4 و9 في مياهه الإقليمية.
وبما أن البلوك رقم 9 يقع ضمن المساحة المتنازع عليها، اعتبرت إسرائيل خطوة لبنان “استفزازية”.
– في 16 فبراير/شباط من العام نفسه، أي بعد حوالي أسبوع من توقيع لبنان عقدا مع ائتلاف الشركات الدولية، دخلت أميركا بالوساطة مجدداً بين لبنان وإسرائيل عبر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد.
– أعاد ساترفيلد اقتراحات “هوف” 2012 لرسم الحدود البحرية بين الطرفين، غير أن لبنان رفض المقترح.
ولفت بيان صادر عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي في حينه، إصراره على موقفه لجهة ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم أبريل/نيسان 1996 التي تضمّ لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة.
وتفاهم أبريل/ نيسان 1996 هو اتفاق مكتوب غير رسمي، بين إسرائيل و “حزب الله” اللبناني، تم التوصل إليه بفضل الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة، التي أنهت صراع عام 1996 العسكري بين الجانبين.
فيما تبنّى مجلس الأمن القرار 1701، في 11 أغسطس/آب 2006، الداعي إلى وقف كلّ العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل.
– في مارس/آذار 2019، زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبنان، والتقى الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري، وتناقش معهم في عدّة مواضيع منها ترسيم خط الحدود البحري بين لبنان وإسرائيل.
– في مايو/ أيار 2019، زار ساترفيلد لبنان مرتين في غضون أيام، والتقى كلاً من الحريري وبرّي ووزير الخارجية اللبناني حينها جبران باسيل، وأبلغهم قبل مغادرته بيروت إمكانية إجراء مفاوضات غير مباشرة، تشمل الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل.
– استمر ساترفيلد بمفاوضاته مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي، إلى أن تمّ تعيين ديفيد شينكر خلفاً له في سبتمبر/أيلول 2019.
– في 3 سبتمر/أيلول 2020، زار شينكر لبنان على خلفية انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب، لكنّه لم يلتقِ أياً من الرؤساء مع أنّ زيارته وضعت سابقاً في إطار استكمال المناقشات حيال ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، لا سيما مع برّي الذي يتولّى الملف.
– في 8 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، فرض عقوبات على وزيرين سابقين في الحكومة اللبنانية، بتهمة دعم “حزب الله” و”الضلوع في فساد”.
وقالت الوزارة، في بيان على موقعها الإلكتروني، إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية فرض عقوبات على الوزيرين اللبنانيين السابقين يوسف فينيانوس وعلي حسن خليل (التابع لرئيس مجلس النواب نبيه بري).
اتفاق إطار
– في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أعلن برّي، التوصّل إلى “اتفاق إطار” لإطلاق المفاوضات بين بلاده وإسرائيل لترسيم الحدود.
وقال برّي، خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر إقامته غرب العاصمة بيروت، إن “مفاوضات لترسيم الحدود مع إسرائيل ستتم برعاية الأمم المتحدة مع تلازم بين البر والبحر”.
وأضاف أن واشنطن “تعتزم بذل قصارى جهودها من أجل إدارة المفاوضات، واختتامها بنجاح في أسرع وقت ممكن”.
– في 14 أكتوبر/تشرين الأول2020، انعقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة.
– وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول 2020، انعقدت الجولة الثانية، ووصفتها وزارة الخارجية الأمريكية، بأنها “مثمرة”، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
– وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020، انعقدت جولة ثالثة قدّم خلالها كلّ وفد طرحه ومطالبه أمام الآخر وفق مصدر لبناني.
توقف المفاوضات
– في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، انعقدت الجولة الرابعة، ووصفتها الحكومة الأميركية ومكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش بـ”المثمرة”.
– في 4 أيار/مايو 2021 اختتمت جولة خامسة من المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق.
– واعتباراً من الشهر نفسه، تم تعليق المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في ظلّ الوساطة الأممية والأمريكية.
وسيط أميركي جديد
في 10 أغسطس/آب 2021، تم تعيين مستشار أمن الطاقة بوزارة الخارجية الأمريكية، آموس هوكستين ، وسيطاً جديداً.
وفي شباط/فبراير 2022، وصل هوكستين إلى بيروت والتقى مسؤولين لبنانيين في زيارة تطرّقت إلى المفاوضات مع إسرائيل.
ومنذ بداية يونيو/حزيران الماضي، تسارعت التطورات إثر وصول سفينة استخراج وتخزين الغاز على مقربة من حقل “كاريش”، تمهيداً لبدء استخراج الغاز منه لصالح إسرائيل.
فلبنان يعتبر أن “كاريش” يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي استدعى إحياء المفاوضات لضمان ما يؤكد أنه حقّ له.
