د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز :
تميزت ثورة الربيع العربي في اليمن بأن الدعم للثورة جاء من كبار شيوخ القبائل ومن أعلى هرم السلطة السياسية والعسكرية من المعتدلين المؤيدين لمطالب الثوار في الكرامة والمساواة.
ذلك التماهي أحدث شرخا في النظام، ووقف الطرف المعتدل الداعم للثوار لينشئ تحالفا مع المعارضة السياسية التي تشكلت منها ساحات التغيير ، وكان أحد الأسباب التي وفرت الحماية للجموع الثائرة وتزويدها بعوامل الاستمرار، وهو ما لم يحدث في الدول العربية الأخرى التي عصف بها الربيع العربي.
في 11 فبراير / شباط 2011م نصبت الخيام في ساحة جامعة صنعاء. الآف من الشباب ينشدون حياة كريمة، معظمهم من الخريجين الذين أنهكوا وهم يبحثون عن فرص عمل . الشعارات كانت حقوقية مطلبية، حملت في طياتها رسائل كثيرة عن الخيبات. وعن العدو الداخلي الذي احتكر الوظائف العامة، ونهب المال العام. تسيد الموقف بعدها سيل الاستقالات من المناصب الحكومية. وانتشرت ساحات التغيير في عواصم المدن الكبرى.
صحيح أن الاختلالات المجتمعية سادت، لكن بالمقابل كانت هناك إصلاحات اقتصادية بدأت، وتفهم للمشاكل، ودعوات لتجاوز المنزلق الذي ستدخل فيه اليمن. لكن الخلاف كان أكبر .
الثورة الشبابية في اليمن أكدت سلميتها، واتسعت لسائر الأفكار والتوجهات. كان الحوثيون أول من التحقوا بساحات التغيير في 2011م. وكذلك كان الحراك الجنوبي. وكثير من المنظمات اليمنية غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان، والأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة والتي لها ثارات مع النظام السابق.
كان للأشقاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربي مساعي في إيجاد حلول لرأب الصدع اليمني وتجاوز تداعيات ثورة الربيع، عندما تقدموا بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية للحل السياسي في اليمن، في نوفمبر/تشرين الثاني 2011م. تضمنت المبادرة الخليجية تشكيل حكومة وفاق وطني مناصفة بين أحزاب المعارضة وبين النظام السابق. كما تضمنت تنظيم انتخابات رئاسية توافقية تولى وفق نتائجها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي رئاسة الدولة.
المبادرة الخليجية أوصت بمؤتمر للحوار الوطني الشامل في اليمن برعاية إقليمية ودولية. بدأ أعماله في مارس/آذار 2013م، ناقش قضايا المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، وتناول قضية بناء الدولة، والحكم الرشيد، واستقلالية الهيئات، والحقوق والحريات، واهتم بالتنمية الشاملة.
أعطيت الأولوية لقضية صعدة والقضية الجنوبية في وثيقة مؤتمر الحوار التي أفردت وضعا خاصا للقضيتين و وضعت حلولا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعسكرية وأمنية. تبين بعد ذلك أن هناك خلافات أيديولوجية وسقفاً عالياً من المطالب يتجاوز مخرجات وثيقة الحوار الوطني.
اختتم مؤتمر الحوار الوطني في يناير/كانون الثاني 2014م. وبدأت مرحلة تشكيل لجنة صياغة الدستور . انحصرت مهمة اللجنة بالصياغة الدستورية لقرارات مؤتمر الحوار الوطني وتضمينها دستور الجمهورية اليمنية الجديد. على أن يتم الاستفتاء عليه شعبيا.
لم يكن هناك إجماع حقيقي على مخرجات الحوار الوطني وعلى مسودة الدستور بين القوى السياسية الرئيسية في اليمن. شكل ذلك تهديدا لكيان الدولة ولشرعيتها، وأخل بشروط الانتقال الديمقراطي، وتم الاحتكام للسلاح. وطفت على السطح تدخلات خارجية كان لإيران الدور الأكبر فيها فدعمت الحوثيين للسيطرة على اليمن. هنا تصدع تآلف ثوار الربيع مما حذا بالقسم الآخر إلى النقيض.
اليوم وبعد عشرة أعوام من ثورة الربيع العربي في اليمن ويطلق عليها أيضا الثورة الشبابية السلمية، تكرست الفجوة بين الشمال والجنوب، وبين الجنوبيين أنفسهم. وإن وجدت الحلول عبر المبادرات الإقليمية والدولية، إلا أن هناك من يرفض مبدأ الحكومات التوافقية، ولا تتناسب مع أيديولوجيته لأسباب شتى، وليثبت بذلك أنه لا يفهم منطق المراحل الانتقالية والائتلافات الواسعة.
ويبقى السؤال أين الشعب، الأغلبية الصامتة غير المؤطرة حزبيا؟
كان الشعب اليمني ولا يزال مؤيدا للتوافقات فإذا اتفقت النخبة السياسية على قيادة الدولة فهو لا يعارض بشرط أن تكون النخب عند مستوى المسؤولية وبعيدة عن الفساد.
كما أن الشعب اليمني أصبح غير متحمس لما جاءت به ثورة الربيع، فهو يرى الأحزاب السياسية تتصارع على الحقائب والحصص والغنائم. فيشعر باغتراب أكثر. وهناك أناس كثر أصبحوا يعتقدون أن سلطوية النظام السابق، حفظت للمواطن الخبز والراتب، وللدولة وحدتها واستقرارها.