ميديا – واشنطن – دمشق – عواصم – الناس نيوز ::
إندبندنت عربية – مصطفى رستم – واشنطن حذرة من أي تطورات غير متوقعة بخاصة أنها لا تمتلك مصلحة مباشرة في أي سيناريو هناك حالياً باستثناء ضمان عدم وجود تهديد لإسرائيل
السؤال الأبرز المطروح في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد متى ستزول العقوبات عن بلد اكتوى بالحرب، وتلوع ناسه فقراً وعوزاً بسبب الحصار المطبق عليهم، فظلت العقوبات الاقتصادية التي نص عليها قانون “قيصر” وغيره كسيف مسلط على رقاب السوريين بعدما تردت أحوالهم بمرور عقد من السنوات العجاف.
فبعد الثامن من ديسمبر (كانون الأول) من عام 2024، باتت الأوساط الشعبية تتطلع إلى حياة كريمة وعودة اللاجئين لبيوتهم ونهوض الاقتصاد المنهار مجدداً، وكل هذا رهن أن تلغي الولايات المتحدة والدول الأوروبية العقوبات على سوريا التي كانت بالأساس تستهدف الأسد وكبار المسؤولين والهيئات والشركات المتعاونة مع النظام، أو التي تنضوي تحت خدمته.
مصالح أمنية أميركية
في الأثناء حذر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جيم ريتش من أخطار رفع العقوبات بسرعة ودفعة واحدة، ومن توسيع الولايات المتحدة دخولها في سوريا قبل معالجة كثير من المصالح الأمنية والحيوية، ورجح أن يخلق الدخول المبكر والمفرط مزيداً من المعضلات الأمنية بينما محدودية الدخول في الشأن السوري أو غيابه تماماً قد تعطي انطباعاً خاطئاً بعدم اهتمام واشنطن، مما يمنح روسيا وإيران الفرصة لاستعادة نفوذهما هناك.
وحدد السيناتور ريتش أربع نقاط لرفع العقوبات وتسبقها معالجة كثير من المصالح الأمنية والحيوية، أولها الحاجة إلى إثبات الحكومة السورية الجديدة بأنها لن تكون منصة لانطلاق الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة أو شركائها والقضاء على مخزون الأسلحة الكيماوية الباقي من نظام الأسد، وإنهاء النفوذين الروسي والإيراني ومنع موسكو من استخدام مينائها في سوريا المطل على البحر المتوسط لتهديد واشنطن والقلق من استضافة دمشق في الفترة الأخيرة وفداً روسياً لبحث القواعد العسكرية، وضرورة تدمير إمبراطورية الكبتاغون التي بناها نظام الأسد وهي أولوية بالنسبة إلى أميركا، بحسب السيناتور.
رأس السلطة
وكانت الولايات المتحدة الأميركية أصدرت قوانين من أبرزها “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا في الـ17 من ديسمبر عام 2019 ويستهدف الأفراد والشركات التي تمول أو تدعم نظام الأسد، كما يستهدف الصناعات السورية بما فيها المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة والكيانات الإيرانية والروسية التي تقدم الدعم لحكومة الأسد خلال الحرب الأهلية.
وسمي “قيصر” بهذا الاسم نسبة إلى شخص كان في ذلك الوقت مجهولاً سرب معلومات وصوراً لضحايا التعذيب في السجون والمعتقلات بين عامي 2011 و2014، وكشف أخيراً عن هويته ليتبين أنه فريد المذهان وهو مساعد ضابط يعمل كمصور في الطب الشرعي بالشرطة العسكرية.
في الأثناء يرى عضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن ورئيس مركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات عبدالعزيز العنجري في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن واشنطن تتوخى الحذر الشديد في التعامل مع النظام الجديد في سوريا لأنها تدرك أن تغيير رأس السلطة لا يعني بالضرورة تغيير الديناميكيات السياسية والأمنية التي جعلت البلاد ساحة صراع إقليمي ودولي، وخير شاهد التجربة الأميركية في العراق وأفغانستان فأدركت واشنطن أن انهيار النظام لا يؤدي بالضرورة إلى استقرار، بل قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية أو تدخلات خارجية جديدة، لا سيما في ظل تصاعد التنافس الدولي، خصوصاً مع الصين كما أن واشنطن لن تقدم أي تنازلات مجانية وستواصل مراقبة الوضع لفترة طويلة قبل اتخاذ أي خطوات جوهرية.
وتوقع بأن تتريث واشنطن بتقديم الدعم للإدارة الجديدة، ليس بسبب أولوياتها الأخرى فحسب، بل أيضاً بسبب الحسابات الإسرائيلية حتى في حال توافق واشنطن ودمشق على الشروط المعلنة، فإن القرار الأميركي النهائي سيظل مرتبطاً بالحسابات الإسرائيلية، خصوصاً أن تل أبيب لن تسمح بقيام نظام سوري جديد يتمتع بحرية مناورة كبيرة، حتى لو كان معادياً لإيران، وستسعى إلى فرض ترتيبات أمنية صارمة تضمن استمرار تفوقها الاستراتيجي.
وأضاف أن “نتنياهو ربما يستغل نفوذه في واشنطن للضغط من أجل إبقاء سوريا في حال ضعف سياسي وعسكري، مما يعني أن تل أبيب قد تعارض أي رفع سريع للعقوبات، أو تطالب بضمانات أمنية إضافية قبل أن تسمح للإدارة الأميركية بتخفيف الضغط عن دمشق”.
الإيفاء بالشروط .

