باريس من د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز ::
“لماذا لا؟ لندعهم يأتون ويعيشون بيننا ويندمجون. أريد أن أساعد كل من يصل إلينا. لم يتركوا كل شيء خلفهم من ترف”.
بهذه الكلمات تلخّص الفنانة الفرنسية دومي توسيرغ قناعتها ، التي تركت مهنة البرمجة الإلكترونية لتستعيد حلم طفولتها مع الألوان، الزيتية منها والغراء المستخدم في ترميم اللوحات الأثرية. تحوّل مسارها كان خطوة نحو فنّ يحمل رسائل إنسانية وسياسية، يتقدّمها موضوع الهجرة ومساندة الوافدين الجدد.
ولدت توسيرغ في مدينة بيزانسون ، حيث نشأت بين أجواء فنية؛ إذ كان والداها يديران معرضاً للفنون التشكيلية. هناك تفتحت موهبتها، فدرست الرسم وتابعت دروساً في الكونسرفتوار. لاحقاً تخصصت في ترميم اللوحات، ومارست العمل كحِرَفية تجمع بين الرسم والكتابة والتلحين. ثم أسست مرسمها الخاص “الأبواب الثلاثة” المخصص للترميم والنسخ وإبداع اللوحات، حيث نظّمت معرضها الأخير في سبتمبر 2025.

في أعمالها يلمس المتلقي شغفها بالخلق والبحث عن المعنى، عبر موضوعات تمسّ المجتمع: العزلة، الهجرة، والعدالة الاجتماعية. تستلهم من الحياة اليومية ومن القضايا الراهنة: حماية البيئة، المساواة، والتضامن الإنساني. لوحاتها غالباً متحررة من القيود الأكاديمية، متأثرة بالسريالية، لكنها أقرب إلى خيالٍ هادف، يعكس رؤيتها لعالم أكثر رحمة وانفتاحاً.
تقول دومي: “من خلال الإبداع أتجاوز واقعاً لا يلائمني، وأتمكّن من التواصل مع أشخاص من مختلف الآفاق. مع الوقت، تتحول أعمالي إلى معارك تُكسب على سطح اللوحة، ليظهر الأفق شيئاً فشيئاً”.
اكتشفت الرسم الزيتي عام 1982 أثناء دراستها لترميم اللوحات. كان، كما تصفه، “عشقاً من النظرة الأولى”، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف عن التجريب والتجديد.

لكن محطتها الأبرز بدأت عام 2017، مع موجات اللجوء التي اجتاحت أوروبا، خاصةً السوريين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم تحت وطأة الحرب.
وجدت نفسها مأخوذة بمصائرهم، فصارت لوحاتها تجسّد محنتهم، من عبور البحار والغابات والصحاري إلى البحث عن الأفق الجديد. شخصيات صغيرة تكافح في طريق شاق، لكنها دائماً تتطلع إلى مستقبل أفضل.
توضح: “بعد أن رسمت الإنسان وحيداً في مواجهة المحن، اتجهت للتعبير عن الكيان المتماسك الذي نطمح إليه. نحن والمهاجرون متشابكون ومتداخلون، وهذه رحلتي. نيتي التي لن تتغير هي أن أشارك شيئاً إيجابياً عبر تجاوز الواقع”.
ولم يقتصر دفاعها على السوريين وحدهم، بل امتد إلى كل من يواجه خطر الإقصاء والنسيان: من المهاجرين الأفارقة العابرين للصحراء، إلى القادمين من آسيا وأمريكا اللاتينية. تراهم جميعاً جزءاً من لوحة أكبر، لوحة الإنسانية التي تسعى إلى أن تستوعب الجميع بلا تمييز.
تؤكد توسيرغ أن أعمالها “مرآة رؤى” لعالمٍ أكثر عدلاً وتسامحاً، عالمٍ لا يُقصي المختلف ولا يخشى القادم الجديد، بل يمنحه فرصة ليكون جزءاً من النسيج المشترك للحياة.



الأكثر شعبية

بيرلا حرب ملكة جمال لبنان 2025


اليمن بين خلافات الداخل وضغوط الخارج
