د . أمير سعادة – الناس نيوز ::
كان من المفترض أن يتم التصويت على التشكيلة الحكومية التي تقدم بها محمد شياح السوداني، لنيل الثقة يوم السبت الماضي، ولكن الأمر أجل إلى بحر الأسبوع المقبل، بهدف الوصول إلى وفاق بين الأحزاب السياسية الكبرى.
المعلومات الأولية الواردة من بغداد تفيد بنية الذهاب إلى حكومة متوسطة الحجم مؤلفة من 22-25 وزيراً، تكون حصة الأسد فيها للإطار التنسيقي المدعوم من قبل إيران (12-13 حقيبة)، بعد قرار مقتدى الصدر العزوف النهائي عن المشاركة في حكومة يترأسها السوداني.
بينما الأحزاب السنية سيكون لها خمسة مقاعد، مقابل 4-6 مقاعد للأحزاب الكردية. هي هزيمة نكراء للسيّد مقتدى، الذي حاول الإعلام الغربي إقناعنا، وعلى مدى أشهر طويلة، أنه رجل “مستقل” و”غيور” على مصلحة العراق، لا يتقاضى مالاً من إيران ولا يأخذ أوامراً من مرشدها الأعلى.
ولكن الأيام القليلة الماضية أثبتت عكس ذلك تماماً، بناء على ثلاثة تطورات هامة.
انتم تتابعون جريدة الناس نيو الأسترالية .
أولاً: كان مقتدى الصدر يشترط أن يكون له اليد العليا والوحيدة في تسمية رئيس الحكومة المقبل، رافضاً مشاركة أحد بقراره. وقد أعلن عن ترشيح شقيق زوجته السفير جعفر الصدر، ابن العلامة الشيعي محمد باقر الصدر، لهذا المنصب.
إلا أن الجميع رفض تفرد الصدر بهذا القرار، ولم تنفع تهديداته ولا استقالة نوابه من البرلمان في شهر يونيو/حزيران الماضي، ولا حتى لجوء أنصاره إلى الترهيب وحمل السلاح وإطلاقه في وجه المواطنين العزّل، بعد احتلالهم مبنى المجلس النيابي قبل شهرين.
جاء الأمر الأول من طهران بضرورة الانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء، والثاني بسحب ترشيح جعفر الصدر والقبول بالسوداني. قبل به الصدر، مرغماً، رئيساً جديداً لمجلس الوزراء، خلفاً لمصطفى الكاظمي.
نفذ الصدر التعليمات الصادرة عن طهران بدقة متناهية، مع الاشتراط ألا يتم محاسبة أو ملاحقة كل من حمل السلاح من أنصاره وتسبب بقتل مواطنين عراقيين.
انهار حلم مقتدى الصدر برئاسة الحكومة، وأجبر على قبول من كان قد وعد أنصاره بعدم تقبله مهما كلفه الأمر.
ثانياً: بعد انسحابه المُذل من المنطقة الخضراء، حاول مقتدى الصدر المراوغة سياسياً وطالب بحلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
ولكن طلبه قوبل بالرفض من قبل مجلس القضاء الأعلى، المستقل من حيث المبدئ ولكنه تابع باطنياً لإيران وللإطار التنسيقي. صحيح أن جماعة الصدر فازوا بثلاثة وسبعين مقعداً من أصل 329 مقعداً في انتخابات شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، ولكن هذه النتيجة لم تكن مرضية بالنسبة لهم (على الرغم من تصريحاتهم في حينها)، ولا هي كافية لجعلهم أكثرية مطلقة، أو إعطائهم حق تشكيل الحكومة منفردين دون التشاور أو التحالف مع أحد.
الأغلبية تحتاج إلى 165 نائباً في البرلمان العراقي، وهذا ما حاول الصدر تحقيقه بالسعي نحو انتخابات مبكرة، ظنّاً أنه قادر على رفع حصة أنصاره من 73 إلى ما لا يقل عن 100 نائب.
ولكن ذلك أيضاً لم يحصل، وتضاعفت تنازلات الصدر، من قبول بالسوداني رئيساً إلى قبوله ببقاء المجلس الحالي على ما هو عليه، دون تمثيل للكتلة الصدرية .
ثالثاً: إن خلاف الصدر مع الإطار التنسيقي يعود إلى رغبته بحكم الطائفة الشيعية منفرداً، ومن خلالها العراق برمته، والطائفة دون أي شريك أو “معلّم”.
حاول البعض تصوير هذا الخلاف على أنه خلاف مبادئ حول السيادة الوطنية داخل البيت الشيعي الواحد، معتبرين أن الصدر هو “معارض لإيران”، مقابل الإطار “المحسوب على إيران”. هو كلام فارغ، فلا مشكلة لدى مقتدى الصدر مع إيران ولا رغبة لديه في شق عصا الطاعة والتمرد على الوليّ الفقيه.
وصل الخلاف إلى ذروته بعد ترشيح الإطار لنوري المالكي لرئاسة الحكومة في مطلع الصيف الماضي، وهذا ما رفضه الصدر بالمطلق بحجة أن عهد المالكي الأول (2006-2014) كان رمزاً للفساد والمحسوبيات، وفيه سقطت مدن عراقية بأكملها بيد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
نسي الصدر أنه كان حليفاً للمالكي في تلك الفترة وأنه هو الذي أعطى الموافقة النهائية على توليه الحكم سنة 2006، مقابل حماية الدولة لعناصر جيش المهدي (سرايا السلام اليوم) من أي محاسبة أمام القانون.
في عهده انتشر سلاح الميليشيات في شوارع بغداد، وكان في مقدمتها سلاح التيّار الصدري، الذي استخدم لتصفية البعثيين القدامى وأهل السنة بالعموم، إضافة لعدد كبير من أعدائه من أهل الشيعة أيضاً (من آل الحكيم والخوئي).
في عهد المالكي “الفاسد”، شارك مقتدى الصدر في إعدام الرئيس السابق صدام حسين، الذي تم علي يد أزلامه المقنعين والموشحين بالسواد، بدلاً من عناصر نظامية من الشرطة أو الجيش.
وفي عهده تولّى التيّار الصدري مناصب حكومية حساسة، قام باختيارها بنفسه، مثل حقيبة التربية وحقيبة الصحة.
مشكلة مقتدى الصدر مع نوري المالكي لم تكن بسبب فساد الأخير بل لأنه رجل ديكتاتور وسفيه ، لا يمكن للصدر السيطرة عليه أو التدخل في قرارته. ولكنه يجد نفسه اليوم مجبراً على القبول بالمالكي مجدداً، ليس كرئيس وزراء هذه المرة بل نائباً للرئيس المكلّف محمد شياح السوداني، ووزيراً للنفط.
وهنا يكون تنازل الصدر الثالث والأخير، لإنهاء الجدل الدائر في الإعلام عن مدى تبعيته لإيران وانصياعه لأوامرها.