دمشق – موسكو – ميديا ووكالات – الناس نيوز ::
سوريا – دخلت روسيا وسوريا قبل أسابيع في مفاوضات حساسة لإعادة ترتيب العلاقات بين البلدين بعد سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى موسكو عبر قاعدة حميميم في كانون الأول الماضي، إذ تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة التفاوض حول مستقبل القواعد العسكرية الروسية في البلاد، وسط مطالب بالحصول على دعم دبلوماسي وتعويض مالي من موسكو.
وبحسب مصادر دبلوماسية، ناقش الرئيس السوري أحمد الشرع في وقت سابق، مع مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة ملفات، من بينها الديون السورية لموسكو، واستعادة الأموال المودعة في روسيا، إضافة إلى مستقبل بشار الأسد، الذي لم تحدد موسكو موقفها منه بعد.
مستقبل القواعد العسكرية الروسية
وفق تقرير لوكالة “رويترز”، يعتمد مصير القواعد الروسية، التي تُعد أساسية للنفوذ العسكري لموسكو في الشرق الأوسط وإفريقيا، على قرارات الرئيس السوري أحمد الشرع.
ويسعى الشرع إلى إعادة التفاوض بشأن عقود الإيجار الموقعة خلال حقبة الأسد، والتي منحت روسيا امتيازات كبيرة، بما في ذلك عقد إيجار لمدة 49 عاماً لقاعدة طرطوس، واتفاقية غير محددة المدة لقاعدة حميميم. ومع ذلك، لا يبدو أنه يرغب في إنهاء الوجود الروسي تماماً.

صفقة محتملة بدلاً من الإقصاء الكامل
تشير المعطيات إلى أن القواعد قد تظل قائمة مقابل دعم دبلوماسي وتعويض مالي من موسكو، التي كانت لاعباً رئيسياً في الاقتصاد والدفاع السوري لأكثر من سبعة عقود، قبل أن تتدخل في الحرب عام 2015 وتسهم في بقاء الأسد في السلطة لسنوات.
ووفق الوكالة، فإنها تحدثت إلى ثمانية مصادر سورية وروسية ودبلوماسية، كشفت عن تفاصيل غير معلنة من أول اجتماع رفيع المستوى بين الشرع ومبعوث خاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وشملت المفاوضات مطالب تتعلق بمليارات الدولارات من الديون، ومستقبل الأسد، وإعادة الأموال السورية المخزنة في روسيا.
فوائد المصالحة للطرفين
ترى الوكالة أن تجاوز العداء بين الأطراف يمثل فرصة ذات منفعة متبادلة. فعلى الرغم من قيام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، فإن القيود المتبقية لا تزال تعرقل التعاملات الاقتصادية مع البلد المنهك بالحرب والبالغ عدد سكانه 23 مليون نسمة.
وقد يكون استئناف روسيا لإمداداتها التقليدية من الأسلحة والوقود والقمح بمنزلة شريان حياة لسوريا. ووفقاً لدبلوماسي مقيم في دمشق، فإن الإدارة السورية الحالية مستعدة “لصنع السلام، حتى مع أعدائها السابقين”.
من جهتها، ترى آنا بورشيفسكايا، الباحثة في معهد واشنطن، أن موسكو لا تزال تملك ما تقدمه لسوريا، قائلة: “روسيا قوية جداً ومتجذرة في سوريا لدرجة أنه لا يمكن تجاهلها”.
وأضافت أن موسكو “بحاجة فقط إلى حكومة في دمشق تضمن مصالحها، وستكون مستعدة لعقد صفقة مع هذه الحكومة”.
إلا أن أحد مصادر الأمم المتحدة أشار إلى أن روسيا لم تصدّر الحبوب إلى سوريا منذ تولي الإدارة الجديدة الحكم.
موقف واشنطن وموسكو وإسرائيل .

منذ توليه منصبه، لم يتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب كثيراً عن سوريا، لكنه سعى إلى تحسين العلاقات الأميركية مع موسكو.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن رحيل الأسد يوفر فرصة لسوريا كي لا تبقى تحت الهيمنة والاضطراب بسبب النفوذ الإيراني أو الروسي.
إلا أن إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، تريد بقاء روسيا كحاجز أمام النفوذ التركي.
خلال اجتماع 29 كانون الثاني في دمشق، سعى أحمد الشرع إلى إلغاء القروض التي تعاقدت عليها سوريا مع روسيا خلال حكم الأسد، بحسب مصدرين تحدثا مع “رويترز”. وكان وزير المالية السوري محمد أبازيد قد صرّح الشهر الماضي بأن سوريا، التي كانت خالية تقريباً من الديون الخارجية قبل الحرب، أصبحت الآن مثقلة بالتزامات مالية تتراوح بين 20 و 23 مليار دولار، من دون أن يحدد حجم الديون المستحقة لروسيا.
وخلال الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أثار المسؤولون السوريون مسألة تسليم الأسد إلى سوريا، لكنها نوقشت بشكل عام فقط، مما يشير إلى أنها ليست عقبة رئيسية في إعادة بناء العلاقات، بحسب أحد المصادر.
وفي هذا السياق، أكد مصدر روسي رفيع المستوى أن موسكو لن توافق على تسليم الأسد، ولم يُطلب منها ذلك.
كما طالب الشرع بإعادة الأموال السورية التي يُعتقد أن الأسد أودعها في موسكو، إلا أن الوفد الروسي، بقيادة بوغدانوف، نفى وجود مثل هذه الأموال، وفقاً لدبلوماسي مقيم في سوريا مطلع على المحادثات.
مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا

عندما سُئل المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف يوم الثلاثاء عن تقدم المفاوضات بين موسكو ودمشق بشأن مستقبل القواعد العسكرية الروسية، أجاب: “نواصل اتصالاتنا مع السلطات السورية”، مضيفاً: “بإمكاننا القول إن العملية جارية”.
من جانبه، قال سيرغي ماركوف، المستشار السابق للكرملين، هذا الشهر إن الأمور تسير بشكل إيجابي بالنسبة لموسكو.
وكتب على تليغرام: “السلطات السورية الجديدة لا ترى روسيا كدولة معادية، لكن موسكو ستضطر إلى تقديم شيء مفيد للحكومة السورية مقابل الحفاظ على قواعدها العسكرية هناك”.
وتطالب دمشق بتعويضات عن الدمار الذي خلفته الحرب، حيث تُقدّر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) كلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تقبل موسكو تحمل المسؤولية المباشرة، لكنها قد تعرض تقديم مساعدات إنسانية، وفقاً لمصدر مطلع على الموقف الروسي.
كذلك، لا يزال مصير الأسد والمسؤولين الذين فرّوا إلى موسكو قضية حساسة، حيث ترفض روسيا تسليم الأسد، مؤكدة ضرورة الاستمرارية في تحالفاتها، وفقاً لمصادر روسية ودبلوماسية.
وقال مصدر روسي رفيع المستوى: “روسيا لا تتخلى عن حلفائها لمجرد أن الرياح السياسية تغيّرت”.