في المقابل، يحاول الوجه الدبلوماسي الجديد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بث مشاعر الارتياح في الأوساط الأوروبية والدول الغربية والتخفيف من توجس الغرب تجاه الإدارة الجديدة، فأعرب خلال جلسة حوارية على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا عن أمله بلاده في بناء علاقات إيجابية مع الإدارة الأميركية الجديدة، ورفع العقوبات عن سوريا لأنها فرضت على النظام السابق.
في غضون ذلك، يرى أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد بجامعة حلب رائد حاج سليمان في حديث خاص أن هناك عقوبات تستهدف الأفراد وأخرى قطاعية تستهدف قطاعات محددة ولإزالتها نهائياً على الحكومة الجديدة الإيفاء بالشروط السياسية الأخرى ومنها التزام بمحاربة الإرهاب.
ملفات عالقة
بعد سقوط النظام السوري وتولي الإدارة الجديدة الحكم برئاسة أحمد الشرع، طالب عضوان في الكونغرس الأميركي في ظل الإدارة الأميركية السابقة تعليق العقوبات المفروضة على سوريا لتخفيف الضغوط الاقتصادية عقب الإطاحة بالأسد.
وقال العنجري “يجب ألا ننسى دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية في شمال شرقي سوريا، ومن الصعب أن تتخلى عن دعمها لها نظراً إلى أهمية المنطقة هناك، حيث يسيطر الأكراد على أكثر من 60 في المئة من الثروات الطبيعية للبلاد، بما في ذلك النفط والغاز والمياه والقمح”.
غياب الاستقرار
وبالحديث عن التغيير في سوريا وإضعاف محور إيران ومشروعها للوصول إلى البحر المتوسط، لا تزال الولايات المتحدة تتوجس من النفوذين الإيراني والروسي لأن القوة الحقيقية لا تتعلق بعدد القواعد أو حجم القوات، بل بالقدرة على التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ويقول العنجري “حتى مع التراجع الكبير في دورهما العسكري، لا تزال لديهما أدوات نفوذ متناثرة يمكن أن تنشط مجدداً مع غياب الاستقرار في سوريا، وفي بلد مضطرب كهذا لا يتطلب الأمر كثيراً لإحداث تغيير مؤثر، مما يجعل واشنطن حذرة من أي تطورات غير متوقعة، خصوصاً أنها لا تمتلك مصلحة مباشرة في أي سيناريو هناك حالياً، باستثناء ضمان عدم وجود تهديد، حتى لو كان معنوياً، ضد إسرائيل”.

ويعتقد العنجري بأن سياسات ترمب ركزت على تقليص الإنفاق الخارجي وتحميل الحلفاء كلفة القضايا الإقليمية، انطلاقاً من قناعته بأن الولايات المتحدة لن تستمر في تحمل كلف الأزمات العالمية من دون مقابل أو منفعة مباشرة.
وتابع “في هذا السياق، يدرك الأميركيون أن سوريا ما بعد الأسد ستظل في حال اضطراب لأعوام، مما يدفعهم إلى مزيد من الحذر قبل التورط في هذا المستنقع من دون ضمانات سياسية واضحة، ويتعزز هذا الحذر في ظل توجه الإدارة نحو تقليص الالتزامات الخارجية واعتماد نهج أكثر انتقائية في التدخلات الدولية”.



الأكثر شعبية

بطالة وثورة الجوع… تحذير أممي من “أزمة خبز” في سوريا