استئناف المفاوضات
بعد وصول منصة استخراج الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية، دعا لبنان الوسيط الأميركي لاستئناف المفاوضات، وقدّم عرضاً جديداً لترسيم الحدود لا يتطرّق إلى كاريش، إلا أنه لم تظهر أي نتيجة للوساطة وإمكانية استئناف المفاوضات.
منتصف يونيو/حزيران الماضي، زار هوكستين لبنان، بعد توقف للمفاوضات استمر أكثر من عام.
وفي الـ14 من يوليو/تموز الجاري، أعلنت الرئاسة اللبنانية أن الرئيس ميشال عون، قدّم هوكستين رداً على مقترح واشنطن الذي قدمّته قبل أشهر، بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
وقال مصدر لبناني رفيع المستوى إن المقترح الذي قدّمه عون لـ هوكستين، يؤكد أحقّية لبنان باسترجاع حقل “قانا” النفطي كاملاً.
وأوضح المصدر لمراسل الأناضول، أن المقترح اللبناني يقضي أيضاً بإجراء “تعديل على الخط 23 الذي اقترحه المسؤول الأمريكي قبل أشهر”.
وأضاف المصدر، الذي شارك في الاجتماع مع هوكستين وطلب عدم نشر اسمه، أن “الأهمية تكمن في ماذا ستكون ردة الفعل الإسرائيلية على هذا المقترح!”.
وبشأن إن كان المقترح ينصّ على حقل “قانا” مقابل حقل “كاريش”، قال المصدر إن “تأكيد حق لبنان بحقل قانا منفصلٌ عن أيّ شيء آخر، خاصة وأن حقل كاريش معظمه واقع في المنطقة من جهة فلسطين المحتلة وجزءٌ صغير جداً منه واقع في الجهة المتنازع عليها مع الجانب اللبناني ضمن الخط 29”.
وبحسب الخرائط المودعة من الجانبين لدى الأمم المتحدة، تبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كيلو متراً مربعاً، غنية بالنفط والغاز.
عودة التصعيد
في 2 يوليو/تموز 2022 أعلنت جماعة “حزب الله” اللبناني، إطلاق 3 طائرات مسيّرة غير مسلحة تجاه المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل عند حقل “كاريش”، للقيام بـ”مهام استطلاعية.
إلا أن لبنان الرسمي قال إن مسيّرات “حزب الله” خارج إطار مسؤولية الدولة.
وفي 6 يوليو/تموز، أعلن الرئيس عون أن مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل “ستنتهي قريبا”.
ليأتي بعدها خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله في 13 تموز 2022، ويحذّر فيه من اندلاع حرب في حال لم يحصل لبنان على الغاز، مشيراً إلى أن الحزب قادر على “منع” إسرائيل من استخراجه.
وفي 15 يوليو/تموز، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها “لا تزال ملتزمة بتسهيل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بغية التوصل إلى قرار بشأن ترسيم الحدود البحرية”.
وأضافت “لا يمكن تحقيق التقدم نحو حلّ إلا من خلال المفاوضات بين الطرفين المعنيين.
من جهتها حذّرت إسرائيل من أنه “في الحرب القادمة على لبنان ستعاني منظمة حزب الله من ضربة لا تستطيع حتى تخيّلها”.
وهدد القائد القادم لسلاح الجو الإسرائيلي تومر بار، نصر الله، قائلاً إنه “معرّض لكل شيء” في حرب بلا قيود مع إسرائيل.
وفي 19 من يوليو/تموز الحالي، هدّدت إسرائيل لبنان وقادته.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، “لبنان وقادته يعرفون جيداً أنهم إذا اختاروا طريق المواجهة، فسوف يتعرّضون للأذى ويحترقون بشدة، وإذا اختاروا طريق الاستقرار، فإنهم سيساعدون الشعب اللبناني”.
وأضاف في تصريح مكتوب أصدره عقب جولةٍ أجراها برفقة رئيس الحكومة يائير لابيد قرب المنطقة الحدودية مع لبنان: “إسرائيل مستعدة لبذل الكثير من أجل ازدهار جيرانها ومستعدة للتحرك في أي وقت لحماية مواطنيها، نحن مستعدون في جميع المجالات، البرية والبحرية والجوية والإلكترونية”.
ووسط تبادل التهديدات بين إسرائيل والحزب، يسأل مراقبون: هل يعود هوكستين لاستئناف المفاوضات ويصل الملف إلى خواتيم ترضي الطرفين، خاصة بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل بالتزامن مع تصعيد حزب الله بإطلاق مسيّرات استكشافية باتجاه المناطق المتنازع عليها في البحر، الأمر الذي عدّته إسرائيل تعدّياً عليها!